المرأة المعاصرة: كيف تحولت العلاقات إلى استثمار بارد؟”

بقلم : محمد نجيب نبهان ( كاتب وناقد و باحث تاريخي )

 


في عالم اليوم، حيث تزداد وتيرة الحياة اليومية وتتعقد العلاقات الإنسانية، لم يعد من الممكن النظر إلى العلاقات العاطفية على أنها مجرد اتصال بين قلبين، أو شراكة تقوم على الحب الخالص. الواقع أكثر قسوة من ذلك بكثير. الرجل الذي يظن أن الحب قادر على إحداث كل شيء في الحياة، وأنه يمكنه بناء مستقبله على أساس مشاعر عاطفية فقط، يقع في فخ وهم كبير. أما المرأة المعاصرة، التي غالبًا ما تُصور في الإعلام والمجتمع على أنها الكائن العاطفي الذي يسعى فقط للحنان والتضحية، فقد تحولت إلى كائن عقلاني بامتياز، لا يتخذ قراراته إلا وفقًا لحسابات مادية وعملية باردة.

العاطفة تصبح سلعة: كيف يختفي الحب تحت وطأة الحسابات؟

في البداية، قد تظن أن ما تحرك المرأة هو الحب، وأنها مستعدة للتضحية بكل شيء من أجل الرجل الذي تحبه. ولكن هذا التصور سرعان ما يتلاشى عندما تجد نفسها أمام فرصة أفضل. فمع أول إشراقة فرصة مادية أو اجتماعية، تتحول هذه المرأة إلى عقلانية تمامًا، لا تجد في الرجل سوى أداة لتحقيق مكاسب مستقبلية. في هذا العالم، حيث كل شيء قابل للبيع والشراء، لا عجب أن تكون العاطفة أول ضحايا هذه اللعبة.

نظرية الاقتصاد العاطفي، التي طورها علماء النفس والاجتماع، تُوضح أن الأفراد في العلاقات لا يتخذون قراراتهم بناءً على العاطفة الخالصة فقط، بل يسعون لتحقيق أقصى قدر من المكاسب الشخصية. وقد أظهرت الدراسات أن النساء، على وجه الخصوص، يتمتعن بقدرة أكبر على التعامل مع القرارات من خلال منظور مادي أكثر من الرجال، وذلك لكونهن أكثر تأثراً بالضغوط الاجتماعية والاقتصادية التي تفرض عليهن تحديد “الشريك الأفضل”. تُظهر هذه الدراسات كيف تتحول المشاعر إلى سلعة يمكن استبدالها عندما يظهر ما هو أكثر قيمة في الأفق.

وبحسب نظرية الدافع الذاتي، يُعتبر الإنسان كائنًا يسعى لتحقيق أقصى فائدة في حياته. في هذا السياق، لا يجب أن يكون مفاجئًا أن المرأة، على الرغم من عاطفتها التي قد تكون حقيقية، تميل إلى اتخاذ قرارات حاسمة ترتبط بتأمين مستقبلها، سواء كان ذلك بالارتباط بشريك يمتلك موارد أكثر أو بمكانة اجتماعية أفضل. الرجل الذي يظن أن مشاعرها تجاهه هي أساس العلاقة، غالبًا ما سيكتشف في لحظة معينة أنه كان مجرد “وسيلة” لتحقق هي أهدافًا أكبر.

المرأة اليوم: علاقات استراتيجية وليست عاطفية

من الناحية النفسية والاجتماعية، تفسر نظرية الحوافز هذا التحول في السلوك. حيث تسعى النساء، في ظل الضغط الاقتصادي والاجتماعي، إلى تحقيق استقرار حياتي بعيد المدى. لم تعد المرأة التي تطمح لمستقبل آمن تعيش في عالم العاطفة فقط، بل أصبحت تدير حياتها وكأنها خطة عمل محكمة، تبحث فيها عن الرجل الذي يوفر لها هذا الاستقرار. حتى على مستوى الارتباط، لم تعد هذه العلاقة قائمة على الحب أو المشاعر المتبادلة، بل على موازنة دقيقّة بين العوائد المادية والمعنوية.

لا يمكن تجاهل تأثير نظرية الفائدة القصوى في هذا السياق، والتي تفيد بأن الإنسان يسعى دائمًا إلى تحقيق أقصى فائدة من أي قرار يتخذه. وبالنسبة للمرأة اليوم، فإن الخيار الأمثل في شريك الحياة هو ذلك الذي يضمن لها الحياة المرفهة والمستقبل الآمن. في هذه اللعبة، تصبح العاطفة مجرد ورقة ضغط تُستخدم لتحقيق غايات أخرى، وهي بذلك تتحول من شعور فطري إلى أداة لزيادة القوة الاجتماعية والاقتصادية.

كما أن نظرية التبادل الاجتماعي، التي تم تطويرها من قبل علماء النفس الاجتماعي، تشير إلى أن العلاقات الإنسانية ما هي إلا سلسلة من التبادلات بين الأفراد، تقوم على الحسابات العقلانية. هذا يشير إلى أن المرأة، مثل الرجل، تدخل العلاقات بهدف الحصول على فوائد مادية وعاطفية. في هذه المعادلة، تصبح المشاعر والالتزام مجرد وسائل للحصول على ما تريده من الطرف الآخر، والمرأة التي تبحث عن “الاستثمار الأفضل” ستدير علاقتها وفقًا لذلك.

الحياة الاجتماعية: هل الحب مجرد تجارة؟

الفيلسوف ماكس فيبر يعترف بأن كل فرد في المجتمع الحديث يتعامل مع علاقاته على أساس عقلاني، وهو ما ينعكس في سعي العديد من النساء اليوم نحو الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في شريك حياتهن. المرأة المعاصرة، التي تملك القدرة على إدارة حياتها بشكل مستقل، لن تسعى للارتباط بشخص لا يضمن لها ذلك الاستقرار. في هذا العالم، ليس هناك مجال للكلام عن “الحب الخالص” من دون التحقق من الأبعاد المادية والاجتماعية للعلاقة.

في هذا الصدد، تُظهر دراسات سلوك المستهلك كيف أن الأفراد يميلون إلى التعامل مع العلاقات كأنها منتج أو خدمة قابلة للشراء. هذا التحول في السلوك يعكس في النهاية ظاهرة عميقة في كيفية تفكير الناس في علاقاتهم العاطفية، حيث يصبح الحصول على “أفضل صفقة” هو الهدف الأسمى. في هذا السياق، يتحول الرجل إلى مجرد أداة لتحقيق هذه “الصفقة”، بينما تبقى المرأة هي المتخذة الفعليّة للقرارات التي تحقق لها أقصى قدر من المنافع.

أزمة الرجل: كيف تتغير القيم؟

لا يمكن للرجل، في عالم العلاقات اليوم، أن يتجاهل الحقائق الباردة التي تحكم هذه العلاقات. صحيح أن بعض النساء قد يظهرن مشاعر حقيقية، لكن من الأفضل أن يكون الرجل دائمًا على استعداد لمواجهة الواقع القاسي: المرأة ليست دائمًا “تحت السحر” العاطفي كما قد يظن. في النهاية، لا يجب على الرجل أن يتوقع أن يكون “الحب” وحده هو أساس العلاقة، بل ينبغي أن يعترف أن المرأة اليوم قد تكون أكثر عقلانية منه، وربما تسعى لمصلحة تتجاوز أي مشاعر قد تظهر في البداية.

نظرية السلوك المعتمد على الحالة تقدم تفسيرًا مهمًا في هذا السياق، حيث يعتقد علماء النفس أن الأفراد يتصرفون وفقًا للسياقات والظروف المحيطة بهم. ووفقًا لهذه النظرية، فإن المرأة قد تظهر مشاعر عاطفية حقيقية عندما تكون في حالة عاطفية جيدة، ولكن عندما تتغير الظروف وتصبح الحاجة إلى الأمان المالي والاجتماعي أكثر أهمية، فإنها ستغير سلوكها بسرعة وتصبح أكثر عقلانية. وبالتالي، يكون الرجل قد دخل في علاقة لا تحمل في طياتها العاطفة المستدامة التي كان يتوقعها، بل هي مجرد علاقة مبنية على المصلحة المتبادلة.

الخلاصة: لا مجال للمشاعر في عالم تهيمن عليه المصالح

إذا كنت تعتقد أن الحب هو المحرك الأساسي لأي علاقة، فأنت في الطريق الخطأ. الرجل الذي يعيش في وهم أنه يستطيع بناء علاقته على أساس مشاعر خالصة فقط، سيكون في النهاية ضحية لهذه الحسابات المادية والعقلانية التي تتحكم في كل شيء. العلاقة مع المرأة اليوم لم تعد تتعلق بالحب فقط، بل بالقدرة على استثمار الوقت والمشاعر في شيء يعود بالنفع على الطرفين.

إذا كنت تسعى لبناء علاقة حقيقية ومستقرة، فلا بد أن تكون مدركًا أن ما تحركه المرأة اليوم ليس مشاعرها فقط، بل عقلها وحساباتها باردة ومقنّعة. على الرجل أن يكون دائمًا على استعداد لمواجهة هذه الحقيقة، وألا يترك نفسه يقع في فخ وهم الحب الذي قد يخفي وراءه مصالح غير معلنة.

وفي النهاية، لا يختلف الأمر كثيرًا عن أي استثمار آخر. إذا لم تكن لديك القدرة على تقديم العوائد المتوقعة، فلن يكون هناك مجال لتستمر العلاقة. والعاطفة، في هذا السياق، تصبح مجرد أداة أخرى لتحقيق الأهداف الشخصية في عالم يزداد فيه كل شيء باردًا وحسابيًا.

اترك تعليقاً