أعداء الله في كل مكان.. ودموع في عيون وقحة

بقلم فضيلة الشيخ : حسين السمنودي
إمام وخطيب ومدرس على درجة مدير عام بمديرية أوقاف القاهرة

 

منذ فجر التاريخ، ظل بنو إسرائيل يحملون في صدورهم حقداً دفيناً لكل ما يمتّ إلى التوحيد والحق والعدل بصلة، وظلّوا أعداء لله في كل زمان ومكان. لم يكن عداؤهم للإسلام حادثًا عابرًا في الزمن، بل هو امتداد لعقيدة فاسدة وإرث من الكراهية والبغي، فهؤلاء الذين قتلوا أنبياءهم ونقضوا عهود ربهم، لم يكن من الغريب أن يعادوا نبيًا عربيًا أميًا، جاء بدعوة لا تُميز إلا بالتقوى، وتُبطل احتكارهم لرسالات السماء.

لقد بدأ عداؤهم للعرب حتى قبل بعثة النبي محمد ﷺ، فكانوا ينظرون إلى العرب بازدراء واحتقار، يزعمون أنهم “أمّة أمية” لا نصيب لها من الوحي أو الكتاب، وكانوا يتوعدونهم دائمًا بأن “نبيًا سيُبعث فيهم فيُقيم عليهم الحُجّة ويُمكّن لليهود على العرب”، ولكن مشيئة الله التي لا تُرد أرادت أن يكون هذا النبي من العرب، من بني هاشم، من مكة، فتبددت آمالهم، وانقلبت بشاراتهم حسرة، وتحول توعدهم إلى خيبة كبرى.

وما إن أشرقت شمس النبوة في مكة حتى بدأ كيد اليهود يعلو رويدًا رويدًا، فحين هاجر رسول الله ﷺ إلى المدينة، وجد أمامه ثلاثة من كبار قبائلهم: بنو قينقاع، وبنو النضير، وبنو قريظة. وكان أول ما فعله النبي هو عقد معاهدة سلم وتعايش مع هذه القبائل، يكفل لهم فيها الأمان، ويضمن لهم حريتهم الدينية، لكنهم سرعان ما خانوا العهد، وبدأوا في بثّ الفتن والتحريض، ونشر الشائعات بين صفوف المسلمين، بل وتآمروا مع المشركين ضد الدولة الوليدة.

بنو قينقاع، أول من خان العهد، لم يحتملوا أن يرى المسلمون قوتهم وقدرتهم، فاستكبروا، وبدأوا يسخرون من المسلمين ويؤذون نساءهم، حتى وقعت حادثة تمزيق ثياب امرأة مسلمة على يد يهودي، فانفجر الغضب، وأمر النبي بإجلائهم عن المدينة.

ثم جاءت خيانة بني النضير، الذين دبروا محاولة لاغتيال النبي ﷺ تحت ذريعة زيارة اجتماعية، لكن الله أعلمه بمكرهم، فحاصرهم المسلمون حتى استسلموا وخرجوا من المدينة بعد أن أصرّوا على العناد والخيانة.

وكانت الطعنة الكبرى من بني قريظة، الذين خانوا النبي في أحلك المواقف، يوم الخندق، فتحالفوا مع الأحزاب والمشركين ليبيدوا المسلمين عن بكرة أبيهم، ولكن الله رد كيدهم، وأوقع في قلوبهم الرعب، فكان جزاؤهم جزاء الخيانة والغدر في زمن الحرب.

ومنذ ذلك الحين، لم تتوقف المؤامرات، فاليهود لم يكن هدفهم فقط إسقاط النبي الكريم بل القضاء على الرسالة نفسها، فحاولوا دسّ السم في الطعام، وأشاعوا الأكاذيب في أوساط المسلمين، وسعوا دائمًا لضرب الوحدة من الداخل، وبث الفرقة بين الأوس والخزرج، وترويج الشكوك حول الأحكام والآيات، لكن الله كان لهم بالمرصاد.

ولم يتوقف العداء بوفاة النبي، بل ظلوا يسيرون على نفس الخطى، وإن تغيّرت الأسماء والمسميات، فهم الذين حرّفوا التاريخ، وأفسدوا العقائد، وورّثوا البشرية أخبث الأفكار. وها هم اليوم يعيدون ذات الصورة، يذبحون، ويهدمون، ويزعمون البكاء على الإنسانية، وهم أول من دنّسها، ويدّعون المظلومية بأعين وقحة، وقلوب يملؤها الخداع والكذب، بينما يدهسون الأطفال والنساء تحت دباباتهم وصواريخهم.

يا للعجب! كيف يذرف الجلاد دمعًا؟! وكيف يبكي المغتصب؟!
إنها دموع في عيون وقحة… دموع التماسيح التي لا تطفئ نيران الحقد، ولا تغسل دماء الضحايا من أيديهم.

واليوم، يتجدد الصراع، في زمن الإعلام المزيف والمنظمات الدولية المشلولة، حيث يدّعي الصهاينة أنهم أهل سلام، بينما بنادقهم لا تكفّ عن إطلاق الموت في صدور الأبرياء.

باسم “الدفاع عن النفس” يُحاصر الجائع، وتُقصف المستشفيات، وتُباد العائلات تحت ركام منازلها.

باسم “محاربة الإرهاب” يُقتل الطفل، وتُحرق المدارس، وتُدفن الإنسانية في غزة والضفة وجنوب لبنان.

إنه صراع عربي صهيوني لم يبدأ في عام 1948، بل جذوره تمتد إلى قرون من المكر والتحايل والخداع.

صراع بين أمة تحمل رسالة الرحمة، وأعداء لا يؤمنون إلا بالقتل والهدم والدمار.
صراع بين أرض الأنبياء وأحفاد القتلة.

صراع بين من يريدون الحياة الكريمة، ومن يريدون السيطرة على مقدرات البشر بنار وسلاح وفتن.

لقد بنى الصهاينة مشروعهم على تلال من الجماجم، وأكوام من الخراب، ونجحوا في إقناع بعض العالم أنهم ضحايا، بينما هم صنّاع الموت.
لكنهم نسوا أن للدم صوتًا لا يخبو، وأن للمظلوم دعوة لا تُرد، وأن التاريخ لا يرحم من تلطخت يداه بدماء الأبرياء.

وفي زمن التزييف، ما زالوا يبكون أمام عدسات الكاميرا، ويهتفون بالديمقراطية وهم يجزّون رقاب الأطفال، يرفعون شعارات الإنسانية وهم يدفنون العائلات أحياء، يتحدثون عن السلام وأعينهم ترسم الخرائط الجديدة للخراب.

لكن سيأتي يوم تنكشف فيه الأقنعة، وتُكسر فيه الكاميرات الكاذبة، وتعلو رايات الحق، فالصراع لن ينتهي بصمت أصحاب الأرض، ولن يُحسم ببكاء العدو…
بل سيحسمه وعد الله الحق، ونصرة أهل الحق، وقيام الأمة من سباتها، فالذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه… لن يُهزموا، وإن طال الزمان.

فالصهاينة قد خدعوا العالم، وضللوا العقول، لكنهم لم ولن يخدعوا الله،
وسيبقى التاريخ يكتب:
إنهم أعداء الله في كل مكان… ودموعهم كانت دومًا في عيون وقحة.