بقلم الشيخ : محمد رجب أبو تليح الشاذلي الأزهري
لم يجمع الله تبارك وتعالى لنبي ولا لرسول مناقبا ولا فضائلا ولا رتبا سنية؛ ولا درجات علية مثلما جمعها لحبيبه المجتبى ونبيه المصطفى ورسوله المرتضى .
وكان من هذه المناقب ما سبق في الأزل وما هو مستمر مدى الأبد حتى يرث الله الأرض ومن عليهاو هو رفع الله ذكر حبيبه ﷺ مصداقا لقوله تعالى: ورفعنا لك ذكرك فكان هذا الرفع في الأزل حين قال الله تعالى للعرش كن فكان .
فكتب عليه بيد القدرة لا إله إلا الله محمد رسول الله فجعلها نورا يدور في الأكوان واستودعها الرحمن عز وجل أم الكتاب سرا نورانيا وعطاء سرمديا سرى في الأكوان ودليل ذلك قوله تعالى “وكفى بالله شهيدا محمد رسول الله”
وقوله ﷺ فيما رواه عنه العرباض بن سارية رضي الله تعالى عنه عن النبي ﷺ قال “إني عند الله في أم الكتاب لخاتم النبيِّين وإنَّ آدم لمنجدل في طينته” رواه الإمام أحمد والحاكم وصححه قال الطيبي رحمه الله في شرح المشكاة
المعنى: كتبت خاتم الأنبياء في الحال الذي آدم مطروح على الأرض؛ حاصل في أثناء تخلُّقه لم يُفرغ بعد من تصويره وإجراء الروح .
وقال الحافظ أبو الفرج بن رجب رحمه الله تعالى في اللطائف : المقصود من هذا الحديث أن نبوة النبي ﷺ كانت مذكورة معروفة من قبل أن يخلقه الله تعالى ويخرجه إلى دار الدنيا حيًّا، وأن ذلك كان مكتوبًا في أم الكتاب من قبل نفخ الروح في آدم ﷺ وفسَّر أمَّ الكتاب باللَّوح المحفوظ وبالذِّكر في قوله تعالى “يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ” [الرعد: 39].
وقوله في هذا الحديث: “إني عند الله في أم الكتاب” ليس المراد به والله أعلم أنه حينئذٍ كتب في أم الكتاب ختمه للنبيين، وإنما المراد الإخبار عن كون ذلك مكتوبًا في أم الكتاب في ذلك الحال قبل نفخ الروح في آدم، وهو أول ما خلق الله تعالى من النوع الإنساني .
وقال الإمام تقي الدين السبكي رحمه الله قلت قد جاء إن الله خلق الأرواح قبل الأجساد، فقد تكون الإشارة بقوله “كنت نبيًّا” إلى روحه الشريفة أو إلى حقيقة من الحقائق، والحقائق تقصر عقولنا عن معرفتها وإنما يعلمها خالقها ومن أمده الله تعالى بنور إلهي، ثم إن تلك الحقائق يؤتي الله تعالى كل حقيقة منها ما يشاء في الوقت الذي يشاء، فحقيقة النبي ﷺ قد تكون من قبل خلق آدم آتاها الله ذلك الوصف بأن يكون خلقها، مهيَّأة لذلك فأفاضه عليه من ذلك الوقت فصار نبيًّا وكتب اسمه على العرش، وأخبر عنه بالرسالة ليعلم ملائكته وغيرهم كرامته عنده.
فحقيقته موجودة في ذلك الوقت وإن تأخَّر جسده الشريف المتَّصف بها، واتصاف حقيقته بالأوصاف الشريفة المفاضة عليه من الحضرة الإلهية حاصل من ذلك الوقت، وإنما يتأخر البعث والتبليغ، وكل ما له من جهة الله تعالى ومن جهة تأهل ذاته الشريفة ﷺ وحقيقته معجَّل لا تأخر فيه، وكذا استنباؤه وإيتاؤه الحكم والنبوة، وإنما المتأخر تكوُّنه وتنقُّله إلى أن ظهر ﷺ .انتهى .
وما نقش اسمه ﷺ ولا رفع ذكره فوق العرش إلا لتعريف الخلق بعظيم قدره وشرفه عند ربه وهذا ما فطن إليه ٱدم عليه السلام ففاز بالرضا والغفران وخرج من دائرة الغضب والخسران فتاب عليه ربه وهداه إكراما للوالد من أجل أكرم ولد ﷺ عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما اقترف آدم الخطيئة، قال: يا ربِّ، أسألك بحق محمَّد لَمَا غفرتَ لي، فقال الله “يا آدم، وكيف عرفت محمدًا ولم أخلقْه؟” قال يا رب، لأنَّك لما خلقتني بيدك، ونفخت فيَّ من رُوحك، رفعت رأسي، فرأيت على قوائم العرش مكتوبًا لا إله إلا الله، محمد رسول الله فعلمت أنك لم تضِفْ إلى اسمك إلا أحبَّ الخلق إليك، فقال الله: “صدقتَ يا آدم، إنه لأحب الخلق إلي، ادعني بحقِّه، فقد غفرت لك، ولولا محمَّد ما خلقتك”. أخرجه الحاكم في (المستدرك) وقال : صحيح الإسناد .
بل وقد وجدنا معنى هذا الحديث بلفظ قريب من لفظه ومعناه في أصح الأناجيل في إنجيل الحواري برنابة تلميذ المسيح عيسى عليه السلام في الفصل التاسع والثلاثين يقول رواية عن المسيح عليه السلام ثم أعطى الله نفسه أي نفخ فيه من روحه للإنسان وكانت الملائكة كلها ترنم اللهم ربنا تبارك اسمك القدوس فلما انتصب آدم على قدميه رأى في الهـواء كتابة تتألق كالشمس نصها لا إله إلا الله ومحمد رسـول الله ففتح حينئذ آدم فاه وقال أشكرك أيها الرب إلهي لأنك تفضلت فخلقتني ، ولكن أضرع إليك أن تنبأني ما معنى هذه الكلمات محمد رسـول الله فأجاب الله مرحبا بك يا عبدي آدم ، وإني أقول لك أنك أول إنسان خلقت ، وهذا الذي رأيته إنما هو ابنك الذي سيأتي إلى العالم بعد الآن بسنين عديدة ، وسيكون رسولي الذي لأجله خلقت كل الأشياء ، الذي متى جاء سيعطى نورا للعالم ، الذي كانت نفسه موضوعة في بهاء سماوي ستين ألف سنة قبل أن أخلق شيئا فضرع آدم إلى الله قائلا يا رب هبني هـذه الكتابة على أظفار أصابع يدي فمنح الله الإنسان الأول تلك الكتابة على إبهاميه ، على ظفر إبهام اليد اليمنى ما نصه لا إله إلا الله وعلى ظفر إبهـام اليد اليسرى مـا نصه محمد رسول الله ، فقبّل الإنسان الأول بحنو أبوي هذه الكلمات ، ومسح عينيه وقال بورك ذلك اليوم الذي سيأتي فيه إلى العالم
فكان ذكره نورا من نور عرش الرحمن أضاءت به الأكوان وتعريفا به في الملأ الأعلى وعند الصفوة الأطهار .
وإلى لقاء يتجدد مع الحبيب الممجد ﷺ ونوع ٱخر من أنواع رفع ذكره والتعريف بعظيم قدره ﷺ .