مجازر الوهابيين في شرقي الجزيرة العربية

اعداد الاستاذ : سيد حسن

المقال التاسع من سلسلة ( الوهابية فكراً وممارسة )
كتاب للدكتور محمد عوض الخطيب

 

لم تتوقف مجازر الوهابيين ضد المسلمين من سكان الجزيرة العربية بموت محمد بن سعود. فقد تولى عبد العزيز بن محمد بن سعود الأمر بعد والده وكان تزوج ابنة محمد بن عبد الوهاب، فأكمل عمليات القتل والسلب والنهب والسبي، نشراً للدين الجديد . وفي عهده سقطت الرياض بعد أن اغتال الوهابيون حاكمها دهام بن دواس وذلك سنة ١١٨٧ هـ (۱۷۷۳م) .

ورداً على اعتداءات آل سعود هاجم عرعر الخالدي القصيم واحتل بريدة سنة ١١٨٨ هـ ، ولكن عبد العزيز استعادها منه في السنة التالية . وبعد موت عرعر وتولي ابنه سعدون مكانه ، تجددت عند عبد العزيز فكرة إخضاع الخوالد فتابع شن الغارات عليهم، وانتهت مرحلة أولى بالصلح بين سعدون الخالدي وعبد العزيز آل سعود . لكن هذا الصلح لم يدم طويلا ، وعادت الحرب لتكون سجالاً بين الفريقين. ولكن السعوديين لجأوا إلى أسلوب الدم والوقيعة بين شيوخ الخوالد ، فانشقت الأسرة الحاكمة بعد أن هاجمهم عبد العزيز في ( العيون ) . وخلع الخوالد سعدون فلجأ لسخرية القدر إلى عبد العزيز الذي أخذ يزوده بالمال والسلاح ليشن الغارات على أقاربه الخوالد فيقتل وينهب ويأسر ، وكان عبد العزيز يمن على الأسرى بالفكاك.

ثم تحرك السعوديون إلى التحرش بالمنطقة الواقعة الى الشرق ، منطقة الاحساء ، فسير عبد العزيز سنة ۱۲۰۲هـ (۱۷۸۷م) سرية بقيادة سليمان بن عفيصان إلى تلك المنطقة فوصل إلى الجشة والعقير . كما سير سرية أخرى بقيادة ابنه سعود فوصل إلى المبرز ثم عاد مهزوماً . وفي العام التالي شن ابن عفيصان حملة أخرى على الجشة والعقير وأوغل في قطر . كما شن سعود حملة على قرى الطف ثم على المبرز والفضول.

ثم سير عبد العزيز إبراهيم بن عفيصان إلى القطيف ولكنه هزم وتراجع وأخذ يغير على أطراف المنطقة يقتل ويسلب ، ثم عاود الكرة فاستولى على ( قلعة القطيف ) فأمر بالقتل الذريع حتى طلوع الشمس ، كما دخل ابن عفيصان تاروت في منطقة القطيف وأعمل السيف في من ظفر به من الخوالد .

وقد انتهت قوة الخوالد عملياً سنة ١٢٠٤ في موقعة غريميل التي خاضها سعود بن عبد العزيز .

أما المنطقة الشرقية ، حيث تقيم الطائفة الشيعية فقد تعرضت إلى الحملات السعودية وحوصر أخيراً علي بن أحمد صاحب بلاد الشرق ، في قلعة صغيرة ، واستطاع الصمود مع جماعته . ولما استولى آل سعود على الإحساء رأى علي بن أحمد أن يطلب منهم ذمة وأماناً فعاهدوه على ما طلب ، ولما سلم لهم الأمر سجنوه سبعة أيام ثم بدا لهم أن يضربوا عنقه ، فضرب سعود رقبته بیده.
أما الخوالد ، وبعد أن تم إخضاعهم ، فما لبث أن اضطرب أمرهم بعد أن عين السعوديون حاكماً عليهم زيد بن عرعر والياً على الإحساء ، وذلك بسبب غدره بعبد المحسن السرداح أحد معارضيه الذي أرسل إليه معلناً العفو عنه ، فلما وفد عليه قتله ، فغضب الخوالد ونقضوا ولاءهم لزيد واختاروا بدلاً منه براك بن عبد المحسن السرداح . ولكن عبد العزيز سير إليهم ابنه سعوداً سنة ١٢٠٧هـ (۱۷۹۲م) فدخل الإحساء وأرضخهم بالقوة وهدم المشاهد والقباب في تلك المنطقة ووطأ الأمور لزيد بن عرعر . ولكن زيداً هذا ما لبث أن تمرد وعاد إلى المبرز . فأخذ سعود ينتقم من الخوالد حتى اضطرهم إلى أن يوفدوا براك بن عبد المحسن إلى الدرعية مجدداً بيعتهم ، فعزل الوهابيون زيداً وعينوا بدلاً منه براكاً يعاضده إبراهيم بن سليمان بن عفيصان وانتهى حكم أسرة حميد الخالدية التي ينتمي إليها عرعر في الإحساء، وقام حكم أسرة أخرى في ظل آل سعود.

ومن جهة أخرى بدأ الوهابيون التحرش بقطر إذ سمح عبد العزيز لابن عفيصان بالإغارة على بني عتبة (العتوب) في الزبارة في قطر ، فحاصرها ومنع الناس من الدخول إليها أو الخروج منها للاحتطاب وجلب الماء ورعي المواشي ، واستمرت غاراته حتى سنة ١٢٠٨هـ (۱۷۹۳م). ولما عجز ابن عفيصان عن الزبارة دخل المناطق الأخرى في قطر حيث تقيم قبائل فريحة والحويلة واليوسفية والرويضة وغيرها . وأخذ يدفع أهلها إلى شن الغارات براً وبحراً ضد الزبارة فيأسرون وينهبون . وبعد مناوشات مع ابن عفيصان قرر أهل الزبارة الرحيل إلى البحرين هرباً من الجيش السعودي الذي يقوده ابن عفيصان، على أمل العودة بعد زوال هذه المصيبة وكان ذلك سنة ١٢١٢ هـ (۱۷۹۷م) . ولم يعودوا إلا بعد أن اضطروا في منفاهم للخضوع لابن سعود.

ثم قرر الوهابيون أسلمة الكويت فأخذوا يوجهون إليها الغارات تنهب وتقتل وتسلب وتسبي ، وكانت الحملة الأولى سنة ١٢٠٥هـ / ١٧٩٠م ، ثم تلتها حملة أخرى سنة ١٢١٣هـ /۱۷۹۸م ، وثالثة سنة ١٢٢٣هـ /١٨٠٨م وكان يقودها سعود الذي وصل إلى الجهراء.

ولم تقتصر الغارات على ما ذكرنا ، بل هي طالت كل الأطراف الشرقية للجزيرة . إذ هاجم إبراهيم بن عفيصان مناطق قطر سنة ١٢٠٩هـ / ١٧٩٤م وحمل كمية كبيرة من الأسلاب ، وكذلك هاجم محمد بن معيقل جزيرة العماير سنة ١٢١١هـ / ١٧٩٦م وعاد بالسلب أيضاً.

ثم ساح سعود بحملة بعيدة المدى سنة ١٢١٣هـ / ۱۷۹۸م يقتل ويسلب ويسبي ، مغيرا على سوق الشيوخ وعلى «الأبيض» في بادية السماوة من أرض العراق فقتل خلقاً كثيراً، ثم توجه إلى بوادي شمر وعربان الظفير وآل بعيج وآل زقاريط.
ثم تمرد العتوب في البحرين والكويت وكانوا قد خضعوا للسعوديين ، وامتنعوا عن دفع الزكاة ، فهاجم السعوديون الكويت وأوقعوا فيها خسائر جسيمة.

وفي سنة ١٢٠٧هـ / ۱۷۹۲م كان عبد العزيز ، من أجل التوسع في نشر الوهابية قد وجه مطلقاً المطيري إلى عُمان الصير غازياً فنهب ، ثم غزاها إبراهيم بن عفيصان موجهاً حملته إلى بني ياس ، فأجبرهم على اتباع الوهابية وحمل الزكاة إلى الوهابيون.

ثم تعرضت عشائر نعيم في البريمي لنفس المخطط ، غزو تلاه مبايعة إكراهية ، ثم كلفهم عبد العزيز بإخضاع القواسم في رأس الخيمة ، ولما عجزوا أمدهم براشد بن سنان المطيري فأرسل المطيري سرايا غزت حتى بلغت وجه رأس الخيمة ، فحالت بينها وبين نخيلها . وكانت العائلات في البساتين للمصيف ، وقطعت الماء إلى أن استسلموا ، فأمروهم بهدم أحد المشاهد فرفضوا ونقضوا البيعة فقاتلهم المطيري وأجلاهم إلى بلاد فارس.

ثم حث المطيري بعض القبائل المقيمة عند أطراف القواسم : زعاب ، أهل الجزيرة الحمراء وطينج، أهل الرمس على النهب والقرصنة في البحر ، لا ضد الإنكليز وسائر الكافرين، بل ضد المسلمين (المشركين) ممن لا يقبل طريقتهم. ولما أثبتت تلك القبائل من القواسم جدارة في أعمالها مَنَّ عليهم عبد العزيز باسم «الموحدة».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *