وقال الشيخ محي الدين بن عربي رحمه الله تعالى: (واعلم أن الكرامة على قسمين: حسية ومعنوية، ولا تعرفُ العامةُ إِلا الحسية ؛ مثل الكلام على الخاطر، والإِخبار بالمغيبات الماضية والكائنة والآتية، والأخذ من الكون، والمشي على الماء، واختراق الهواء، وطي الأرض، والاحتجاب عن الأبصار، وإِجابة الدعاء في الحال، ونحو ذلك.
فالعامة لا تعرف الكرامات إِلا مثل هذا. وأما الكرامة المعنوية فلا يعرفها إِلا الخواص من عباد الله تعالى، والعامة لا تعرف ذلك وهي أن يُحفظ على العبد آداب الشريعة، وأن يُوفَّق لفعل مكارم الأخلاق واجتناب سفاسفها، والمحافظة على أداء الواجبات مطلقاً في أوقاتها والمسارعة إِلى الخيرات، وإِزالة الغل والحقد من صدره للناس والحسد وسوء الظن، وطهارة القلب من كل صفة مذمومة، وتحليته بالمراقبة مع الأنفاس، ومراعاة حقوق الله تعالى في نفسه وفي الأشياء، وتفقد آثار ربه في قلبه، ومراعاة أنفاسه في دخولها وخروجها، فيتلقاها بالأدب إِذا وردتْ عليه ويُخرجها وعليه حلة الحضور مع الله تعالى، فهذه كلها عندنا كرامات الأولياء المعنوية التي لا يدخلها مكر ولا استدراج)
[الباب الرابع والثمانون ومائة من الفتوحات المكية ج2. ص369].