الأزهر ومعركته ضد التخلف الحضاري

 

بقلم الأستاذ : مازن أبو الفضل مدرب تنمية بشرية ومهارات 

 

 

منذ أيام أعلن المجلس الإعلامي لجامعة الأزهر عن نيته لتعريب العلوم الطبية بهدف تدريسها لتخصصات الطب وطب الأسنان والصيدلة والهندسة والطب النفسي بضمان كل الأبعاد الأكاديمة والتطبيقية، وجاءت هذه الخطوه بهدف ضمان تحقيق أفضل معايير التعليم الطبي لتلبية احتياجات الطلبة والمجتمع.

أي أن الأزهر سيقوم بترجمة العلوم للغة العربية حتى يسهل التعاطي معها ودراستها وتطبيقها .

ورغم أنه لا يوجد قرار حقيقي حتى الآن وأن الأمر مجرد دراسة قامت عاصفة من ردود الأفعال السلبية التي تهاجم هذا القرار أو حتى تهاجم النية له.

جاءت ردود الأفعال من التيارات الإسلامية والقومية والعلمانيه، وكل تيار كانت له إدعاءات مختلفه لا تنبع من اهتمامه بالمجتمع وتطوره بل له علاقه بتبعات القرار ومنبعه.

جاءت اعتراضات التيار الإسلامي المتمثل في جماعة الإخوان المحظورة والتيار السلفي التكفيري على بيان جامعة الأزهر أنه قرار مؤسسة من مؤسسات الدولة المغضوب عليها أو من المؤسسة التي لها مرجعية مليونية في جميع أنحاء العالم، اعتراضات بمبدأ “خالف تُعرف” ولو كان هذا القرار كان من وزير تعليم في ٢٠١٢ أو اقتراح من أيقونة سلفية لكان خطوة في الإتجاه الصحيح، لكن الغضب والحقد اعمى البصائر وحجبها عن كل ما هو أزهري أو وطني.

الإعتراضات الأقوى كانت من أتباع التوجهات القومية والعلمانية، تلك التوجهات التي تبغض كل ما هو عربي أو إسلامي.

القوميين يرون أن الحضارة الإسلامية هي هجمات البدو الأعراب على مقدرات البلاد المادية والمعنوية ومسخ للرُقي والحضارة التي كانت موجوده، وحتى نرتقي علينا بالعوده لجذورنا المصرية القديمة.

والعلمانيين يرون أن الدين عامل مهم في تخلف الشعوب وعائق أمام نهضتها، وحتى نرتقي علينا بالسير خطوة بخطوة في ركاب الغرب ونتبع أنماطه العلمية والحياتية.

الإعتراضات من التيارات السابق ذكرها وأتباعهم كانت تحتوي على أفكار عدة منها أن العلوم تدرس بلغتها في كل مكان وأن الدارس لن يستطيع تطبيق العلوم في الواقع أو عند حضوره مؤتمرات خارجيه، وبعضهم ربط هذا القرار “الذي مازال يُدرس” بقرار عودة الكتاتيب الذي كان قد أُخذ منذ فترة وقالوا انه بهذين القرارين عدنا للعصور الوسطى.

ونحن لسنا في موضع تنظير لبيان الأزهر أو في تفنيد دعاوي المعترضين، انما هي فرصة لعرض بعض الأفكار التي يمكن أن تساعدنا على فهم ما يجري من تصريحات وأقوال، إذ من الأدوات المهمة للتحليل والحكم وإنتزاع الحقيقة من قلب الوهم هو فهم دوافع المصدر المعرفية وطريقة تفكيره او منطقه.

التيارات السلفية في الحقيقة كان لها نفس الإعتراضات طوال القرون الماضية من حضارة الإسلام، فكل ما هو غير تقليدي أو مألوف محموم عليه بالبدعية والشرك، فهذا لم يفعله صاحب الشريعة وأصحابه، اذن هو ليس من الإسلام، نذكر على سبيل المثال لا الحصر اعتراضات  ابن تيمية والجاحظ على حركات ترجمة العلوم في العصر العباسي، تلك الحركات التي أعطت رونق رائع جعل لها ريادة دامت قروناً، تلك الحركة التي دعمها وقادها فلاسفة وعلماء كالكندي والرازي وأحمد بن موسى وقدموا للعالم الإسلامي علوم الطب والرياضيات والفلسفة والفلك، تلك الحركة التي ساعدت بن سينا على فهم كتب آرسطو التي شرحها الفارابي المعلم الثاني.

ومن جمال تدابير الله وهيمنته وعنايته أن العلوم الإنسانية انتقلت الى المسلمين في محنة عالمية اسمها “العصور الوسطى” ثم بعدما تعافت اوروبا حقبتها السلفية أستعادت تلك العلوم مرة أخرى بالرونق العربي الإسلامي لتعود الى أوروبا وتنفع الناس، أي أنه لولا الإنفتاح الثقافي الإسلامي على العلوم وإستيعابها لماتت ولتخلف العالم ولضاعت البشرية، وهذا بحق من كرامات نبي الإسلام على العالم أجمع.

أما الرفاق القوميين فهم في كبسولة زمنية عفا عليها الزمن، فهم سلفيين أيضاً لكن بدوافع أرضية، مظلومية سمجه عن الحضارة المنهوبة، حضارة لن يمكن بناءها في الوقت الحالي اذ ليس هناك لها أي دعائم أو روافد، إدعائاتهم ستسقط أمام رجل بسيط في حي السيدة زينب إذا سألته عن آمون أو تحتمس أو قوانين ماعت، ربما تكون محظوظ اذا سألته عن رمسيس فيشير لك على محطة مترو الأنفاق لتركب خط المرج-حلوان.

وعن العلمانيين فحدث ولا حرج، عُباد الغرب وشيعته، فكل ما هو غربي جميل ورائع ودعك من المظاهر والشعارات والشعائر التي لها علاقة بالدين الإسلامي او العرب، هؤلاء العلمانيين الذين ينشرون دوماً صور لنساء سافرات بملابس البحر في شوارع طهران أو أفاغنستان أو مصر الملكية ويقولن لك هذا حال بلادنا قبل الغزو الإسلامي.

كل هذه الإدعاءات والإعتراضات تمس الهوية الثقافية بشكل صريح، وهو ما له ضرورة حضارية في هذا الوقت.

لا يمكنك أن تنكر الأزمة الثقافية التي نعاني منها في مجتمعاتنا العربية، الشباب الذي منشأه عربي لكن هواه غربي، نمط الحياة الإستهلاكي الشهواني، كل هذا يجعلنا عبيداً للغرب بكل الأشكال، محاسيبه كما يقول رجل الشارع البسيط.

الثقافة الغربية التي تصنع شاباً لا يرى بأس في سيطرة الغرب على مقدراتنا وصنع قرارنا السياسي لإنهم في رأيه أفضل مننا.

من الجدير بالذكر أيضاً ويعتبر من محاسن قرار مؤسسة الأزهر إن تم أخذه أن اللغة لها تأثير مباشر على طريقة التفكير ومنطقه، فاللغة هي أكثر من مجرد وسيلة للتواصل؛ إنها تشكل طريقة تفكيرنا وتصورنا للعالم.

كيف يحدث ذلك؟

 * التصنيف والتسمية: كل لغة تقسم العالم بطرق مختلفة، وتصنف الظواهر والأشياء بأسماء محددة. هذا التصنيف يؤثر على كيفية إدراكنا وفهمنا لهذه الظواهر.

 * الهياكل النحوية: بنية الجمل وقواعد اللغة توجه سياق تفكيرنا، وتؤثر على كيفية ربط الأفكار وترتيبها.

 * الأمثال والمعتقدات الثقافية: الأمثال والحكايات الشعبية المتضمنة في اللغة تعكس قيم وثقافة المجتمع، وتشكل عاداتنا وأفكارنا.

كما أن هناك علاقة بين اللغة والقيم، فاللغة تحمل في طياتها قيم المجتمع. على سبيل المثال:

 * احترام الكبار: في بعض الثقافات، هناك كلمات خاصة تستخدم عند مخاطبة الكبار في السن، مما يعكس احترام المجتمع للكبار.

 * التواضع: في بعض اللغات، هناك تفضيل لاستخدام الضمائر المتواضعة، مما يعكس قيمة التواضع في تلك الثقافات.

 * الجماعة مقابل الفرد: بعض اللغات تركز على الجماعة، بينما تركز لغات أخرى على الفرد. هذا الاختلاف يعكس قيم المجتمع تجاه الجماعة والفرد.

هذا غير نظريات النسبية اللغوية والإستقلال النسبي اللتان تربطان بين اللغة والتفكير فيما إذا كانت اللغة تشكل الفكر أو اللغة هي مجرد أداة للتعبير، وهو خلاف مماثل لخلاف أصالة الوجود أم الماهية بين فلاسفة المشاء والإشراق، هذا الخلاف الذي يعزز العناصر ولا يلغيها، فأنا موجود ولي ماهية وفي النهاية مرتبط بالله، فأيضاً لا يهم ما إذا كان أي من اللغة أو التفكير أحدهم يسبق الآخر إلا أن هناك تفاعل بين اللغة والفكر، فاللغة تؤثر على تفكيرنا، ولكن تفكيرنا أيضًا يشكل لغتنا، والثقافة تلعب دورًا هامًا في هذه العلاقة، حيث أن القيم والمعتقدات الثقافية تؤثر على تطور اللغة واستخدامها.

وتعريب العلوم يمكن أن يساعد الأمة الإسلامية في وضع قدم راسخه في العالم الآن خاصة في الوقت الحرج الذي تمر به البشرية، وقت سقوط كل الأيدولوجيات المادية وتعطش العالم لنموذج عادل ينفذ العالم يُقدر التقدم الخادم للمعنوية الذي يؤهل الإنسان لحياة متوازنه طيبه تجعله مقبولاً في ساحة الله.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *