الإباحية .. فتنة العصر!
12 مايو، 2025
قضايا شرعية

بقلم: خادم الجناب النبوي الشريف
د/ محمد إبراهيم العشماوي
أستاذ الحديث الشريف وعلومه في جامعة الأزهر الشريف
سيلٌ جرَّارٌ من الأجساد العارية واللحم الرخيص والعلاقات الجنسية الشاذة والمحرمة؛ ينحدر إلينا من المجاري الطافحة الفاضحة، عبر نوافذ الفيديو، ومحركات البحث، والإعلانات الممولة، على مواقع التواصل الاجتماعي – من غير استدعاء لها – بل هي متاحة مبذولة بالمجان، بلا تكلفة ولا تكلف، فيراها بناتنا العذراوات، وأطفالنا البُرَآء؛ لتعم الإباحية الملعونة، والشيوعية الجنسية المجنونة جميع سكان الكوكب، على اختلاف أجناسهم وأنواعهم وأعمارهم ولغاتهم وأديانهم وثقافاتهم، حتى صار الفلاح في الزريبة – في قعر الريف – متأثرا بهذا الوضع العام؛ يصوِّر لنفسه مقاطع جنسية فاضحة، ويرفعها على تلك النوافذ، وصارت المرأة الأمية الجاهلة تصور لحمها الرخيص وهي في بيتها، وتعرضه على ذئاب المتعة الحرام، فيما يسمى بالروتين اليومي، لم يسلم من هذا الوباء شرق ولا غرب، ولا شمال ولا جنوب، ولا عرب ولا عجم، حتى سكان الخيام والكهوف!
وذُكر لي رجل بسيط في الريف؛ يعمل على زوجته ديوثا بالأجر، ويصورها بنفسه وهي في أحضان الرجال!
وقام بعض الشباب (اليوتيوبرز) بعمل مقاطع تمثيلية تروج للفاحشة والدياثة والشذوذ والخيانة الزوجية!
وشكى لي بعض الدعاة أنه أدمن مشاهدة الأفلام الإباحية، وأنه كره نفسه، واحتقرها!
ولو بقي الحال على هذا؛ فلا نستبعد أن ينزو الرجال على النساء في الطرقات والأسواق ووسائل النقل، كما ينزو الحِمار على الأَتَان، من غير حرج أو تحرج، ولا اعتبار لشرع أو عرف أو قانون!
ولهذا ساءت الأخلاق، وضاقت الأرزاق، وانسدَّت الآفاق!
ولا عاصم لنا من هذا البلاء إلا الله، ولا حول ولا قوة لنا إلا به!
وقد سألني سائل:
أنا شاب أعزب، قليل الصبر عن النساء، تثور شهوتي لأدنى مثير، من احتكاك أو ملامسة أو مصافحة أو حتى مجرد النظر، فماذا أصنع؟!
فقلت: لعلك تشاهد الأفلام الإباحية؟!
فقال: نعم، أشاهدها حد الإدمان، لكني لا أشاهدها في رمضان!
قلت: فاعلم إذن أنك مريض بمرض الشهوة، الذي أشار إليه القرآن في قوله تعالى: “ولا تخضعن بالقول، فيطمع الذي في قلبه مرض”، وهذا المرض لا شفاء منه إلا بالإقلاع عن أسبابه، بإرادة قوية، وعزيمة صادقة، وإلا فهو السعار الذي لا يشبع ولا يرتوي، وإن تزوج ألف امرأة، وجامع في اليوم ألف مرة، فاترك إذن مشاهدة هذه الموبقات، واعزم على ذلك، ولو بقطع الاتصال بالإنترنت، ولا يستخفنك الشيطان، ولا تتعمد الاحتكاك بالنساء، أو ملامستهن، أو مخالطتهن، أو مصافحتهن، أو مكالمتهن، أو النظر إلى عوراتهن، ولا تستجلب التفكير فيهن، وبادر بالزواج إن تيسر لك، وإلا فأكثر من الصوم والعبادة، ولك أن تتداوى بدواء يخفف من حدة الشهوة، ولا يقطعها!
واعلم يا أخي أن الهدف من نشر هذه الأفلام الإباحية، وتسهيل الحصول عليها؛ هو تحويل المجتمع الإنساني إلى مجتمع حيواني، ينزو فيه الناس بعضهم على بعض، بلا عاصم من دين أو خلق أو قانون، وهدم الأديان في نفوس أصحابها، واغتيال الشرف والنخوة والكرامة الإنسانية، واستبدالها بالدياثة والميوعة والتخنث، وقد نجحت الصهيونية العالمية – وهي التي تقف وراء هذا الخبث – في ذلك إلى حد بعيد؛ إذ تنص [بروتوكولات حكماء صهيون] على أن اليهود ليسوا إلا سادة العالم وجلاديه، ومحركي الفتن ومفسديه!
فغدا أكثر المسلمين يَهْوُونَ مشاهدة هذه الأفلام، وتقليد ما جاء فيها، حتى أفسدوا أخلاق النساء؛ إذ طلبوا منهن ما ينافي الدين والشرف والمروءة، فصار النساء يسألن عن مصدر هذه المعرفة عند الرجال، حتى أصبحن مدمنات كالرجال، وكم من وقائع مخزية تعرض علينا، كان أبطالها من الرجال والنساء على السواء!
وقد كتبت قديما عن مضار مشاهدة الأفلام الإباحية، فقلت:
“مشاهدة الأفلام الإباحية؛ تميت الإنسانية، وتحيي البهيمية، وتذهب الديانة، وتورث الخيانة، وتعلِّم الدياثة، وتبعث على النجاسة، وتقتل الأخلاق، وتقطع الأرزاق، وتخرب الديار، وتجلب العار، وتسوِّد الجباه، وتسلب الشرف والجاه، وتنزل العسرة، وتدعو إلى الحسرة، وتضيع الكرامة، وتوجب الندامة، وتظلم القلب، وتغضب الرب، وتبادر الفوت، وتعجل الموت!
فهذه عشرون مضرة محققة، لا يدركها إلا أصحاب القلوب الموفقة، وبحسب العاقل واحدة منها ليتوب، ويستغفر الله من جميع الذنوب، والنبيل يكفيه القليل، في تحريك همته إلى الملك الجليل!”.
والله يتولى هدانا وهداك، وبالله التوفيق.
اللهم نجنا من الفتن، ما ظهر منها وما بطن، وتوفنا وأنت راضٍ عنا، غير فاتنين ولا مفتونين، برحمتك يا أرحم الراحمين.