سيكولوجية سلب العقل ( السيطرة على الأفكار من الانفراد بخلخلة العقول إلى غسيل الأدمغة )

بقلم المستشار الدكتور : محمد فهمي رشاد منصور
مدرس التفسير وأصول الفقه بجامعة القصر الدولية بدولة ليبيا 

( علاقة المخدرات بالمشاكل النفسية والفكرية )  .

إنّ المُعاناة النفسية لدى الشباب الذين يتعاطون المخدرات تُترجم بشكلٍ جليّ من خلالِ عدمِ الارتياح ، وعدم الاستقرار من الناحيةِ النفسية ، وخاصّة في سنّ المُراهقة ، ويتوضّح ذلك من الصمت الذي يسلكه المراهق ، وحالة الإنطواء التي يمرّ بها ، وعدمِ أخذ الإعتبار لذاتهِ ، إضافةً إلى اضطراب المزاج وخلل في تأنيب الضمير .

وقد تأخذ هذه المعاناة شكلاً آخراً مثل بداية الإنحراف ، ومن ثُمّ يبدأ التطرف والعنف والعدوانية ، وتتّضح اضطرابات المزاج وتقلباته أكثر .

وبهذه الحالة يصبحُ الشاب أو أي إنسانٍ آخر ، مُعتمداً على هذه المواد نفسياً وجسدياً ، وأحياناً يضطّر لزيادة الجرعة ، كي يحصل على نتائج أكثر تأثيراً على ذاته ، ” إنّه الإدمان ” ، وهذا ممّا يجعل الضرر أشدّ تأثيراً في الجسم وبالعقل ، وبهذه الحال يفقد الإنسان قدرته على ممارسة أعماله أو واجباته ، في حال غياب هذه المواد المُخدّرة ، لأنّه أصبح أسيرها ، وإذا تخلّى عنها أو مُنعت عنه قد تظهر عليه حالات أو أعراض نفسية وجسدية خطيرة قد تُؤدي إلى الموت .

لذلك نقول : أن مشكلة المخدرات كفيلةٌ بتدمير أي مجتمعٍ إذا انتشرت و هددت البنية البشرية والاقتصادية وكذلك الاجتماعية ، وتُعدّ من أخطر المشاكل التي تُهدد الحالتين النفسية والاجتماعية ، وهي سبب رئيس للإحباط والاكتئاب والقلق واليأس والأرق .

 ( العبث بالعقول ، وعلاقة الاكتئاب بالمشاكل النفسية وشخصية الإنسان )

إنّ الاكتئاب بشكلٍ عام هو ليس فقط إحباطٌ وعزلة ، بل يلعب دوراً مؤثّراً أخطر من ذلك و خاصّة على الدماغ وعلى مقدرة الإنسان في الإدراك والتصرف ، لذلك إن الأشخاص المُصابون بالإكتئاب لديهم صعوبة في إنجاز المهام التي تتطلّب قدراتٍ عالية من الإدر اك والتفكير ، حيث أن الإكتئاب يلعب دوراً واضحاً لدى الشخص المُصاب ، حيثُ يُعاني من مشاكل قد تكون بسيطة مثل التنزّه أو التحدّث مع أبناء الحي ، أو إتخاذ قرارات بسيطة ، وعدم قدرته على معالجة الأمور بشكلٍ طبيعي ، إضافةً إلى شعوره بصعوبة الإستيعاب أو التعلّم أو الإستماع ، إضافةً إلى معاناته في قصور القدرات العقلية .

كما يُعاني المُصاب بالاكتئاب من صعوبة تذكّر الأمور التي حدثت ، وإذا حاول الثذكّر يشعر بالتوتر وتحصل عنده حالة الإنكماش الذهني وسوء النمو .

كلّ هذه الأمور فيما إذا استمرت واستفحلت قد تُؤثّر على الدماغ بشكلٍ مباشر ويحصل تلف في بعض خلايا الدماغ ، وهذا يُسبب إيقاف نمو بعض الخلايا ، وبالتالي يهرم الدماغ ويشيخ .

 ( غسيل الأدمغة ومراحلها )

ما شاهدناه ونشاهده من التعذيب ، والتلاعب بالأعصاب ، والتحوّل الديني ، والجنسي ، كلّ هذه الأمور وسواها إنما تتجسّد لتاريخ غسل الأدمغة الطاغي والمُروّع ، الذي حقّق اختراقاتٍ جسيمة في مجالِ السيطرة الاجتماعية والدينية والسياسيّة .

وليس سراً أن نسرد أنّ هناك أدوية خاصّة بالأعصاب ، أُستخدمت ولا تزال في مجال الاستجواب في أقبية المخابرات .

وهذه الأدوية أو العقاقير يتم تحديثها وتطويرها على الدوام .

ولعل الجميع يتذكّر ” مشروع مانهاتن ” الضخم والخاص بالعقل ، بهدف محو الذاكرة ، والتلقين الاوتوماتيكي حتّى في حالات النوم ، اضافة إلى مُسببات الهلوسة ، المتطرفون و المتشددون استخدموا هذه التقنيات ، ورجال الأمن والاستخبارات والمجرمين والارهابيون يحتلّون دوراً مهماً في هذا المجال المخيف ، من أجل تغيير قناعات الأفراد ومحو ذاكرتهم .

ولعل الاتحاد السوفياتي والصين أول من قام بهذه الممارسات التي ترتبط بشكلٍ مباشر بغسيل الأدمغة . ومن ثُمّ قامت وكالة الاستخبارات الأمريكية ” بمشروع مانهاتن للعقل ” المهتم في غسيل الأدمغة والتحوّل الأيديولوجي ، وكان بمثابة الرد على الصين والاتحاد السوفياتي . ومن ثّمّ أصبحت دول كثيرة تعتمد هذا الأسلوب ، حيث اعتمدت أجهزة المخابرات في جلسات التحقيق على الإيحاء ، وتعريض الآخرين للجهد الجسدي وقلة النوم . وبمساعدة العقاقير وأثناء نوم الذي يتم التحقيق معه ، يقوم بالتحدث أثناء نومه بحقائق تستفيد منها أجهزة المخابرات ، كي يتلاعبوا بأفكارهم ، ومن ثُمّ الإدلاء باعترافاتٍ لا أساس لها من الصحة ، وبذلك يكونوا ضحايا لجلسات محاكمة صورية .

إنّ غسيل الأدمغة وسيلة من وسائل السيطرة على البشر وعلى العقول ، وهو يُمثّل تهديداً مباشراً ودائماً على الإنسانية وتقييدها .

وحينما يفهم الإنسان هذه اللعبة القذرة يُصبحُ بإمكانه أن يستعيد السيطرة على نفسه وعلى عقله وحماية حريته .

( سيكولوجية الذات البشرية ، القصور الوجداني والنزعوي ) .

يجب على الإنسان أن يبحث عن كيفية تقييم وإدراك ذاته من خلال التفكير السليم ، كي يكتشف ذاته ويكون واعياً كينونته بشكلٍ جيد .

غظنّ مفهوم الذات يتضمن معتقدات أي إنسان حول صفاته أو نفسيته ، و وعيه حول صفاته وشخصيته ، وهي جزء مهم من بحوث علم النفس الإنساني والاجتماعي والتطوري ، حيث أنّه يُمثّلُ البناء الأمثل ، أو المرآة التي يرى فيها الإنسان ذاته عندما يكون بمفرده ، أو عندما يكون متفاعلاً مع الآخرين .

وبهذه الحال يُدرك الفرد نفسه ، ويدرك احساسه الوجودي وبتميّزه أنه كائن مستقل ومنفصل ومتميّز عن الآخرين ، من خلال سماته وخصائصه الشخصية المتكوّنة مع مرور الأيام ومنذ طفولته ، حيث أن الطفل يصبح واعياً لذاته مع مرور الزمن ، ويُدرك بأنه جزء من المجتمع والعالم .

ومن هذا الزمن يتضح مفهوم الذات ويصبح الفرد محط تقدير وجهة نظره حول ذاته ، والقيمة التي يضعها لنفسه ، وماذا يتمنى أن يكون كنظرةٍ ساميةٍ مثالية .
أحياناً كثيرة لا يحدث تطابق واقع الفرد وبين رؤيته لنفسه ، أو ما يودّ أن يكون ، فإن هذا الشرخ أو التفاوت الملموس يؤثّر على تقييم الذات .

لذا نرى أن هناك علاقة وثيقة بين حقيقة الذات ، وتقدير الذات أو الأنا المنشودة ، لذلك قد يحصل وبناءً على النسبية سلباً أو إيجاباً في التطابق ، صفات معينة مثل : ذكي – كسول – متفائل – قوي – سعيد – ضعيف – مكتئب – ذكي .

 

ولكي ننجح في نمو التطابق النفسي للفرد علينا أن نجد الطرق التي يستجيب من خلالها الآخرون إلينا ، أو نحونا ، وعلينا أن نفكر جيداً حينما نقارن أنفسنا بالآخرين ، وأن نؤكّد على دورنا الاجتماعي ، وعلى المنظور الذي من خلاله نعرف كينونة أنفسنا مع الآخر .

ولا بُدّ من الثقة والاستقلالية والمحبة بعيداً عن أي قيود أو إملاءات .

يجب أن يتحلّى الفرد بالجرأة بهدف استخدام عقله بعيداً عن أي وصايةٍ أو قيد .

لذلك عندما نتحدث و نستخدم كلمو ” القصور ” ، فهذا يعني أن إنسان ما لا يستخدم عقله ، أو لا يجرؤ على استخدامه ، ولا يستطيع أن يتحكّم بتفكيره الخاص ، أي هناك عجز ما ، عجز في استخدام العقل ، هناك من يصفه بالاستبداد كأساسٍ للوصاية التي تُهمين على المرء وفي كلّ المجالات ، بما فيها الفكرية .

وخروج هذا المرء من هذه الحالة هي مهمته نفسه ، ومسؤوليته ، السبب لا يكمن في عدمِ القدرة على الفهم ، ولكن قولاً واحداً في الحاجةِ إلى الشجاعة لاستخدام عقله بعيداً عن تشجيع من الآخرين .

وكما قال ” كانط ” ” تجرأ على التفكير ، امتلك الشجاعة لاستخدام حسّك الخاص “.
وهذا يعني أن الانسان مسؤول عن عجزه وقصوره ، وهو يتحمّل المسؤولية لعدم بلوغه النضوج في السن القانونية ، وهي السن التي يكون فيها الإنسان قادراً على التفكير بحرية دون أي وصايةٍ أو إملاء أو إشارات و إرشاد من الغير .
إن التمرد والخروج من القصور يحتاج إلى جهدٍ ومشوار معقّد ، وعملية شائكة ، تجتمع فيها الثقافة وعلم الاجتماع والفلسفة وعلم النفس ونظريات المعرفة والتاريخ إضافة إلى الأديان .

حيث أن الإنسان بشكلٍ عام هو مقيد بمشاعره واستجاباته ومواقفه التي ترسم له ومنذ طفولته في المنزل ، في الشارع ، وفي المدرسة ، والمعلمين والمناهج ورفاق دربه ، فالإنسان يصبح أسير هذه البرمجه ، ولا يستطيع البسطاء وهم الأغلبية من الخروج من هذا التجذّر الذي يرسم ردود أفعاله ومشاعره ومواقفه بدون تفكير أو ردة فعل ، هنا تماماً نحن نكون أمام قصورٍ ذاتي فكري ومعرفي ونفسي .

وجديراً بالذكر أن الشكل السلطوي الذي يحدد ممارسات السلطة السياسية والقضائية والدينية ، يحدّ من تفكير المرء ، ومن إبداعه الفكري ، ولكن وبكلِ تأكيد حينما لم تعد هناك سلطة قمعية ولم تعد هناك طاعةٌ عمياء ، ستتمكّن الإنسانية من نضجها الفكري .

ولم يتحرر الفكر ، ومستحيل أن يُبدع المفكر إلاّ من خلالِ الحرية التي تبيح استعمال العقل وفي كلّ المجالات ، وتوسيع المعارف ، وتقدم الإنسانية نحو السمو والتألق .

( سيكولوجية التفكير والوظائف السلوكية )

سيكولوجية التفكير تعتبر من العمليات العقلية الأساسية ، وبنفس الوقت هي تشغل الحيّز الرئيس من مجمل حيثيات القدرات .

حيث بإمكاننا السيطرة على معظم المشكلات التي نقع في مطباتها من خلال التفكير ، وكل شخصٍ عليه أن يُفكّر ، الموظف يُفكر ، المعلم يفكر ويطلب من تلامذته التفكير ، والوالد يطلب من أبنائه التفكير ، فمن خلال التفكير نرتقي سلوكاً ، وبمستوى سلوكنا وأدائنا العقلي في مختلف مجالات الحياة .

التفكير هو عملية معرفية ، كما هو خاصيّة راقية ، حيث أن الإنسان وحده الذي يتميّز بها من بين المخلوقات الأخرى .

التفكير هو عملية إدراك داخل عقل الإنسان ، ويعتمد على استخدام المعرفة المختزنة في الجسم الإدراكي لدى كل إنسان ، وهو عمل ذو هدف ، يبدأ بعقدةٍ ويتوصّل في النهاية لحلّها .

ديكارت قال : ” أنا أفكّر إذن أنا موجود ” .

فكان التفكير من وجهة نظره دليل على وجود الإنسان .

( السيطرة على مواقف اتخاذ القرار بعد تفكيك عناصره وتحليلها ) .

اتخاذ القرار يحتاج إلى معلوماتٍ وبيانات ، وبنفس الوقت تقييم البدائل بهدف الوصول إلى الأفضل قدر الإمكان ، كما تربطه عدة معايير للوصول إلى البديل الأفضل .

للوصول إلى قراراتٍ رشيدةٍ وفاعلة ، لا بُدّ من البداية تحديد المشكلة ، وجمع المعلومات والبيانات الملائمة المتوفرة ، وتحديد ما هو متوفّر من بدائل متاحة ، وعند اختيار البديل الأفضل تنتهي عملية إتخاذ القرار المناسب .

ولكن قد تواجه عملية اتخاذ القرار عدة مشاكل ، أو ما يُعيق اتخاذ القرار ، مثل : الامكانيات المادية ، الطاقة البشرية ، والأمور التقنية ، هذا فيما يختص بالنواحي الداخلية ، ولكن قد تواجه متخذ القرار عوائق خارجية أيضاً مثل : هل يُؤثّر القرار على سياسة الدولة ؟ ، أو على الرأي العام ، أو على المنافسين ، وكذلك المستهلكين ، والنقطة الأخيرة الموزعين .

فعند اتخاذ أي قرار علينا أن نأخذ بعين الاعتبار بأن القرار المُتخذ يُحقق الهدف المرسوم ، وليس بالضرورة أن يؤدّي القرار إلى إرضاء كل الأطراف أو الجميع ، وعلى الدوام هناك بدائل لاختيار الأفضل ، وفي الختام أن عملية اتخاذ القرار هي عملية ذهنية وفكرية بحته ، ولكن في النهاية تتحوّل إلى عملٍ مادي ملموس وهادف .

ولا بُدّ إلاّ أن ننوّه بأن مرحلة اتخاذ القرار تمر باستشارات ومشاركة الآخرين ، مع الأخذ بعين الاعتبار أن يكون مركز اتخاذ القرار محصور في يدِ شخصٍ واحد وغالباً هو المدير المسؤول .

( تحويل العقل البشري إلى استجابات أوتوماتيكية )

من المفروض أو بالمنطق أن العقل البشري لا يمكنه أن يتحوّل إلى مجرد مركز التقاط اشاراتٍ بهدفِ الاستجابة لها .

نعم حقّق الباحثون اكتشافات عديدة بهدف تحويل العقل البشري إلى آلةٍ أوتوماتيكية ، والأصح أن نقول نعم ، العقل البشري بإمكانه أن يكون متفاعلاً بينه وبين التقنيات ، لأن العقل البشري في المقام الأول ، وفوق مختلف أشكال الآلات ، يكفي أن المشاعر والأحاسيس التي يملكها لا تملكها الآلات المُصنّعة .
كلنا نسمع أن الذكاء الاصطناعي سيحلّ محل البشر ، وهذه العملية ما هي سوى روبوتات يُسيّرها العالم بتحكّم ، وهدفها السيطرة على العقل البشري ، الإنسان .

ولكن كل هذه الكلمات أو النظريات هي ضرب من الوهم والخيال ، الذي من الصعوبة بمكان تنفيذه .

يكفي سبباً واحداً أن المنطق خارج نطاق هذه اللعبة ، والمنطق شئنا أم أبينا تخضع له كل الدساتير والقوانين ، والسلوك هو الذي يجب أن يسود في أي بحثٍ أو مشروع .

نعم بالإمكان اختراع روبوتات تتلقى الأوامر وتنفّذها ، وبإمكانها خدمة الإنسان والمجتمع ، من خلال تجهيزها لخدمة كبار السن مثلاً ، أو تأمين نظام المرور بالشوارع ، أو لخدمةِ الأطفال ومراقبتهم ، حتّى في مجال ترتيب المستودعات في الشركات والمصانع ، وسواها ، وأي خطأ يقوم به الذكاء الاصطناعي يؤكّد الحاجة إلى التدخل البشري والمراجعة البشرية .

بالأساس الذكاء الاصطناعي هو من صنع البشر ، وبالتالي فإنه يُجهز لخدمة الإنسان ، والبشر هم وحدهم الذين يُزوّدون الروبوت بالمعلومات ليقوم بعد ذلك بتنفيذها .

ولكن أيّاً كانت الأمور فإنّ الذكاء الاصطناعي قد يُؤمّن فرصاً مثل كفاءة متطورة ، لكنه بنفس الوقت هو روبوت و في المقام الأول يُعاني من فقدان اللمسة الإنسانية والمنطق الإنساني والمشاعر الإنسانية .

اترك تعليقاً