بقلم : الأستاذ الدكتور الشيخ محمد عبدالله الأسوانى
سلسلة علوم أخر الزمان :
ترتبط خلافة بنى العباس ارتباطاً وثيقاً بمهدى آخر الزمان، وقد كان لدى بنى العباس آثاراً عن النبى صلى الله عليه وسلم تقول بان الخلافة ستؤول اليهم.
ومنها ما حَدَّث به سيدنا علي بن ابى طالب يقول : دخل العباس على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، وأنا عنده في منزل أم سلمة وهو متوسد وسادة أدم محشوة ليفاً فألقاها إلى العباس وقال له: اجلس عليها، قال، وأقبل عليه يناجيه دوني بشيء لم أسمعه، ثم نهض، فخرج، فلما توارى، قال : يا علي! هوَّن على نفسك، فليس لك في الأمر نصيب بعدي إلا نصيب خسيس، وإن هذا الأمر في هذا وفي ولده، يأتيهم الأمر عفواً عن غير جهد طلبٍ، حتى تدركوا بثأركم وتنتقموا ممن أساء إليكم. كتاب اخبار العباس وولده صفحة 76
ويقصد النبى صلى الله عليه وسلم بقوله “الا نصيب خسيساً” اى فترة بسيطة من الخلافة وستكون هذه الفترة بها الكثير من القلاقل والمتاعب.
وقد تحققت نبوءة النبى صلى الله عليه وسلم حيث ان سيدنا “على” قد تولى الخلافة ولم تصفو له يوماً بل كانت كلها قلاقل من ناحية الخوارج ومن ناحية الأمويين بقيادة معاوية بن ابى سفيان بل ومن ناحية بعض الصحابة مثل الزبير وطلحة والسيدة عائشة رضى الله عنهم وأرضاهم وغيرهم.
وكذلك وصايا النبى صلى الله عليه وسلم للامام على بن ابى طالب وحديثه عن عبد الله بن العباس عندما وضعته ام الفضل فقد اخرج الخطيب وابو نعيم فى الدلائل عن ابن عباس رضى الله عنهما قال حدثتنى ام الفضل قالت مررت بالنبى صلى الله عليه وسلم فقال : انك حامل بغلام فإذا ولدته فأتينى به . قالت : يا رسول الله أنَّى لى ذلك وقد تخالفت قريش ألا يأتو النساء ؟ قال : هو ما أخبرتك ، قالت : فلما ولدته أتيته فأذَّن فى أذنه اليمنى وأقام فى اليسرى وألبأه من ريقه وسماه عبد الله ، وقال : اذهبى بأبى الخلفاء ، فأخبرت العباس فأتاه فذكر له فقال : هو ما أخبرتها هذا ابو الخلفاء حتى يكون منهم السفاح وحتى يكون منهم المهدى ” رواه الطبرانى فى المعجم الكبير / 10580 ، وفى المعجم الاوسط / 9250 ، ورواه الهيثم فى مجمع الزوائد / 8956
وفى اثر آخر انه ورد عن النبى صلى الله عليه وسلم عن ابى هريرة رضى الله عنه قال : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ” انى رأيت فى منامى كأن بنى الحكم بن أبى العاص ينزون على منبرى كما تنزو القردة ، قال : فما رؤى النبى صلى الله عليه وسلم مستجمعاً ضاحكاً حتى توفى ” هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه . رواه الحاكم النيسابورى فى المستدرك ـ كتاب الفتن. وهذا سنرجع اليه وله ارتباط بموضوع الامام المهدى.
نحن نعرف ان آل البيت حرمت عليه الصدقة، فالنبى صلى الله عليه وسلم عندما توفى ترك ميراثاً لو كان وزع لأخذ منه عمه العباس تعصيباً واخذت منه السيدة فاطمة ابنته نصيباً مفروضاً ثم زوجات النبى حيث انهم هم ورثة النبى صلى الله عليه وسلم (عمه وبنته ثم زوجاته) ، وهذا سيرجعنا الى ان بنى العباس كان لديهم من النبوءات وكلام من النبى صلى الله عليه وسلم والامام على ووصايا تبشرهم بان هذا الامر سيصير اليهم.
ويوجد أثر ان ابو هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية وكان وقتها يُعد شيعته لتطويع امر الخلافة الى بنى هاشم ، وكان ابو هاشم نشيط ورجل ذو ارادة قوية وعزيمة ، ففى عهد الوليد بن عبد الملك عندما دخل عليه ابو هاشم قال الوليد لوددت ان ادخل هذا الرجل السجن حتى يموت فيه فرد عليه خالد بن يزيد بن معاوية بن ابى سفيان بقوله : ان لا خوف عليكم من هذا لأن هذا وابناء ابيه لن يلوا من هذا الامر شيئاً يقصد امر الخلافة وانما من سيلى هذا الامر هم ابناء عمهم وهم بنو العباس وخصوصاً فرع عبد الله بن العباس وابنه على واخوته وابناءه، فتعجب الوليد ان هؤلاء القوم ساكنين وليسوا نشيطين فى هذا الامر ولم يقبل قول خالد بن يزيد.
وهذا الاثر يدل على ان هناك نبوءات عند الامويين وعند الهاشميين سواء فى الفرع العلوى او الفرع العباسى بان الخلافة سوف تصير الى بنى العباس ، ويمكن ان يكون هذا هو السبب الذى ادى بالامويين الى منع “على بن عبد الله بن العباس ” وابنه “محمد بن على” من ان يتزوج المرأة الحارثية التى انجبت عبد الله السفاح قبل عصر الخليفة العادل ” عمر بن عبد العزيز” لأن الامويين كانوا يرفضون زواج محمد بن على بن عبد الله بن العباس من أى امراءة حارثية لأن عندهم نبوءة او أثر مروى ان أول من سيلى الامر من بنى العباس ستكون أمه حارثية ، وقد استطاع محمد بن على ان يتزوجها فى عهد الخليفة العظيم “عمر بن عبد العزيز” وهو من أذن له فى الزواج منها وكان قبل ذلك يرفضون ارتباطه باى امراءة حارثية .
فهذا يدلنا على ان هناك نبواءت واثار وكلام بخصوص هذا الامر ، وكذا الاثر الذى روى ما دار بين الخليفة الاموى “هشام بن عبد الملك” و”محمد بن على” فى هذا الامر ، وهى قصة مشهورة عندما ذهب الى هشام يطلب عطاء من الخليفة الاموى ، قال اليعقوبى ” قدم محمد بن على بن عبد الله على هشام ومعه ابنه ابو العباس غلام ، فلما خرج من عنده قال لبعض اصحابه : شكوت الى امير المؤمنين ثقل الدين وكثرة العيال فاستهزأ بى وقال ” انتظر ابن الحارثية ، يعنى هذا الغلام ” تهكماً عليه بشأن الخلافة.. تاريخ اليعقوبى 2 : 322 ، وانظر الامامة والسياسة 2 : 132 .
كل هذا يقودنا الى ان امور الخلافة والحكم لا تصير بالصدفة وانما يكون لها ترتيب إلهى وان هناك اشياء معينة تدل عليها وهو ما يقودنا الى ان امر المهدى، وان امر الحكم والخلافة ليس اعتباطاً او مجرد صدفة تأتيك ، فالامر مرتب ترتيب إلهى موزون ، ولكن لا يرى ذلك الا اصحاب البصائر الذين فتح الله عليهم فيدركونه ببصائرهم قبل عقولهم لأن البصائر اعمق فى التفكير وفى النظر .
فبنو العباس فى أمر الخلافة كانوا على استعداد لها ، وقصة ابو هاشم عندما اتى من عند الخليفة الاموى “الوليد بن عبدالملك” ومرض وذهب الى “الحميمة” بلدة العباسيين فى بادية الشام مع “محمد بن على” واطلع “محمد بن على” امر شيعته الذين يدعون لبنى هاشم بامر الخلافة واعطى البيعة لمحمد بن على من بعده بالخلافة والامامة وبدأ “محمد بن على” فى ترتيب امر هذه الدعوة وبعث الدعاة الى الكوفة وإلى خراسان وإلى بلاد العجم عموماً فبدأوا بالدعوة الى الرضا من آل محمد.
ويوجد أثر آخر أخبر فيه “ابو هاشم” ” محمد بن على ” بأمر الصحيفة الصفراء التى معه وما فيها من عهد من الامام على ان هذا الامر ينصح فيها ابنه محمد واخوته لئلا يطلب هذا الامر ، لأن هذا الامر سوف يصير الى بنو عمهم من بنى العباس ومن ذرية عبد الله بن العباس ، فعندما سأل محمد بن على ابو هاشم : هل لنا من هذا الامر نصيب؟ ، رد عليه ابو هاشم بقوله: “وهل لأحدٍ غيركم فى هذا الامر نصيب من ال بيت نبيكم ، ان الله اصطفاكم من اهل بيت نبيكم لهذا الامر” ـ يقصد أمر الخلافة .