لماذا يتبنى الازهر الشريف وأغلب الاكاديميات الإسلامية في العالم العربي والإسلامي العقيدة الاشعرية؟

بقلم الدكتور الشيخ / محمد سعيد صبحي السلمو ( الأزهرى البابي الحلبي )

لماذا يتبنى الازهر الشريف وأغلب الاكاديميات الإسلامية في العالم العربي والإسلامي العقيدة الاشعرية؟

العقل والإيمان: رؤية لتبني المناهج الفقهية والعقائدية في الجامعات العالمية

إذا افترضنا أن جامعة أمريكية مرموقة، تحترم قيمتها الأكاديمية وتاريخها العلمي، قررت تأسيس كلية للعلوم الإسلامية، فإنها ستكون أمام خيارات متعددة في تحديد المناهج التي ستعتمدها في تدريس الفقه والعقيدة. فالعالم الإسلامي غني بتنوعه الفكري، ولهذا لا بد أن تكون هذه الجامعة حريصة على اختيار المناهج التي تتسم بالعمق العلمي والشمولية، مما يضمن الحفاظ على سمعتها الأكاديمية ويحقق مصلحة البحث العلمي.

الفقه: مدارس أربعة لا بد من اعتمادها

عندما يتعلق الأمر بتدريس الفقه الإسلامي ، سيكون من المؤكد أن الجامعة ستختار المدارس الفقهية الأربعة الكبرى: ( الحنفي والمالكي* والشافعي والحنبلي ).

ذلك أن هذه المدارس تمتلك قاعدة كبيرة من المصادر والمراجع الفقهية، وقد أسهمت بتطوير متين للمسائل الفقهية عبر العصور.

كما أن تنوعها يمثل غزارة علمية، ويتيح للطلاب الإلمام بمختلف الآراء والاجتهادات الفقهية.

من خلال هذه المدارس، يمكن للطلاب التعمق في الفقه المقارن، الذي يبرز التمايزات بين هذه المدارس ويساعد على تطوير مهارات التفكير النقدي والتفكير العقلاني في مجال التشريع.

العقيدة: بين المناهج التقليدية والتحديات المعاصرة

ولكن عند الانتقال إلى العقيدة الإسلامية ، سيكون التحدي أكبر. ففي الوقت الذي تشتهر فيه المدارس الفقهية الأربعة بتنوعها وغزارة مصادرها، فإن تنوع المدارس العقدية أكثر تعقيدًا.

فالعقيدة لا يمكن أن تقتصر على مجرد التأصيل النظري، بل يجب أن تشكل قاعدة فكرية عقلانية، تُسهم في بناء شخصية المؤمن الذي يعيش في عالم معقد ومتعدد الثقافات.

المدارس السنية العقائدية يمكن تصنيفها إلى ( المدرسة الأشعرية والمدرسة الماتريدية ) ، إلى جانب المدرسة المعتزلية بالطبع، قد تستبعد الجامعة الأمريكية بعض المدارس العقدية مثل المنهج الوهابي والشيعي ، وذلك لعدة أسباب علمية ومنهجية.

فالمذهب الوهابي، رغم كونه جزءًا من التنوع الفكري في العالم الإسلامي، يفتقر إلى المنهج العلمي العميق الذي يتطلبه التدريس في بيئة أكاديمية محترمة، حيث يركز غالبًا على مسائل تكفيرية وإقصائية ولا يحتوي على مصادر علمية متكاملة.

أما المدرسة الشيعية، رغم غناها الفكري، فإنها تتبنى رؤية عقدية قد تثير تساؤلات تتعلق بمنهجية البحث العلمي المحايد ، مما قد يعقّد إدراجها في بيئة أكاديمية تسعى إلى التوازن.

الأشاعرة والماتريدية: خيار العقلانية والاعتدال

إذن، سيكون الخيار الأمثل لهذه الجامعة هو اعتماد الفكر الأشعري والماتريدي كأساس للمناهج العقدية.

ولعل السبب الرئيسي في ذلك هو أن الأشاعرة، وعلى الرغم من تنوع وتعدد المدارس العقدية في تاريخ الأمة الإسلامية، تبنوا منهجًا عقلانيًا وفلسفيًا فريدًا.

هم أول من رد على المعتزلة بأسلوب علمي عقلي، ما جعلهم في صدارة الفكر الإسلامي العقلاني.

كما أن الأشاعرة كانوا في مواجهات فكرية مع الفلاسفة والملاحدة، ما أضاف إلى تراثهم الفكري غنىً وإبداعًا، وجعلهم روادًا في حماية العقيدة الإسلامية من الانحرافات الفكرية.

إن المدرسة الأشعرية تتمتع بتاريخ طويل من الانفتاح على الفلسفة والعقل، مما يجعلها أكثر قدرة على التعامل مع التساؤلات الفلسفية والعقلية التي تطرحها قضايا العصر الحديث. كما أن معظم علماء الأمة اليوم ينتمون إلى هذه المدرسة العقدية، مما يجعلها الخيار الأكثر منطقية لتدريس العقيدة في جامعة دولية تسعى إلى تقديم تعليم علمي محايد ومتجرد.

لماذا الأزهر منارة العالم الإسلامي؟

إذا نظرنا إلى الأزهر الشريف كمثال في هذا السياق، نجد أنه يمثل نموذجًا مثاليًا في تبني المنهج الأشعري، بالإضافة إلى استيعابه للمذاهب الأربعة.

فهو لا يقتصر على مدرسة فقهية واحدة أو مذهب عقدي واحد، بل يعزز من التعددية الفكرية ويشجع على التفكير النقدي.

وهذا هو ما يجعل الأزهر منارة العلم في العالم الإسلامي، حيث يتيح لطلاب العلم الانفتاح على جميع المدارس الفكرية مع الحفاظ على المنهج العقلاني والاعتدال في فهم الشريعة.

إن الأزهر، الذي يعكس التنوع الفقهي والعقدي في العالم الإسلامي، هو الذي أسهم بشكل كبير في إثراء المكتبة الإسلامية، وفتح المجال لمناقشة المسائل الفكرية المعقدة، مما أدى إلى تطور الفكر الإسلامي بشكل مستمر. وعندما يتبنى الأزهر الفكر الأشعري في عقيدته، فإنه لا يسعى فقط إلى الحفاظ على التقليد، بل إلى إثراء العقل وتنمية القدرة على البحث والاستكشاف.

الخلاصة

إذا كانت هناك جامعة عالمية تسعى إلى تبني منهج علمي محترم في تدريس العلوم الإسلامية، فإن اختيار الفقه الإسلامي من المذاهب الأربعة و ( العقيدة الأشعرية) سيكون الخيار الأكثر منطقية.

فالمذاهب الفقهية الأربعة توفر للطلاب ثراءً معرفيًا وفكريًا، في حين أن الفكر الأشعري يقدم قاعدة عقلانية قوية، قادرة على التعامل مع التحديات الفكرية المعاصرة. بهذا الشكل، تظل هذه الجامعة قادرة على الحفاظ على سمعتها الأكاديمية، وتقديم تعليم إسلامي يعزز من التفكير النقدي ويعكس روح التسامح و (الاعتدال) في فهم الإسلام.

اترك تعليقاً