الصحابة رضى الله عنهم

بقلم الأستاذ/ عمر عبد العاطى السلامونى

الصدقة الخالدة .

 أُمر الصحابة رضوان الله عليهم بالصدقة، قال سبحانه ( خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) .

– فلم يستسلم فقراؤهم، بل كانوا يتحاملون على ظهورهم، أي: يؤجر أحدهم نفسه أجيرا لغيره، يحمل له أثقاله على ظهره؛ ليتكسب فيخرج الصدقة!!!

 ما أكمل هؤلاء الأكابر رضوان الله عليهم

وجاء اليوم العظيم حين ندب النبي صلى الله عليه وسلم الناس لتجهيز جيش العسرة

 فقام بالعبء الأكبر المهاجرون – أبوا منذ هجرتهم أن يبقوا عالة على إخوانهم الأنصار، فأغناهم الله من فضله – تصدق الصديق بماله كله، والفاروق بنصف ماله، وعثمان بالصدقات العظيمة يومها، لم يتصدق أحد بمثل ما تصدق به ذو النورين رضوان الله عليهم.

 وجاء عبدالرحمن بن عوف بصدقة عظيمة، فقال المنافقون: مرائى ٠

وجاء أحد فقراء المسلمين وكان من الأنصار، بصدقة يسيرة، ما جاء بها إلا بعد جهد ومشقة، بعد أن حمل على ظهره، أتعلم ما صدقته؟؟

صدقة في جيش سيد البشر الذي يتأهب لحرب الروم أقوى دولة حينها، كم بلغت؟

“نصف صاع من تمر” أى : أكثر قليلا من كيلو ٠

فقال المنافقون: إن الله لغنى عن صدقة هذا!!

فغضب الله تعالى للصحابيين الجليلين فأنزل في ذلك قرآنا يخلد صدقاتهما إلى يوم القيامة ( الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ ۙ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) .

تذكر أصل هذه السلسلة المذكور في المقال الأول: “كمال النهايات”، وانظر كيف بذل المهاجرون واجتهدوا حتى صاروا أصحاب الأموال، وانظر عظيم بذلهم في سبيل الله تعالى.

وتأمل عظيم بذل فقراء الصحابة: كانوا يؤجرون أنفسهم ليتكسبوا ويتصدقوا مع فقرهم، وبعض من كان يفعل هذا كبارهم كعلي بن أبي طالب وابن مسعود وغيرهم رضوان الله عليهم

قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: “العبادة في الهرج كهجرة إلى “

فيه نص على أن العبادة يعظم أجرها في أوقات لما يكون من أحوال يعظم فيها نفع العبادة، أو تكون أشق ونحوه

منذ قريب من عشر سنوات حدثني صديق وكان حينها طالبا بكلية طب في إحدى المحافظات، فكان يذهب هو وزملاؤه إلى الأحياء الفقيرة بتلك المحافظة يخرجون صدقات

أظنهم كانوا يخرجون للأسرة خمسين جنيها

وفي يوم طرقوا باب أحد المنازل، ففتحت لهم عجوز، فأعطوها صدقتها، فانهارت باكية، سألوها ما لكِ؟

فأخبرتهم أن ابنتها خرجت لتوها تمشى في الحرام لتحضر لها طعاما، وحلفت أن بيتها ما فيه كسرة خبز ٠

هذا من عشر سنين فما بالك بأحوال الناس اليوم ؟؟

فلا تقل الغلاء ، وماذا أصنع؟، قديما كنت ميسورا، أما اليوم فبالكاد أجد قوت عيالى ، لا تعلم الصدقة اليسيرة هذه الأيام كم تحفظ من كرامة؟!، وكم تصون من أعراض؟!، وكم تمنع من محرمات؟!

تذكر قول نبيك ﷺ: “ما نقص مالٌ من صدقةٍ”، وقوله: “العبادة في الهرج كهجرة إلي”، لعل الجنيه اليوم مع نقص قيمته أثقل في الميزان من ألف فى السابق

قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: “سبق دِرهمٌ مائةَ ألفِ درهمٍ ، قالوا: وَكَيفَ؟، قالَ: كانَ لرجلٍ درهمانِ تصدَّقَ بأحدِهِما، وانطلقَ رجلٌ إلى عُرضِ مالِهِ، فأخذَ منهُ مائةَ ألفِ درهمٍ فتصدَّقَ بِها” .

قال الله تعالى ( قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ ۚ وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ ۖ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ).

قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: “من تَصَدَّقَ بعَدْلِ تَمْرَةٍ مِن كَسْبٍ طَيِّبٍ، ولَا يَقْبَلُ اللَّهُ إلَّا الطَّيِّبَ، فإنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُهَا بيَمِينِهِ، ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ، كما يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ، حتَّى تَكُونَ مِثْلَ الجَبَلِ” . متفق عليه

الفَلُوّ : المهر الصغير من الخيل

اللهم ارحم أمة سيدنا محمد رحمة عامة، واغنها يا مولانا من فضلك، اللهم وارزقنا التوحيد الخالص والحلال الطيب، واغننا يا مولانا عن السؤال، اللهم استر عوراتنا، واحفظ أعراضنا، اللهم أطعم الجائع، واكس العارى ، وأعطى كل ذى سؤل سؤله، اللهم اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات، وصل اللهم وسلم وبارك على نبيك وآله الأطهار وصحبه الأبرار، والحمد لك يا رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *