حكم إجراء عملية لتصغير الأنف

بقلم الشيخ : محمد أبو النصر
الكاتب والباحث فى الشريعة الإسلامية

حكم إجراء عملية لتصغير الأنف.

● الحمد لله الذي أحسن خلق الإنسان، وجعل له في كل شيء حكمة، وأسبغ عليه نعمه ظاهرة وباطنة. والصلاة والسلام على رسول الله، الذي بعثه الله رحمة للعالمين.

أما بعد:
فإن من المسائل التي تشغل بال كثير من الناس في هذا العصر مسألة حكم إجراء عملية لتصغير الأنف، وهو موضوع يثير تساؤلات شرعية تتعلق بأحكام الجراحة التجميلية، وسنتناول حكم هذه العمليات من الناحية الشرعية، معتمدين على الأدلة من الكتاب والسنة وأقوال أهل العلم.

تعريف عمليات التجميل وأقسامها

تعريفها: عمليات التجميل هي الإجراءات الجراحية التي تهدف إلى تعديل شكل عضو معين في الجسم إما لتحسين مظهره أو لإصلاح عيب خلقي أو طارئ.

أقسامها:
1. تجميل علاجي: لإزالة العيوب الناتجة عن الحوادث أو الأمراض.
2. تجميل تحسيني: لتغيير الشكل الطبيعي لأغراض جمالية فقط.

⚫ حكم عمليات التجميل في ضوء القرآن والسنة وأقوال أهل العلم.

● أولًا: الأدلة من القرآن الكريم:

 

قال الله تعالى: “وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ” (النساء: 119).
استدل العلماء بهذه الآية على تحريم تغيير خلقة الإنسان إذا لم تكن هناك ضرورة شرعية أو حاجة ماسة.

2. الأمر بعدم التبذير:
“إِنَّ ٱلْمُبَذِّرِينَ كَانُوا۟ إِخْوَٰنَ ٱلشَّيَٰطِينِ” (الإسراء: 27).

● ثانيًا: الأدلة من السنة النبوية:

1.فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه، قَالَ: ” لَعَنَ اللَّهُ الوَاشِمَاتِ وَالمُسْتَوْشِمَاتِ، وَالمُتَنَمِّصَاتِ، وَالمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ، المُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ تَعَالَى. مَالِي لاَ أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ فِي كِتَابِ اللَّهِ: (وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)”رواه البخاري ، ومسلم .

قال النووي رحمه الله تعالى: ” وأما قوله: (المُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ): فمعناه يفعلن ذلك طلبا للحسن، وفيه إشارة إلى أن الحرام هو المفعول لطلب الحسن، أما لو احتاجت إليه لعلاج ، أو عيب في السن ونحوه ؛ فلابأس . والله أعلم ”

وهذا الحديث نص في تحريم تغيير خلق الله لأغراض تجميلية بحتة.

2-أن النص استثنى التغيير إذا كان لداء، كما روى أبو داود عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: (لُعِنَتْ الْوَاصِلَةُ وَالْمُسْتَوْصِلَةُ وَالنَّامِصَةُ وَالْمُتَنَمِّصَةُ وَالْوَاشِمَةُ وَالْمُسْتَوْشِمَةُ مِنْ غَيْرِ دَاءٍ). رواه أبو داود (صحيح )

وروى أحمد عن ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قال: (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ النَّامِصَةِ وَالْوَاشِرَةِ وَالْوَاصِلَةِ وَالْوَاشِمَةِ؛ إِلَّا مِنْ دَاءٍ) وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح.

قال الشوكاني رحمه الله: ” قوله: (إلا من داء) ظاهره أن التحريم المذكور إنما هو فيما إذا كان لقصد التحسين، لا لداء وعلة، فإنه ليس بمحرم “

وهذا يشمل ما إذا كانت العلة طارئة، أو قد ولد بها صاحبها.

2. حديث عرفجة بن سعد رضي الله عنه:
قال: “أُصِيبَ أَنْفِي يَوْمَ ٱلكِلَابِ فَٱتَّخَذْتُ أَنْفًا مِنْ وَرِقٍ (فضة) فَأَنْتَنَ عَلَيَّ، فَأَمَرَنِي ٱلنَّبِيُّ ﷺ أَنْ أَتَّخِذَ أَنْفًا مِنْ ذَهَبٍ” أخرجه الترمذي واللفظ له، والنسائي وأحمد

يدل هذا الحديث على جواز الجراحة التجميلية إذا كانت لعلاج تشوه أو ضرر.

فلقد جاتِ الشريعةُ الإسلاميَّةُ بالتيسيرِ لا التعسيرِ؛ ومِن القواعدِ الكليَّةِ في الشريعةِ أنَّ الضروراتِ تُبيحُ المحظوراتِ، وأنَّ المشقَّةَ تَجلِبُ التيسيرَ.

وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ عبدُ الرحمنِ بنُ طَرَفةَ: أنَّ جَدَّه عَرْفجةَ بنِ أسعدَ، قُطِعَ أَنْفُهُ يَوْمَ الْكُلَابِ”، أي: أُصِيبَ في حَربٍ كانتْ بالجاهِليَّةِ تُدعى يومَ الكُلَابِ، وهو اسمٌ لبِئرٍ كانَت ما بينَ الكُوفةِ والبَصرةِ

“فاتخذَ أنفًا مِن وَرِقٍ”، أي: فصُنِعَ لِعَرفَجةَ أنْفٌ مِن فِضَّةٍ، “فأنتنَ علَيهِ”، أي: أصابَتْه رائِحةٌ كَريهةٌ لاستخدامه الفضة، أي: من أثَرِ وَضعِ الفِضَّةِ على مَوضعِ أنفِه، “فأمرُهُ النبيُّ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّم، فاتَّخذَ أنفًا مِن ذَهبٍ”، أي: فصُنِعت لَه أنفٌ مِن الذَّهبِ؛ وذلك لأنَّ الذهبَ لا يُنتنُ، وهو وإنْ كان مُحرَّمًا على الرجالِ، إلَّا أنَّه أُبيحَ له للضرورةِ، وهو أنْ يكونَ الذهبُ على الوجهِ الذي لا يُمكن لغيرِه أن يُؤدِّيَ الغرضَ المقصودَ.

● أقوال أهل العلم

1. الإمام النووي – رحمه الله -:
قال في “شرح صحيح مسلم”: “يحرم تغيير الخلقة إذا كان للتجمل فقط، أما إذا كان لعلاج أو لإزالة عيب فلا بأس “

2. فتاوى معاصرة:
جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي بشأن الجراحة التجميلية وأحكامها:
” إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي المنعقد في دورته الثامنة عشرة في بوتراجايا (ماليزيا) من 24 إلى 29 جمادى الآخرة 1428هـ، الموافق 9 م 13 تموز (يوليو) 2007 م.

بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع الجراحة التجميلية وأحكامها، وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله، قرر ما يأتي:
يجوز شرعا إجراء الجراحة التجميلية الضرورية والحاجية التي يقصد منها:

أ- إعادة شكل أعضاء الجسم إلى الحالة التي خلق الإنسان عليها، لقوله سبحانه: (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم) العلق/4,

ب- إعادة الوظيفة المعهودة لأعضاء الجسم.

ج- إصلاح العيوب الخلقية مثل: الشفة المشقوقة (الأرنبية) واعوجاج الأنف الشديد والوحمات، والزائد من الأصابع والأسنان والتصاق الأصابع؛ إذا أدى وجودها إلى أذى مادي أو معنوي مؤثر.

د- إصلاح العيوب الطارئة (المكتسبة) من آثار الحروق والحوادث والأمراض وغيرها، مثل: زراعة الجلد وترقيعه، وإعادة تشكيل الثدي كليا حالة استئصاله، أو جزئيا إذا كان حجمه من الكبر أو الصغر بحيث يؤدي إلى حالة مرضية، وزراعة الشعر حالة سقوطه، خاصة للمرأة.

هـ- إزالة دمامة تسبب للشخص أذى نفسيا أو عضويا ” انتهى.

● وجاء في جواب دار الافتاء المصريه “ لا مانع شرعًا من إجراء عمليات تصغير الأنف؛ إذا كان حجم الأنف غير طبيعي ويتأذى الشخص منه نفسيًّا، ما دام القصد من العملية إعادة الأنف إلى الحجم الطبيعي الذي خلقه الله عليه لعامة الناس؛ لأن ذلك من قبيل العلاج وليس من باب التجميل. أما تصغيره بقصد الجمال فهذا تغيير لخلق الله تعالى ولا يجوز.

● تطبيق الحكم على عملية تصغير الأنف
1. إذا كان الأنف مشوهًا أو كبيرًا بشكل يسبب أذى نفسيًا أو جسديًا:
يجوز إجراء العملية إذا قرر الأطباء الثقات أن هذا التشوه يسبب أذى معتبرًا، سواء نفسيًا أو جسديًا، ويكون الحكم هنا من باب إزالة الضرر.

2. إذا كان التغيير لمجرد التجميل وتحسين الشكل الطبيعي:
يحرم ذلك لأنه من تغيير خلق الله المنهي عنه في الشرع.

● ومجمل القول
بعد استعراض الأدلة من القرآن والسنة وأقوال أهل العلم، يتبين أن إجراء عملية لتصغير الأنف يجوز شرعًا إذا كان هناك عيب ظاهر أو تشوه يسبب ضررًا نفسيًا أو جسديًا معتبرًا، أما إذا كان لمجرد تحسين المظهر الطبيعي دون وجود حاجة ماسة، فهو محرم.

والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

اترك تعليقاً