أهل القبلة كلهم موحدون
22 أبريل، 2025
الأزهـــــر

بقلم فضيلة الشيخ : أحمد السيد السعيد
(واعظ عام، وعضو لجنة التحكيم والمصالحات بالأزهر الشريف)
إنّ من دلائل التوحيد الحقّ، ومقامات التجريد عند أهل الله، أن ينظروا إلى إخوانهم بعين الجمع بعد عين الفرق، فيرونهم جميعًا عبيدًا لواحدٍ، وأبناء قبلةٍ واحدةٍ، مهما تنوّعت مذاهبهم، واختلفت اجتهاداتهم.
وهل يُنكِر عبدٌ صالحٌ أنّ مَن وحّد الله، واستقبل بيتَه الحرام، واتّبع رسولَه الأكرم فهو من أهل القبلة، داخلٌ في عداد الأمة، تجري عليه أحكام المسلمين في الدنيا، وله ما لهم وعليه ما عليهم؟
لقد عبّر أئمة السلوك عن هذا المعنى بألفاظ التقريب والمودّة، لا بألفاظ الإقصاء والتكفير، وكانوا إذا اختلفوا تباينت أفهامهم لا قلوبهم، وكانوا يُحذّرون من غِلظة التصنيف، ويرون فيها ضربًا من الحجاب عن شهود النور الإلهي الساري في الأرواح المؤمنة.
وكم لله من أولياء استتروا في أطمار العوام، لا يعرفهم إلا الله، وهم عنده من خاصة الموحِّدين، يشهدون أن لا إله إلا الله، ويقفون على أعتاب بابها بكل فقر وصدق.
لقد عبّر أئمة السلوك عن هذا المعنى بألفاظ التقريب والمودّة، لا بألفاظ الإقصاء والتكفير، وكانوا إذا اختلفوا، تباينت أفهامهم لا قلوبهم. وكانوا يُحذّرون من غِلظة التصنيف، ويرون فيها ضربًا من الحجاب عن شهود النور الإلهي الساري في الأرواح المؤمنة.
وكم لله من أولياء استتروا في أطمار العوام، لا يعرفهم إلا الله، وهم عنده من خاصة الموحِّدين، يشهدون أن لا إله إلا الله، ويقفون على أعتاب بابها بكل فقر وصدق.
ومن هنا تأتي الغَيرة الصادقة من رجال الأزهر الشريف، المؤسسة التي حفظت للأمة توازنها العقدي، وتماسكها التاريخي، في وقتٍ تمزّقت فيه الأهواء، وسالت الدماء تحت رايات التفريق. فقد ظلّ الأزهر -منذ نشأته- سُرُجًا وهاجة في ليل الفتن، يضيء للسالكين سبيل الوسطية، ويأبى على كل دعوات التطرّف أن تدنّس ساحة الإسلام الرحبة، أو تختصر الأمة في طائفة، أو تحكم على الآخر بالهلاك لمجرد خلاف في الفروع أو المناهج.
وقد صدع بهذا المعنى فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب — حفظه الله — في غير موضع، مؤكدًا في مؤتمر «الحرية والمواطنة» بالقاهرة، ومؤتمر «التقريب بين المذاهب» بطهران، أن كل من نطق الشهادتين، واستقبل القبلة، ولم ينكر معلومًا من الدين بالضرورة، فهو مسلم، له حرمة الإسلام، ولا يُخرج من الملة بذنب ولا بتأويل.
هذه المعاني هي ما تربى عليه العلماء الأجلاء في رحاب الأزهر، وتُوِّجت بها جهود مجمع البحوث الإسلامية الذي ظلّ لسنواتٍ ينقض شبهات التكفير، ويرسّخ ثقافة التسامح بين المذاهب.
إنّ من العجب أن تُهدر هذه الجهود الجبارة من بعض من لا يزال أسير ثقافة التصنيف والفرز، فيعمد إلى نزع الإيمان من قلوب الموحدين، لمجرد مخالفتهم إياه في رأيٍ أو سلوكهم طريقًا غير طريقه.
ولو أنصفوا؛ لعلموا أن الله وسع كل شيء رحمةً وعلمًا، وأن المذاهب الإسلامية الكبرى كلها من مدارس الإسلام الكبرى، ولا يجوز إخراج أحدٍ منها من المِلّة إلا ببرهانٍ قطعي، لا ظنيّ، وبقسطاس مستقيم، لا بأهواء العوام أو مدونات المتشدّدين.
لقد آن لنا أن نسمع من القلوب قبل النصوص، وأن نقرأ القرآن بعيون الرحمة لا بسهام القطيعة، وأن نستلهم من مقامات الصوفية العارفين معنى «المواطنة الروحية» في الأمة، حيث يقول أحدهم: “من قال لا إله إلا الله، فمكانه قلبي، وإن خالفني في كل شيء آخر.”
يا أهل القبلة… أنتم إخوة!
ويا أهل الإسلام، لا تجعلوا من الفروع نيرانًا تأكل أصولكم، ولا من التنوع فتنة تفرق كلمتكم. فرسالة الإسلام أعظم، وميراث النبوة أوسع، وعرش التوحيد لا يضيق بأحد من أهله.
يا أبناء الأمة، لا تفسدوا وحدتكم باجتهادات ضيقة، ولا تجعلوا من المذاهب سجونًا تُحتجز فيها الأرواح الطاهرة.
دعوا قلوبكم تُسلِّم لحكم الله في عباده، فإن من نطق الشهادة فهو حبيب، ومن صلى صلاتنا فهو منا، وإن اختلف في الفروع، ما دام الأصل محفوظًا.
إن وحدة الأمة ليست حلمًا، بل واجب شرعي، وصوت الأزهر ينادي: كلُّ أهل القبلة إخوة في التوحيد، وإن افترقت بهم الطرق.