بقلم الشيخ / ايهاب صالح
الفوائد العظيمة للعلوم الإنسانية النظرية
ومنها: علوم الجغرافيا والتاريخ والفلسفة
قديما كان لا يختلف أحد على أهمية العلم وقيمته، حتى الجاهل كان يعرف للعلم قدره، أما في عصرنا الآن فالمادة طغت على قيمة العلم، فصار نفعيا، فما يؤدي إلى كسب المال فهو النافع، وأصبح مبدأ اللذة هو السيد السائد.
ومن تعريفات العلم أنه المرادف للمعرفة والتصديق واليقين، واصطلاحا العلم هو الإدراك الجازم المطابق للواقع الناشئ عن دليل، والعلم في الشرع الشريف هو الموصل إلى الله.
ومن أبجديات العلم وأولى مراتب فوائده: معرفة الحق والباطل من الأفكار، والصدق والكذب من الأقوال، والحسن والقبح من الأفعال.
وبدلا من الهجوم والنقد فحسب يحسن بنا أن نستغل الواقعة لبيان فوائد العلوم الإنسانية النظرية للأجيال الحديثة، ونخص منها موضوع الواقعة المثيرة للجدل وهي علوم: الجغرافيا والتاريخ والفلسفة.
من فوائد علم الجغرافيا
1- نتعرف به على طبيعة البلاد وما تحتوي عليه من الجبال والبحار والمضايق والأنهار وغير ذلك
2- نتعرف به على طبيعة مناخ البلد ودرجات الحرارة ومواسم الأمطار والجفاف وطبيعة الإقليم المناخي لمعرفة الزراعات المناسبة له وكيفية تنميتها
3- نتعرف به على طبيعة الأرض وما يناسبها من الزراعات والثروات المعدنية بها – بما في ذلك البترول – كما نتعلم به كيفية استثمار الثروات الحيوانية وتربية ما يناسب طبيعة الأرض والمناخ
4- نتعرف به على طبيعة البحار والأنهار وكيفية استغلال الثروات السمكية والبحرية والمعادن
5- نتعرف به على طبيعة الطقس في البلاد وأوقات الأمطار ودرجات الحرارة والاستعداد للظروف المناخية الطارئة كالنوات والأعاصير وغيرها
6- نعلم به طبيعة الأرض للتعامل معها في بناء المدن الجديدة وتخطيطها وكيفية عمل شبكة الطرق وربطها بأماكن الإنتاج.
7- ولا نغفل دور الجغرافيا في معرفة قشية الحدود بين البلاد والمشكلات الناتجة عنها، فيما يسمى بالجغرافيا السياسية.
وغير ذلك الكثير من الفوائد والأهمية.
من فوائد علم التاريخ
1- نتعرف على تاريخ الأمة وهويتها ومكوناتها والمراحل التي مرت بها
2- نتعرف على الأحداث والوقائع التي مرت بالأمة ومراحلها المختلفة، كتأسيس الدولة الأموية ثم العباسية ثم حكم المماليك ثم العثمانيين، وكالدولة الطولونية في مصر ثم الدولة الأخشيدية ثم الفاطمية ثم الأيوبية ثم المماليك فالعثمانية ثم حكم أسرة محمد علي، وكيف دخل الإسلام شرق آسيا والهند، وكيف كانت دولة الإسلام في الأندلس، وغير ذلك من أحداث مهمة
وأهمية ذلك حتى لا يقوم الآخر بتزويرها وطمسها. ولولا التاريخ ما استطعنا إثبات عربية القدس وأصولها التاريخية، كما تظهر لنا محاولات الصهاينة إثبات أن اليهود هم بناة الأهرام، ولا نغفل محاولات الأفروسنتريك أن الجنس الأفريقي هو باني الحضارة الفرعونية وغير ذلك
3- نتعرف به على أهم الشخصيات التي لعبت أدوارا مهمة في تاريخنا، والأبطال الذين كان لهم الأثر الكبير في تاريخنا، ولولا التاريخ ما عرفنا أبطالنا من العصور الأولى إلى الآن كالصحابة والقادة كخالد بن الوليد وعقبة بن نافع وطارق بن زياد وأبو بكر اللمتوني ويوسف بن تاشفين (مؤسسا دولة المرابطين) ومحمد الفاتح وغيرهم من الأبطال والقادة
4- نتعرف به على مراحل التطور الحضاري للأمة الإسلامية التي حكمت العالم لثمانية قرون، وكيفية النظم السياسية والاجتماعية، وما أنتجته من كل العلوم، وما بنته من العمارة، وما قدمته من فنون، وما ابتكرته من أفكار وضابط ومعاملات، ومعالم حضارتنا العريقة، توفيقا بين تعاليم الدين وحركة الحياة، احتراما للإنسان والأكوان
5- نتعرف به على الأحداث التي مرت بها الأمم والشخصيات التي أثرت فيها وما ينتج عن ذلك من حكم ومواعظ وخبرات
6- نتعلم كيف تم رسم المؤامرات بأمتنا ومن هم أعداء الأمة وتاريخ العداء بينهم وبيننا كيف نستفيد مما يحدث معنا الآن
7- نتعلم منه علاقات الأمم ببعضها وكيفية تشكيلها وما مرت به من وقائع وأحداث بطولية وخيانات وإيجابيات وسلبيات
8- نتعرف به على تاريخ حركة الإنسان في الأرض ومراحل تطورها وما أثر فيها والآثار التي نتجت عنها لنستفيد من الإيجابيات ونتجنب السلبيات
9- بناء على أهمية التاريخ ظهر علم فلسفة التاريخ الذي يشترك بين الفلسفة والتاريخ، وهدفه محاولة تفسير حركة الإنسان عبر التاريخ والأسباب التي تحكمه في نظريات، كنظرية ابن خلدون (التعاقب الدوري للحضارات) ونظرية أرنولد توينبي (التحدي والاستجابة) وغير ذلك من نظريات
وغير ذلك كثير من الفوائد والمنافع التي قد لا تحصى.
من فوائد علوم الفلسفة
إذا كان الإنسان يتركب من عقل وقلب وبدن، فالعقل يحيا في عالم الأفكار، والفلسفة إجمالا تُعنى بكيفية إعمال هذا العقل.
ومن تعريفات الفلسفة: هي كل تفكير عقلي خالص نظري كلي مجرد في قضية من قضايا الوجود أو المعرفة أو القيم.
1- نتعلم من الفلسفة كيفية إعمال العقل وإعلاء الفكر، على الشهوات والحسيات وعمل الجسد، وكيفية التفكير المجرد عن الشهوة والهوى والتعصب.
2- نتعلم من الفلسفة كيفية تأمل الوجود، حتى نصل إلى علته الأولى وخالقه، وتأمل العقل والمعرفة وكيفية الوصول إليها، وتأمل الأخلاق والقيم، وأهميتها في بناء الأمم.
3- نتعلم كيفية الفكر الشمولي العام، فلا تستغرقنا الفروع والتفاصيل الصغيرة عن النظرة العامة للقضايا، وعلى سبيل المثال: لا يهم أن فلانا يكذب وفلانا يغش، وفلانا يرتشي، ولكن المهم أن الأمة تعاني من أزمة أخلاقية.
4- نتعلم من الفلسفة كيفية استعمال العقل في التحليل والتفكيك والتركيب والنقد والاستقراء والاستنباط، حتى نصل إلى الحقائق مجردة، فنقوم بتحليل حركة الحياة، والأحداث والوقائع، لنفهمها ونتعامل معها بعيدا عن اندفاع العاطفة والمشاعر.
5- نتعلم من الفلسفة المناهج التي تتناول العلوم وكيفية تطبيقها، لنصل إلى النتائج المرجوة من كل علم، حتى وإن كان علما عمليا، فالمنهجية جوهر العلوم.
6- نتعلم من الفلسفة كيفية وضع النظريات المثلى في محتلف نواحي الحياة، ليقوم العالم بتطبيقها بشكل عملي على أرض الواقع.
7- نتعلم من الفلسفة العناية بما ينبغي أن يكون، فالنموذج أو المثال النموذجي هو الذي يبحث عنه الفيلسوف.
8- نتعلم من الفلسفة النظر إلى الواقع بعمق وتأمل، وما يمكن أن تؤول إليه الأمور.
9- ومن أهم فوائد الفلسفة معرفة كيفية الارتقاء بالعقل والفكر من الفكر السطحي الهش الذي تشغله التفاصيل وتستهلكه الفروع إلى التفكير العميق ثم التفكير المستنير، حتى لا يتلاعب بنا الأعداء وحتى لا تتحكم فينا العواطف وحب الفضول والمغامرة، فلا ننقل أي خبر من دون تحري ولا ننجرف إلى معارك سطحية تستهلكنا ولا يتلاعب بنا أي أحد لمجرد ترديد عبارات عاطفية رنانة، ونحو ذلك.
وما هذا إلا غيض من فيض، فهذا مجرد تأمل على عجالة، فضرورة الفلسفة وأهميتها لا تحصى ولا تعد.
أسأل الله تعالى لنا ولكم التوفيق والسداد ونور العلم والفهم