ذكرى يجب ألا تنسى

بقلم الدكتور / الفاتح محمد

فى مثل هذه الأيام قبل ست سنوات ذهب عدد كبير من البشر إلى المسجد، ولم تودِّعهم أمهاتهم ولا زوجاتهم ولا بناتهم؛ لأنه لم يكن فى الخيال أن يذهبوا جميعًا بلا عودة؛ لأنهم لم يكونوا ذاهبين إلى ساحة الحرب، بل كانوا ذاهبين إلى صلاة الجمعة…

350شخصًا ارتقوا إلى الله، وعشرات البيوت صارت بلا ذكور؛ والسبب أن مجموعة من الناس قرَّروا أن هؤلاء المصلِّين مبتدعة يحتفلون ببدعة اسمها مولد النبى، وبناءً عليه صدر الحكم الباتُّ عليهم بالقتل.

هذه هى حادثة مسجد الروضة بشمال سيناء، وجدير بالذكر أننى فى وقتها لم أكتب كلمة واحدة على صفحتى هذه؛ لأن الكل كان يكتب، وكثرة التداول والشجب والندب يسفِّه من الكارثة؛ إذ يحولها إلى مجرد تريند كبقية التريندات التى تحدث فقاعات، وتنتهى إلى العدم؛ وكم هى جريمة أن نحوِّل جريمةً كهذه إلى أحدوثة مزينة باللطميات والشجب الرخيص.

ضحايا مسجد الروضة لابد أن يعيشوا، وأن نذكُرهم ونذكِّر بهم فى كل وقت، ولا فرق بيننا وبين القتلة إذا سمحنا لهؤلاء الضحايا أن يموتوا؛ فموتهم حياة للفكر المتطرف.

القاتل لم يك مجنونًا ولا سكِّيرًا، بل هو شخص ملتزم كثير الصلاة، ولم يكن لديه شك فى أنه يتقرب إلى الله بقتل هؤلاء الناس، وقد مهد له الطريق دعاةٌ لم يمسكوا سكينًا، وهؤلاء الدعاة يرتعون ويلعبون فى وادينا الطيِّب، ونظنُّ فيهم خيرًا، وبعضنا يجعل لحومهم مسمومة، ويراهم رموزًا دينية لا تُمَس.

هؤلاء الدعاة الذين يصنعون المنهج، الواجب ألا نتركهم لنحاكم القتلة الظاهرين؛ فمن ألقى البذرة أولى بالحساب ممن قطف الثمرة.

هذا المنهج ذاته قد كرَّر هذه الجريمة؛ فقتل خمسين أفغانيًّا فى حفلٍ بعدها بعام واحد. وهو الأمر الذى يتكرر كل وقت.
كل صوفى فى هذا العالم يعيش حياته حاملا صليبا على كتفه، هذا الصليب هو رميه بعبادة القبور، وإن صلى وصام وزكى وحج؛ فإن تيارا ما احتكر الدين والسنة واغتصب اسم السلف لا يتورع من رميه بعبادة القبور مما يبرر قتله إن أمكن، وأكثر هذا التيار يدعى السماحة والوداعة وربما يتبرأ من حادث الروضة ويتهم جهات مجهولة بتنفيذه، ومع ذلك هو يكفر الصوفية وبناء عليه لا مانع من أن يستحل دماءهم، وله فى ذلك سلف فى إمامه المجدد قبل ٢٥٠ عاما.
اختر موقعك يا عزيزى.. هل أنت فى صف التيار التكفيرى المستحل للدماء أم أنت تبرأ منه؟ وإن كنت مع هذا التيار لا تتمسح فى الوداعة حين تجد شخصا يتم التضحية به لأنه صوفى أو لأنه شيعى أو علمانى أو لأى تبرير يبدأ ب(لأنه).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *