هل يجوز تفسير القرآن بالرأي؟
15 يناير، 2025
قضايا شرعية

بقلم الشيخ : محمد أبو النصر
الكاتب والباحث فى الشريعة الإسلامية
هل يجوز تفسير القرآن بالرأي؟
✍️ يُعَدُّ تفسير القرآن الكريم من أشرف العلوم الإسلامية، نظرًا لارتباطه بفهم كلام الله تعالى وتبيين معانيه.
● معنى التفسير .
التفسيرُ في اللغة: التَّبيينُ والكشفُ والتوضيحُ.
وفي الاصطلاح: علم يبحث فيه عن أحوال القرآن الكريم من حيث دلالته على مراد الله تعالى بقدر الطاقة البشرية.
● تفسير القرآن بالرأي
موضوع خلافي بين العلماء، وله ضوابط وشروط يجب مراعاتها. ويمكن تقسيم الرأي في تفسير القرآن إلى نوعين:
● التفسير بالرأي المذموم: وهو التفسير الذي يعتمد على الهوى أو الأهواء الشخصية دون استناد إلى أدلة شرعية أو قواعد اللغة العربية أو فهم السلف الصالح.
وهذا النوع من التفسير يعتمد فيه المفسر على رأيه الشخصي دون الاستناد إلى أدلة شرعية أو قواعد لغوية.
هذا النوع من التفسير ممنوع ولا يجوز، لأنه قد يؤدي إلى تحريف معاني القرآن أو إدخال ما ليس فيه. قال الله تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} (الإسراء: 36).
وقد حذّر العلماء من هذا النوع من التفسير ، مستندين إلى أحاديث نبوية، منها قول النبي صلى الله عليه وسلم: “من قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار” . ويُعتبر هذا التفسير غير جائز شرعًا، لأنه قد يؤدي إلى تحريف معاني القرآن والابتعاد عن مقاصده الصحيحة.
● التفسير بالرأي المحمود: وهو التفسير الذي يعتمد على الأدلة الشرعية، وقواعد اللغة العربية، وفهم السلف الصالح، مع الاجتهاد في فهم النصوص وفق الضوابط العلمية.
-في هذا النوع، يُعمِل المفسر عقله في فهم القرآن، مستعينًا بالعلوم الشرعية واللغوية، مثل علم النحو، والبلاغة، وأصول الفقه، مع الالتزام بالضوابط الشرعية.
وقد أقرّ العلماء هذا الأسلوب بشرط توفر المؤهلات اللازمة في المفسر، وأن يكون تفسيره مستندًا إلى أدلة معتبرة. قال الإمام بدر الدين الزركشي: “ولا يجوز تفسير القرآن بمجرد الرأي والاجتهاد من غير أصل” .
هذا النوع من التفسير جائز بل مطلوب إذا كان المفسر مؤهلاً لذلك.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: “التفسير على أربعة أوجه: وجه تعرفه العرب من كلامها، وتفسير لا يعذر أحد بجهالته، وتفسير يعلمه العلماء، وتفسير لا يعلمه إلا الله”.
● شروط التفسير بالرأي المحمود:
ـ أن يكون المفسر عالماً باللغة العربية وعلومها.
-العلم بالعلوم الشرعية: كأصول الفقه، والحديث، والعقيدة.
-الاستناد إلى التفاسير المعتبرة: لتجنب الوقوع في الأخطاء.
– أن يكون عالماً بأسباب النزول والناسخ والمنسوخ.
لفهم سياق الآيات ومراميها.
– أن يكون عالماً بالسنة النبوية وأقوال الصحابة والتابعين.
– أن يتجنب تحميل النصوص ما لا تحتمل من المعاني.
– أن يلتزم بالضوابط الشرعية ولا يخرج عن إجماع الأمة.
👈 فالتفسير بالرأي ليس ممنوعاً مطلقاً، بل هو جائز بشرط أن يكون ضمن الضوابط الشرعية والعلمية، وأن يكون المفسر مؤهلاً لذلك.
أما التفسير بالهوى أو دون علم فهو ممنوع ويعد من الكذب على الله تعالى.
●أمثلة على التفسير بالرأي المحمود:
الاجتهاد في فهم النصوص:
– مثل تفسير الآيات التي تحتمل أكثر من معنى، مع الاستناد إلى الأدلة الشرعية وقواعد اللغة. المتشابهات: مثل الآيات التي تحتاج إلى تأمل وفهم عميق، كقوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه: 5)، حيث يفسرها العلماء
بعدة تفسيرات وفق منهج أهل السنة والجماعة دون تحريف أو تشبيه.
●أمثلة على التفسير بالرأي المذموم:
– التفسير بالهوى: مثل تفسير الآيات وفق الأهواء الشخصية أو الأغراض السياسية أو المذهبية دون استناد إلى أدلة شرعية. مثلاً، تفسير آيات الجهاد بأنها تدعو إلى العنف دون مراعاة السياق والأحكام الشرعية.
أو تفسير الشيعه قول الله تعالى : إنا أعطيناك الكوثر بأن الكوثر هو “علي بن أبي طالب” وهذا من تحريف الكلم عن موضعه.
– التفسير بغير علم: مثل تفسير الآيات دون معرفة باللغة العربية أو علوم القرآن، مما يؤدي إلى تحريف المعاني. مثلاً، تفسير قوله تعالى: {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ} (الطارق: 1) بأن “الطارق” هو نجم معين
أو الطَّارِقِ: الكوكَبِ أو النَّجمِ الَّذي يَظهَرُ باللَّيلِ ويَختفي بالنَّهارِ، يُقالُ: طَرَقَ يَطرُقُ طُروقًا، أي: جاء لَيلًا، وأصلُ (طرق): يدُلُّ على الإتيانِ مَساءً .
قالوا هذا الكلام دون دليل شرعي وانما هي نقول نقلها العلماء قد توافق الواقع أو قد ذكرها علماء الفضاء في كتبهم
● أهمية التفسير الصحيح:
التفسير الصحيح للقرآن هو مفتاح فهم رسالة الله تعالى، وهو وسيلة لتطبيق أحكامه في الحياة. لذلك، يجب على المسلم أن يتعلم التفسير من مصادر موثوقة، وأن يتجنب التفسيرات التي تخرج عن الإطار الشرعي.
● دور العلماء في التفسير:
العلماء هم ورثة الأنبياء، ودورهم كبير في تفسير القرآن وبيان معانيه للناس.
يجب على المسلم أن يرجع إلى تفاسير العلماء المعتبرين الذين التزموا بالضوابط الشرعية والعلمية في تفسير القرآن. ومن أشهر كتب التفسير التي يعتمد عليها:
📓تفسير الطبري (جامع البيان عن تأويل آي القرآن): يعتبر من أقدم وأشمل التفاسير، ويعتمد على الروايات والأحاديث وأقوال الصحابة والتابعين.
📓تفسير ابن كثير (تفسير القرآن العظيم): يتميز بالاعتماد على القرآن والسنة وأقوال السلف، مع تجنب الإسرائيليات الضعيفة.
📓 تفسير القرطبي (الجامع لأحكام القرآن): يركز على الأحكام الفقهية المستنبطة من الآيات.
📓تفسير المنار وهو تفسير يجمع بين العقل والنقل
● أهمية التفسير الصحيح:
– فهم مراد الله تعالى: التفسير الصحيح يساعد المسلم على فهم مراد الله تعالى من الآيات، مما يقربه من تطبيقها في حياته.
– تجنب الانحراف:
التفسير الخاطئ قد يؤدي إلى انحرافات عقائدية أو فقهية، لذلك يجب الاعتماد على التفسيرات الموثوقة.
– الاستفادة من الحكم والأحكام: القرآن يحتوي على أحكام شرعية وحكم عظيمة، وفهمها يتطلب تفسيراً صحيحاً.
– الرد على الشبهات: التفسير الصحيح يساعد في الرد على الشبهات التي يثيرها المشككون حول القرآن.
● وخلاصة القول:
لا يجوز تفسير القرآن بالرأي الشخصي المجرد دون الاستناد إلى أدلة شرعية وقواعد لغوية.
أما التفسير بالرأي المستند إلى العلم والضوابط الشرعية فهو جائز ومحمود، بشرط توفر المؤهلات اللازمة في المفسر والالتزام بالمنهجية العلمية الصحيحة.
“وإن قال لنا قائل: فما أحسن طرق التفسير؟
فالجواب: أنَّ أصحّ الطرق في ذلك أنّ يُفَسَّر القرآن بالقرآن، فما أُجْمِل في مكان فإنه قد بُسِطَ في مكان آخر، فإنْ أعياك ذلك فعليك بالسنة النبوية الشريفة؛ فإنها شارحةٌ للقرآن ومُوَضِّحةٌ له، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْقُرْآنَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ».
يعني السنة، فإنْ أعياك ذلك فعليك بأقوال الصحابة؛ فإنهم أدرى بذلك بسبب ما شاهدوا من القرآن والأحوال التي اختصوا بها، ولما لهم من الفهم التام والعلم الصحيح والعمل الصالح، فإنْ أعياك ذلك فعليك بأقوال كبار التابعين؛ لأنهم أدرى الناس بمعاني كلام الله تعالى بعد الصحابة”