بحث بعنوان :( حق البيئة من النظافة والجمال كسلوك حضاري واجتماعي ) للشيخ رضا الصعيدى


بحث بعنوان : ( حق البيئة من النظافةوالجمال كسلوك حضاري واجتماعي )

للشيخ : رضا الصعيدى

 

عناصر مهمة :
كيف كانت البيئة هي الرحم الثاني والأم الكبرى ؟
وكيف وزع الله طرفا من جماله في  الكون ؟
وكيف نحافظ على هذا الجمال ؟
وما هي الصور الدالة على ذلك ؟
وما الواجب علينا ؟

مقدمة بعد حمد الله والثناء عليه :

عباد الله: لقد حث الإسلام على نظافة البيئة وجمالها ونضرتها والعناية الفائقة بها، واعتبرها من صميم رسالته؛ وذلك لأن أثرها عميق في تزكية النفس وتمكين الإنسان من النهوض بأعباء الحياة، كما اهتم الإسلام بنظافة الأجسام اهتماماً كبيراً ، وقد بيَّن صلى الله عليه وسلم أنَّ الرجل الحريص على نضارة بدنه، ووضاءة وجهه ، وأصل كل جميل أن الله جميل يحب الجمال .

عباد الله: إنَّ المسلمينَ نماذجٌ رائعةٌ للطُهرِ والجمالِ عندما يُنفذونَ تعاليمَ دينهم في أبدانهم وبيوتِهم وطرقهم ومدنهم؛ وفي إقامة شعائر دينهم؛ ومنْ مظاهرِ الطُهرِ والنقَاءِ والجمَالِ والزّينَةِ في توجِيهاتِ الإسلام وإقامة شرائعه.

عباد الله: إن من ينظر إلى مظاهر النظافة كما في عنصرنا الثاني يجد أن الإسلام شرعها من أجل سلامة الفرد والمجتمع من الأمراض والأوبئة؛ فحينما حث على نظافة وطهارة البدن والثياب والأسنان والمكان؛ فإنما من أجل السلامة من الأمراض والأوبئة التي تنتشر عن طريق القاذورات والقمامات؛ وفي تغطية الآنية حفظٌ للطعام والشراب من سقوط الحشرات المُؤذية التي تُولِّد جراثيم المرض، وهذا كله من باب الوقاية والتحفُّظ من الأمراض وأسبابها.

حب الله للجمال  في  القرءان والسنة والكون :

جاء في الحديث : إن الله جميل يحب الجمال (صحيح مسلم)  .. قال الله عز وجل في سورة الأعراف: يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ ،  وقال -عز وجل- { صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ }(النمل: من الآية88) فأحسنه وجوده وأتقنه، وجعله بديعاً في هيئته ووظيفته على حسب ما تقتضيه حكمته سبحانه وتعالى، { الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا ۖ مَّا تَرَىٰ فِي خَلْقِ الرَّحْمَٰنِ مِن تَفَاوُتٍ ۖ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَىٰ مِن فُطُورٍ (3) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ (4)}(الملك) .

وقال تعالى : وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ (20) وَفِي أَنفُسِكُمْ ۚ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21)…

وأقسم الله  بهذا الجمال فقال : وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ (7) إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ (8) ..

قال تعالى: (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (البقرة 195).

قال تعالى: (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (البقرة 195).

وصدق من قال :

وَهُوَ الجَمِيلُ عَلَى الحَقِيقَةِ كَيْفَ لا    وجمَالُ سَائِرِ هذهِ الأكْوَانِ

مِنْ بَعْض آثَارِ الجَمِيلِ فَرَبُّهَا    أَوْلَى وَأجْدرُ عِنْدَ ذِي العِرْفَانِ

فَجَمَالُهُ بِالذَّاتِ والأوصَافِ   وَالأفعَالِ وَالأسْمَاءِ بالبُرهَانِ

لا شَيءَ يُشْبِهُ ذَاتَهُ وصِفَاتِهِ   سُبْحَانَهُ عَنْ إفْكِ ذِي بُهْتَانِ

في الحديث : “إِذَا آتَاكَ اللَّهُ مَالًا فَلْيُرَ أَثَرُ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْكَ وَكَرَامَتِهِ”، وفي رواية: “إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَنْعَمَ عَلَى الْعَبْدِ نِعْمَةً أَحَبَّ أَنْ تُرَى بِهِ”(رواه ابن حبان أبو داود والنسائي ).

كما أن الله  جمل الكون بلق النبي محمد ، قال -عليه الصلاة والسلام- : ((مَثَلِي وَمَثَلُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي، كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى بُنْيَانًا فَأَحْسَنَهُ وَأَجْمَلَهُ، إِلَّا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِنْ زَاوِيَةٍ مِنْ زَوَايَاهُ ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفُونَ بِهِ وَيَعْجَبُونَ لَهُ ، وَيَقُولُونَ: مَا رَأَيْنَا بُنْيَانًا أَحْسَنَ مِنْ هَذَا إِلَّا هَذِهِ اللَّبِنَةَ ، هَلَّا وُضِعَتْ هَذِهِ اللَّبِنَةُ، فَأَنَا اللَّبِنَةُ وَأَنَا خَاتَمُ النَّبِيِّينَ )) رواه البخاري ومسلم .

حتى القرءان جميل ، قال الله -سبحانه وتعالى-  : {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} – (هود: من الآية1).

يحبه في جمال  البيئة التي يعيش فيها الإنسان:

الشريعة الإسلامية اهتمت بنظافة المكان والبيئة التي يعيش فيها الإنسان، واعتبرها إيمان وقربى عظيمة فعن أبي هريرة t قال: قال رسول الله ﷺ ” الإيمان بضع وسبعون شعبة فأفضلها: قول لا إله إلا الله وأدناها : إماطة الأذى عن الطريق والحياة شعبة من الإيمان “([1]) ، وقال صلى الله عليه وسلم : بينما رجلا يمشي بطريق وجد عصن شوك في الطريق فأخره فشكر الله له فغفر له” (متفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه ).

وعن أبي ذر قال: قال رسول الله ﷺ “عُرِضت عليّ أعمال أمتي؛ حسنها وسيئها، فوجدت في محاسن أعمالها الأذى يُماط عن الطريق، ووجدت في مساوئ أعمالها النخامة تكون في المسجد لا تُدفَن”([2]) ، وعن أنس بن مالك t قال كانت شجرة تؤذي الناس فأتاها رجل فعزلها عن طريق الناس قال قال نبي الله ﷺ فلقد رأيته يتقلب في ظلها في الجنة”([3]) ، وعن أَبِي هُرَيْرَةَ t أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ فَأَخَذَهُ فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ” ([4]).

وكان بعض السلف يخرج إلى الأسواق ليس له عمل إلا أن يميط الأذى عن الطريق، فيلتقط المسامير والزجاجات والحجارة والأخشاب، وإذا أخذه قال: لا إله إلا الله، قالوا: مالك؟ قال: أريد أن أجمع بين أعلى درجات الإيمان وشعبه وبين أدناها، يأخذ فيقول: لا إله إلا الله، فيأتي بأعلى شعب الإيمان وهي لا إله إلا الله، وأدنى شعب الإيمان وهي إزالة الأذى عن الطريق.

كما حرم الإسلام البصاق في المسجد والسوق والأماكن العامة ووسائل المواصلات، وفي الطرق التي يغشاها الناس، ففي صحيح البخاري ومسلم يقول عليه الصلاة والسلام: (البصاق في المسجد خطيئة -يعني: معصية- وكفارتها دفنها) والدفن كان كفارة يوم أن كانت المساجد من التراب والرمل، فما هناك وسيلة إلا أن تدفنها، لكن الآن إذا بصق الإنسان على الفراش لا يوجد دفن لها؛ لأن الدفن يؤدي إلى التلويث، ولا بد من إزالتها وغسل الموضع الذي وقعت فيه؛ لأنه سيأتي من يضع رأسه يصلي، وقد يشم بأنفه موقع بصاقك، ويكون في بصاقك ميكروب أو مرض فينتقل إليه وهو لا يدري، فأنت الذي غششته وخدعته؛ لأنه جاء ليؤدي عبادة وأنت أعطيته هذا المرض وهذا الوباء -والعياذ بالله- فلا يجوز للمسلم أن يبصق في المسجد.

يحب الجمال في الغرس ونضرة الزرع :

عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما مِن مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا، أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا، فَيَأْكُلُ منه طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ؛ إِلَّا كانَ له به صَدَقَةٌ» [رواه البخاري].

وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا، فَإِنْ لَمْ يَزْرَعْهَا، فَلْيُزْرِعْهَا أَخَاهُ» [رواه مسلم].

وعَنْ أَنَسِ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَفِي يَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ، فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا تَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَغْرِسْهَا» [رواه البخاري في الأدب المفرد].

يحب الجمال في نظافة المياه:

وذلك بالمحافظة على تنقيتها وطهارتها، وعدم إلقاء القاذورات والمخلفات والبقايا فيها، باعتبار أن الماء أساس الحياة، وقد جاءت أوامره صلى الله عليه وسلم ناهية عن أن يُبال في الماء الراكد، فَعَنْ جَابِرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :” أَنَّهُ نَهَى عَنْ الْبَوْلِ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ” (مسلم) ، كما يشمل النهي البول في الماء الجاري وفي أماكن الظل باعتبارها أماكن يركن إليها المارة للراحة من وعثاء السفر، وعناء المسير، وربما لأن الشمس لا تدخلها فلا تتطهر فتصبح محط الأوبئة وموضع الأمراض، وفي الحديث:” لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ الَّذِي لَا يَجْرِي ثُمَّ يَغْتَسِلُ فِيهِ “(متفق عليه عن أبي هريرة).

عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -ﷺ- قَالَ «اتَّقُوا اللَّعَّانَيْنِ». قَالُوا وَمَا اللَّعَّانَانِ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ «الَّذِى يَتَخَلَّى فِى طَرِيقِ النَّاسِ أَوْ فِى ظِلِّهِمْ» ([5]).

والعلة من ذلك حتى لا تنتشر الأمراض والجراثيم، وبهذا سبقت السنّة بالحث على حماية البيئة من التلوث، بل عُدَّ للمقصر في الطهارة  عذابٌ أليم.

ان الله يحب  الجمال في نظافة البيوت والأفنية  والأماكن العامة:

اعلموا عباد الله أن نظافة المسكن من الأمور التي ركّز عليها الإسلام؛ فالنفس تنشرح عندما ترى مكاناً نظيفاً، وتشمئز عندما ترى مكاناً قذراً، وبيتنا الذي نقيم فيه هو بيت للعبادة والطاعة قبل أن يكون بيتاً للنوم والطعام والشراب، فلا بد من تنظيفه من كل الأقذار والأخباث التي يسوء منظرها، ويضر مخبرها ، فعن سعيد بنِ المُسَيَّبِ مرسلاً قال: – – “إنَّ اللهَ طَيِّبٌ يُحِبُّ الطَّيِّبَ ، نظيفٌ يُحِبُّ النظافةَ ، كريمٌ يُحِبُّ الكرمَ ، جَوادٌ يُحِبُّ الجُودَ ؛ فنَظِّفُوا أَفْنِيَتَكم ؛ ولا تَشَبَّهوا باليهودِ” ( الترمذي). .. وفي رواية أخرى يقول صلى الله عليه وسلم:” طهروا أفنيتكم؛ فإن اليهود لا تطهر أفنيتها “حسنه الألباني في صحيح الجامع.

وفي رواية:” طيبوا ساحاتكم؛ فإن أنتن الساحات ساحات اليهود” حسنه الألباني في صحيح الجامع.

يحبه عند كل مسجد :

 عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (الأعراف:31)، إن هذه الآية نزلت في زجر المشركين عن الطواف بالبيت الحرام عراة، كذا قال ابن كثير وعزاه لكثير من السلف، وذكر أيضاً أنها يؤخذ منها الحض على التجمل عند الذهاب للصلاة في المسجد.

ولماذا المسجد خاصة ؟

وفاء لمكان الصلاة  :

قال علي كرم الله وجهه إذا مات العبد يبكي عليه مصلاه من الأرض ومصعد عمله من السماء ثم قرأ {فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين} وقال ابن عباس تبكي عليه الأرض أربعين صباحاً ، وقال عطاء الخراساني ما من عبد يسجد لله سجدة في بقعة من بقاع الأرض إلا شهدت له يوم القيامة وبكت عليه يوم يموت !

وهي أحب البقاع إلى الله:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t : أَنَّ رَسُولَ اللهِ – r – قَالَ :أَحَبُّ الْبِلاَدِ إِلَى اللهِ مَسَاجِدهَا ، وَأَبْغَضُ الْبِلاَدِ إِلَى اللهِ أَسْوَاقهَا([6])… قال قتادة:” إن الله اصطفى صَفَايا من خلقه، اصطفى من الملائكة رسلاً ومن الناس رسلاً واصطفى من الكلام ذِكْرَه، واصطفى من الأرض المساجد، واصطفى من الشهور رمضان والأشهر الحرم، واصطفى من الأيام يوم الجمعة، واصطفى من الليالي ليلة القدر، فَعَظِّموا ما عظم الله، فإنما تُعَظم الأمور بما عظمها الله به عند أهل الفهم وأهل العقل.” ( تفسير ابن كثير )… وكان – عليه الصلاة والسلام – إذا قدِمَ من سفرٍ بدأ بالمسجد فصلَّى فيه (رواه البخاري).

ان الله يحب التزين للقاءه ، والله أحق ما يتزين له العبد ، ولابد أن يتيقن أن قلبه عند مناجاة الله وعند لقاء خلق الله ينطبق عليه قول المولى جل في علاه ” إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89 الشعراء) .

صور من الجمال التي يحبها الله :

يحبه في تزيين الأصوات بالقرءان :

عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال قال رسول الله (ص): زينوا القرآن بأصواتكم رواه أبو داود والنسائي وغيرهما وروى ابن أبي داود عن علي رضي الله عنه أنه سمع ضجة ناس في المسجد يقرؤون القرآن فقال:طوبى لهؤلاء كانوا أحب الناس لرسول الله…وقال -عليه الصلاة والسلام- : ((الْمَاهِرُ بِالْقُرْآنِ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ وَالَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَتَتَعْتَعُ فِيهِ وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ لَهُ أَجْرَانِ)) رواه البخاري ومسلم .

يحبه في التَسَوَّكُ :

وكان عليه الصلاة والسلام يَتَسَوَّكُ عِنْدَ كُلِّ وُضُوءٍ وَصَلاةٍ، وَعِنْدَ دُخُولِ المَنْزِلِ، وَإذَا اسْتَيْقَظَ مِنَ النَّوْمِ، وَكَانَ إِذَا عَطَسَ، غَطَّى وَجْهَهُ بِيَدِهِ أَوْ بِثَوْبِهِ، وَغَضَّ بِهَا صَوْتَهُ”؛ رواه أبو داود والترمذي، وفي صحيح مسلم: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ – وَفِى حَدِيثِ زُهَيْرٍ عَلَى أُمَّتِي – لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلاَةٍ ».

يحبه في التجمل بالثوب الحسن :

وقال صلى الله عليه وسلم:  “إذا صَلَّى أحَدُكُمْ فَلْيَلْبَسْ ثوْبَيْهِ، فإنَّ اللهَ أَحَقُّ مَن تُزُيِّنَ لَهُ”- رواه الطبراني في الأوسط .

يحبه في الشعر الحسن :

فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرَأَى رَجُلًا شَعِثًا قَدْ تَفَرَّقَ شَعْرُهُ، فَقَالَ: “أَمَا كَانَ يَجِدُ هَذَا مَا يُسَكِّنُ بِهِ شَعْرَهُ”(رواه أبو داود وصححه الألباني)… كان النبي صلى الله عليه وسلم يرجل شعره اى (يسرحه) ويأمر كذلك بإكرام الشعر، فعن أبي هريرة رضي الله عنه بسند صحيح قوله صلى الله عليه وسلم ((من كانَ لَهُ شعرٌ فليُكرمْهُ)).

يحبه في الوضوء  والغسل :

يقول النبي -عليه الصلاة والسلام: ((مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ جَسَدِهِ)) ، ويقول  : ((مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَأَحْسَنَ غُسْلَهُ وَتَطَهَّرَ فَأَحْسَنَ طُهُورَهُ وَلَبِسَ مِنْ أَحْسَنِ ثِيَابِهِ وَمَسَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ مِنْ طِيبِ أَهْلِهِ ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ وَلَمْ يَلْغُ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ اثْنَيْنِ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى)).

ومما قرأت وأعجبنى :

◀لم يكن معلوماً لدى أحد وجود الجراثيم الميكروبات حتى تمكن الإنسان من اكتشاف المجاهر والميكروسكوبات وذلك في القرن الثامن عشر. فماذا وجد الإنسان؟

◀ أثبت علماء الجراثيم وجود أعداد هائلة من الجراثيم على السنتيمتر المربع من الجلد الطبيعي وفي المناطق المكشوفة يتراوح العدد بين 1-5 مليون جرثومه

وللتخلص منها لا بد من غسل الجلد باستمرار ويتم ذلك بالوضوء الذي أمرنا الله تعالى به وحثنا عليه رسولنا الكريم لأنه يتكرر يومياً عدة مرات بصورة دائمة.

◀وخير تشبيه لها  أن الجلد بما عليه من أنواع الجراثيم البكترية والفيروسية والفطرية والطفيلية التي لا يعلم عددها إلا الذي خلفها وما بينها من عداوات وحروب وما لها من أشكال ومتطلبات

شبيهة بالكرة الأرضية بما عليها من مخلوقات حية وما بينها من اختلافات شتى وربما يفوق عدد الجراثيم المختلفة على الجلد الطبيعي عدد سكان الأرض قاطبة

◀وقد أثبت الدراسات أن الاستحمام الواحد يزيل من جلد الإنسان أكثر مائتي مليون جرثومة.

وجه الإعجاز العلمي في القرآن والسنة من خلال تشريع النظافة :-

يمكن تلخيص أوجه الإعجاز في القرآن والسنة في هذه القضية فيما يلي:                                                                                            سبق الإسلام سائر الشرائع والديانات السابقة والفلاسفة والأطباء والمخترعين بهذه التشريعات الوقائية العجيبة والفريدة ، وإن من أسرار الطب الوقائي في الإسلام أنه جعل النظافة :

أولا : أمراً تعبدياً مما جعل فيها روحاً وديمومة لا يستطيعها أي قانون آخر.

ثانيا : البساطة في التكليف واليسر في التنفيذ بحيث لا يستلزم كلفة مادية ولا جهداً مرهقاً يقعد الهمم .

ثالثا : الذاتية في التنفيذ أي أن المسلم يقوم بالتطبيق تعبداً لله فهو لا يحتاج إلى مدير يراقبه فواعظ المؤمن ينبع من أعماق نفسه لذا فالمجتمع الإسلامي في غنى عن الرقابة الحكومية في تنفيذ هذه القواعد الصحية

رابعا : الديمومة إذ الالتزام بالأوامر الإسلامية الصحيحة ليس مرهوناً بمدة أو بسن معينة بل تبقى وتطبق ما دام الإنسان قادراً على العبادة .

خامسا :  من رزق تضلعاً في القرآن الكريم والسنة النبوية يعلم أن الإسلام لم يترك شيئاً من الطب الوقائي إلا وأشار إليه بعموميات فوضع بذلك الخطوة الأولى وترك لعقل الإنسان ومختبراته أن يبحث على هداها ،

  • أنّى لنبي أمي لا يقرأ ولا يكتب أن يعرف هذه الأسرار العجيبة وأن يحدد الوسائل المناسبة لتحقيق النظافة وإبادة الجراثيم والميكروبات ولم يكن لديه أي وسيلة علمية من المجاهر والميكروسكوبات والتي لم تكتشف إلا في القرن الثامن عشر.. ومع ذلك يسن كثيراً من السنن والشرائع لم يصل إليها العلم الحديث حتى بعد أن تمكن من اكتشاف المجاهر الإلكترونية ووجود مئات المعامل والمختبرات إلا أن يكون هذا وحي أوحاه الله إليه كما قال تعالى “وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذاً لارتاب المبطلون بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم .

 يحبه حتى في اخيار الكفن :

  أمر النبي صلى الله عليه وسلّم بالإتقان عند كفن الميت إذا مات،  فقد ورد في صحيح مسلم –رحمه الله- «إِذَا كَفَّنَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ، فَلْيُحَسِّنْ كَفَنَهُ..

 فإذا كان الإتقان مطلوبًا عند كفن الميت، وعند دفنه في قبره -كما سبق في قول النبيّ: سووا لحد هذا- فإن طلب الإتقان في غيره أولى وأعظم.

ففي حفر القبر قال : ((احْفِرُوا ، وَأَعْمِقُوا ، وَأَحْسِنُوا)) رواه النسائي وهو حديث صحيح . فهذا

يحبه في جمال الموعظة والنصيحة:

قال تعالى :  { وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ … (53) } من سورة إبراهيم .. وهذا من لطفه بعباده حيث أمرهم بأحسن الأخلاق والأعمال والأقوال الموجبة للسعادة في الدنيا والآخرة من قراءة وذكر وعلم وأمر بمعروف ونهي عن منكر وكلام حسن لطيف مع الخلق على اختلاف مراتبهم ومنازلهم– انظر تفسير السعدى .

وورد أن الكلمة الطيبة صدقة .. والامثلة كثيرة في هذا المجال .

قال تعالى : { ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125) } من سورة الاسراء .

جمال الرفق بالحيوان والطير :

جاء في  بيان وزارة الأوقاف : 

يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إِيَّاكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا ظُهُورَ ‌دَوَابِّكُمْ ‌مَنَابِرَ، فَإِنَّ اللَّهَ إِنَّمَا سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُبَلِّغَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ، وَجَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فَعَلَيْهَا فَاقْضُوا حَاجَتَكُمْ» [سنن أبي داود].

عَنْ سَهْلِ ابْنِ الْحَنْظَلِيَّةِ رضي الله عنه، قَالَ: مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَعِيرٍ قَدْ لَحِقَ ظَهْرُهُ بِبَطْنِهِ، فَقَالَ: «اتَّقُوا اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهَائِمِ الْمُعْجَمَةِ، فَارْكَبُوهَا صَالِحَةً، وَكُلُوهَا صَالِحَةً» [رواه أبو داود].

عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَعَنَ اللَّهُ مَنْ مَثَّلَ بِالْحَيَوَانِ» [رواه البخاري].

وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا مِنْ إِنْسَانٍ قَتَلَ عُصْفُورًا فَمَا فَوْقَهَا بِغَيْرِ حَقِّهَا، إِلَّا سَأَلَهُ اللَّهُ عَنْهَا»، قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا حَقُّهَا؟ قَالَ: «يَذْبَحُهَا فَيَأْكُلُهَا، وَلَا يَقْطَعُ رَأْسَهَا يَرْمِي بِهَا»[رواه النسائي].

ثمرات التجمل :

من اتى متوضأ تبشبش الله إليه، كما يتبشبش أهل الغائب بطلعته:

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يتوضأ أحدكم فيحسن وضوءه فيسبغه، ثم يأتي المسجد لا يريد إلا الصلاة فيه، إلا تبشبش الله إليه، كما يتبشبش أهل الغائب بطلعته» (رواه ابن خزيمه وصححه الألباني).

بخطواته يعد الله له نزلا في الجنة:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ r  قَالَ:( مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ وَرَاحَ ، أَعَدَّ اللَّهُ لَهُ فِي الْجَنَّةِ نُزُلاً كُلَّمَا غَدَا وَرَاحَ)  ([7]).

يمحو الله له الخطايا ويرفع له الدرجات:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ r قَالَ: أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِمَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا ، وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ ؟ إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عِنْدَ الْمَكَارِهِ ، وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ ، وَانْتِظَارُ الصَّلاَةِ بَعْدَ الصَّلاَةِ ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ([8])  . 

فَاشْهَدُوا لَهُ بِالإِيمَانِ:

عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ ، قَالَ :” إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّجُلَ يَعْتَادُ الْمَسَاجِدَ ، فَاشْهَدُوا لَهُ بِالإِيمَانِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ} الآيَةَ.”. ( أحمد وابن ماجة والترمذي وحسنه )

الواجب علينا :

-اياكم وتجمل المنافقين :

عندما تنظر إلى قول الله تعالى ﴿  وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ ۖ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ۖ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ ﴾ فقد وصفهم الله تعالى بأن الناظر إليهم يُعجبُ بجمال أجسامهم، ومن يسمعهم يُؤخذ بفصاحة ألسنتهم، لكنهم كالهياكل الفارغة، أشباح بلا أرواح، وأجسام بلا أحلام. وهذه الصفات تتناسب مع حالة النفاق..

 وجمال الظاهر إذا كان صاحبه ممن يفعل القبائح، فإن هذه القبائح تغطي كل جمال في البدن، وهذا القبائح إذا لم يتُب الإنسان منها، فإن هذا الجمال ينقلب حال كبره إلى قبح يعلو وجهه.

ولباس التقوى ذلك خير  :

قال تعالى ﴿ يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا ۖ وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ ۚ ذَٰلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ﴾ ( الأعراف 26).

-اياكم والانخداع بالمظاهر :

ورد في الحديث الصحيح:  (أن رجلًا مرَّ على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «مَا تَقُولُونَ فِي هَذَا؟» قالوا: حريٌّ إن خَطَبَ أن يُنْكَحَ، وإن شَفَعَ أن يُشَفَّعَ، وإن قال أن يُسْمَعَ. ثم مرَّ رجلٌ من فقراءِ المسلمين، فقال: «مَا تَقُولُونَ فِي هَذَا؟» قالوا: حريٌّ إن خطبَ أن لا يُنْكَحَ، وإن شَفَعَ أن لا يُشَفَّعَ ، وإن قال أن لا يُسْمَعَ. فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «هذا خيرٌ من ملءِ الأرضِ مثلَ هذا»  ( البخاري)  .

-احسنوا وأتقنوا :

في الحديث : ((ان الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه)) أي عمل، لأن النكرة عملاً في هذا السياق سياق الشرط تفيد العموم.

قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً».

-اياكم وأكل ما له رائحة كريهة كالثوم :

وفي الحديث الذي أخرجه الشيخان من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه ( من أكل من هاتينِ الشجرتيْنِ المُنتنتيْنِ البصلُ والكُرَّاثُ فلا يقربنَّ مسجدَنا فإنَّ الملائكةَ تتأذَّى مما يتأذَّى منه بنو آدمَ) {متفق عليه}.

مهمة الإنسان في الكون:

جاء في  بيان وزارة الأوقاف:

لا يخفى على كل مسلم قارئ للقرآن، متدبر لمعانيه، أن هناك مهامَّ إلهية وتكاليفَ ربانية أنيطت به، ينبغي له القيام بها، ويحذر من التغافل عنها أو التكاسل عن أدائها، إحدى هذه المهام هي عنايته بالبيئة التي سخرها الله له وعدم الإفساد فيها، يقول الراغب الأصفهاني رحمه الله: “والأعمال ثلاثة: عمارة الأرض: المعنية بقوله تعالى: ﴿وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا﴾ [هود: ٦١].

وقوله تعالى: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ [البقرة: ٣٠]”. [الذريعة الى مكارم الشريعة].

ويقول الزمخشري رحمه الله، عند تفسير قوله تعالى: ﴿وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا﴾: “أمركم بالعمارة، والعمارة متنوعة إلى واجب ومندوب ومباح ومكروه، وكان ملوك فارس قد أكثروا من حفر الأنهار، وغرس الأشجار، وعمَّروا الأعمار الطِّوال، مع ما كان فيهم من عسف الرعايا، فسأل نبي من أنبياء زمانهم ربه عن سبب تعميرهم، فأوحى إليه: «إنهم عمروا بلادي، فعاش فيها عبادي»”. [الكشاف عن حقائق التنزيل].

من أجل هذا المعنى السابق: سخر الله مكونات البيئة التي صنعها فأتقن صنعها لمخلوقه الذي كرمه وفضله، وجعلها مهيأة له على أحسن حال، قال تعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ * وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ * وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّار﴾ [إبراهيم: ٣٢، ٣٤].

ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها:

جاء في  بيان وزارة الأوقاف: لما استخلف الله البشر في الأرض، قالت الملائكة: ﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ﴾ [البقرة: ٣٠] وهو سؤال استعلام واستفهام وليس استنكارا.

ولعل سؤال الملائكة؛ لأن الله خلق بشرا مخيرا مهيئا للخير والشر، ولكن الله علم الإنسان وأرسل له الرسل وجعله مؤهلا للخلافة في الأرض، فيهلك من هلك عن بينة ويحي من حي عن بينة.

قال الله تعالى: ﴿وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا﴾ [الأعراف:٥٦].

وقال تعالى ﴿وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾ [القصص: ٧٧].

وجعل الله الإفساد في البيئة من صفات المنافقين، قال تعالى: ﴿وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ﴾ [البقرة: ٢٠٥].

ومن الإفساد قطع الأشجار التي يستظل بها الناس والدواب، فعن الْحَسَنِ رحمه الله، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَقْطَعُوا الشَّجَرَ، فَإِنَّهُ عِصْمَةٌ لِلْمَوَاشِي فِي الْجَدْبِ» [مصنف عبد الرزاق].

الخطبة الثانية

العنف ضد الأطفال

يُعد العنف ضد الأطفال من الظواهر الخطيرة التي تهدد صحة ونمو الأجيال القادمة، وتؤثر بشكل مباشر على مستقبل المجتمع بأسره، وكما يرشد الإسلام أتباعه إلى الحفاظ على مكونات البيئة من حوله، وأن يكون بها بارا رحيما، لا قاسيا عنيفًا، فكذلك يأمره بأن يحافظ على بيئته الصغيرة (أسرته)، وألا يلمس منه أفرادها إلا الرحمة بمفهومها الواسع في التربية.

 ويتخذ العنف أشكالًا متعددة تشمل الإيذاء الجسدي كالضرب الشديد، والنفسي كالإهانة والإهمال، مما يترك أثرًا عميقًا على الأطفال من الناحية النفسية والسلوكية.

إنَّ ظاهرة العنف ضد الأطفال ظاهرة مرفوضة في الشرع الشريف والفطرة السوية، وذلك لأسباب كثيرة أهمها:

نعمة الأطفال نعمة بين الشكر والإهمال:

فالأطفال منحة ربانية، لذلك وصفهم ربنا سبحانه فقال: ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [الكهف: ٤٦]، وروى الحاكم في المستدرك على الصحيحين من حديث سيدتنا عائشة رضي الله عنها مرفوعًا: “إِنَّ أَوْلاَدَكُمْ هِبَةُ اللَّهِ لَكُمْ”.

والآباء متفاوتون في تقدير هذا النعمة تفاوتًا عظيمًا، شأنها شأن كل النعم، يعرف حقها من حُرم منها، ويتجاهلها من رزقها، لكن الطامة الكبرى أن يجعل هؤلاء الأطفال الأبرياء حقول تجارب للعنف بكافة ألوانه وأشكاله.

مظاهر العنف ضد الأطفال:

العنف اللفظي أو النفسي: وهو استخدام الألفاظ البذيئة التي يتلفظ بها الوالدان أو غيرهم، من سب وشتم، وتوبيخ للأبناء، وتهديد وإهانة، ويعتبر هذا النوع من العنف من أكثر المظاهر تأثيرًا على نفسية الطفل حيث يفقده قيمته بين أهله وأصداقه وجيرانه.

والناظر في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم يجد أنه تحاشى هذا النوع خاصة مع الضعفاء والصِّغار؛ فعن أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: “خَدَمْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ، فَمَا قَالَ لِي: أُفٍّ، وَلاَ: لِمَ صَنَعْتَ؟ وَلاَ: أَلَّا صَنَعْتَ” [رواه البخاري]. وكانت الكلمة الطيبة دائما شعاره في التربية والتوجيه والإرشاد والتعليم لما لها من أثر طيب في نفس الطفل وسلوكه.

العنف الجسدي: وهو الإيذاء البدني سواء باليد أو باستخدام العصا أو أداة حادة، وغالبًا ما تترك آثارًا على جسد الطفل يصعب إخفاؤها، وهذا العنف من أكثر الأشكال وضوحًا، وإثباتًا له. والمستقرئ لحياة الرسول صلى الله عليه وسلم يرى انعدام هذا النوع من العنف في معاملاته صلى الله عليه وسلم؛ فعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: “مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَادِمًا وَلَا امْرَأَةً قَطُّ” [رواه أبو داود].

العنف الجنسي:

وهو استخدام الأطفال سواء كانوا ذكورًا أو إناثًا لإشباع الرغبة الجنسية بالإكراه أو الخديعة، ولا يخفى ما فيه من إيذاء للطفل وانتهاك لخصوصيته، كما لا يخفى أنه أمارة على انسلاخ الفطرة السليمة، ودليل على انطماس البصيرة.

آثار العنف مع الأطفال على الفرد والمجتمع:

أثبتت الدراسات أن العنف بأي نوع من الأنواع السابقة، تجاه الأطفال يترك أثرًا سيئًا عميقًا من الناحية النفسية والسلوكية؛ ويؤدي إلى فقدان الراحة الأسرة والأمان داخل البيت، مما يضطرهم إلى اللجوء إلى الشارع، ويتلقاهم أصدقاء السوء الذين يقودونهم إلى الانحراف، ومن ثم الوقوع في براثن الجرائم المختلفة.

الرجولة رحمة وليست قسوة، ولنا في رسول الله قدوة وأسوة:

يظن بعض الآباء أو من يعول أطفالًا أن القسوة هي العنصر الأساسي في التعامل معهم، وأنها مقياس للرجولة، وأن العنف ضدهم يجعل منهم رجالًا أشداء أقوياء في المستقبل؛ إن نبينا صلى الله عليه وسلم كان في أعلى مراتب الرجولة، ومع ذلك كان برًّا رحيمًا بالأطفال وغيرهم، وصدق الله حيث قال سبحانه: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ [آل عمران: ١٥٩]، ويُصِّور ذلك سيدنا أَنَس بْن مَالِكٍ رضي الله عنه فيقول: “مَا رَأَيْتُ أَحَدًا كَانَ أَرْحَمَ بِالْعِيَالِ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ”، قَالَ: كَانَ إِبْرَاهِيمُ مُسْتَرْضِعًا لَهُ فِي عَوَالِي الْمَدِينَةِ، فَكَانَ يَنْطَلِقُ وَنَحْنُ مَعَهُ فَيَدْخُلُ الْبَيْتَ وَإِنَّهُ لَيُدَّخَنُ، وَكَانَ ظِئْرُهُ قَيْنًا، فَيَأْخُذُهُ فَيُقَبِّلُهُ، ثُمَّ يَرْجِعُ” [رواه مسلم].

قال الإمام النووي: “ففيه بيان كريم خُلقه صلى الله عليه وسلم، ورحمته للعيال، والضعفاء…، وفيه فضيلة رحمة العيال والأطفال، وتقبيلهم”. [شرح النووي على صحيح مسلم].

تحلوا بالرِّفق مع أطفالكم، ولا تُعنِّفوهم:

حينئذٍ تحل البركة والرحمة على الأسرة ﴿رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾ [الفرقان: ٧٤]، ولن تلجأوا للعنف ولا للضرب؛ لأنكم تأسرونهم بجميل صنائعكم؛ فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا رُزِقَ أَهْلُ بَيْتٍ الرِّفْقَ إِلَّا نَفَعَهُمْ وَلَا صُرِفَ عَنْهُمْ إِلَّا ضَرَّهُمْ». [رواه البيهقي في “شعب الإيمان”].

احذروا الدعاء على أطفالكم:

وهو مظهر من مظاهر العنف، وأسلوب من أساليب التهديد، تجاه الأطفال؛ يلجأ إليه بعض الآباء لحث الطفل على القيام بما يأمرونه به، فقط دون مراعاة للطفل، فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَوْلَادِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى خَدَمِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ، لَا تُوَافِقُوا مِنَ اللَّهِ سَاعَةَ نَيْلٍ فِيهَا عَطَاءٌ، فَيَسْتَجِيبَ لَكُمْ» [رواه مسلم].

هذا ما تيسر جمعه في أكتوبر عام 2025

مع تحياتي لكم .

([1]) متفق عليه

([2]) صحيح مسلم

([3]) صحيح الترغيب والترهيب

([4]) متفق عليه

([5]) صحيح مسلم

([6]) صحيح مسلم

([7]) متفق عليه

([8]) صحيح مسلم