خلاصة موقف الوهابية : التكفير والتبديع
10 أبريل، 2025
الوهابية ومنهجهم الهدام

اعداد الاستاذ : سيد حسن
المقال الرابع من سلسلة ( الوهابية فكراً وممارسة )
كتاب للدكتور محمد عوض الخطيب
انطلقت الوهابية من نظرة خاصة للإسلام احتوت على الحد الأقصى من التزمت وضيق الأفق مسيئة الظن بالمسلمين إلى درجة اعتبارهم ، بشكل مسبق ، مشركين وكافرين، فراحت تفسر تعلقهم برموز الإسلام وتكريم عظماء المسلمين على أنه شرك بالله وعبادة لغير الله ، كما اعتبرت كل ما لم يوافق مواقفها من أشكال التعبد بدعاً يجب القضاء عليها.
ولو لم تنطلق الوهابية من سوء الظن ومن موقف مسبق يعتبر المسلمين مشركين لما اعتبرت الآيات التي نزلت بالمشركين منطبقة عليهم ، فشبهت أشكال التعبير عن عرفانهم بالجميل لرواد الإسلام وشهدائه الذين مكنوا لعبادة الله الحقة ، إشراكاً لهؤلاء الروّاد والشهداء في الألوهية ، علماً بأن المسلمين يعتبرونهم الأدوات التي يسرت لهم معرفة الله وعبادته.
ولم يدر في خلد دعاة الوهابية أن للتكفير والتشريك والتبديع شروطاً تعارف عليها المسلمون بعد أن أرسيت بواسطة المصادر التشريعية الأولية بشكل لا مزيد عليه ولهذا السبب لم يجدوا حرجاً في إلقاء التهم والمسارعة إلى سفك الدماء وانتهاك الأعراض واستحلال الأموال والذراري في بلاد المسلمين دون غيرها .
البدعة :
البدعة في الدين حسب رأي الوهابية هي ما حدثت بعد القرون الثلاثة (الأولى للإسلام) (وهي) مذمومة مطلقاً خلافاً لمن قال حسنة وقبيحة.
فمن البدع المذمومة التي تنهى عنها الوهابية رفع الصوت في مواضع الأذان كالمنبر ، بغير الأذان سواء كان آيات أو صلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو ذكراً أو غير ذلك ، بعد أذان أو في ليلة جمعة أو رمضان أو العيدين ، فكل ذلك بدعة مذمومة.
ومنها قراءة الحديث عن أبي هريرة بين يدي خطبة الجمعة …
ومنها الاجتماع في وقت مخصوص على من يقرأ سيرة المولد النبوي الشريف اعتقاداً أنه قربة مخصوصة مطلوبة دون علم السير فإن ذلك لم يرد.
ومنها اتخاذ المسابح فإنها تنهى عن التظاهر باتخاذها
ومنها الاجتماع على رواتب المشايخ ورفع الصوت وقراءة الفواتح والتوسل بهم في المهمات.
ومنها قراءة مولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقصائد بألحان تخلط بالصلاة عليه والأذكار والقرآن.
ومنها ما اعتيد في بعض البلاد من صلاة الخمسة فروض بعد آخر جمعة من رمضان.
ومنها رفع الصوت بالذكر عند حمل الميت وعند رش القبر بالماء وغير ذلك مما لم يرد عن السلف
ومنها تكرار لفظ الجلالة (الله) في أعمال أهل الذكر.
هذا وقد أحرق الوهابية كتب المنطق وبعض الكتب الأخرى كـكتاب دلائل الخيرات، بدعوى اشتمالها على البدعة أو الشرك. وقد قتل محمد بن عبد الوهاب مؤذناً أعمى كان نهاه عن الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المئذنة بعد الأذان فلم ينته .
والبدعة في اللغة
يقول الفراهيدي في العين: البدع: هو احداث شيء لم يكن له من قبل خلق ولا ذكر ولا معرفة . ويقول الراغب في معجم مفردات ألفاظ القرآن الكريم كما عد الابداع: هو انشاء صفة بلا احتذاء ولا اقتداء .
البدعة في الاصطلاح
أما في الاصطلاح الشرعي فقد اكتنف مفهوم (البدعة) الكثير من التشويش والغموض في كلمات العلماء والباحثين، فوردت في مقام التعريف به تحديدات عديدة جداً يمكن إرجاعها إلى القول بأن البدعة هي إدخال ما ليس من الدين فيه (١٥٠) وهو التعريف الذي أوضحه السيد محسن الأمين في كتابه كشف الارتياب» بقوله إن: البدعة إدخال ما ليس من الدين في الدين كإباحة محرم أو تحريم مباح أو إيجاب ما ليس بواجب أو ندبه أو نحو ذلك .
ولما كان الدين قد نزل كاملاً شاملاً فإنه لا مكان للبدعة فيه ولذلك فقد روي تحريمها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في عدد كبير من الأحاديث الشريفة .
قال صلى الله عليه وسلم (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ ) وقال صلى الله عليه وسلم (اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم) .
الوهابية والبدعة
ومن هنا فإن البدعة كلها لون واحد محرم. ولا يخرج من ذلك ما أحدث في القرون الثلاثة الأولى لأن النصوص عامة وشاملة ولا تحتمل أي استثناء.
وأخيراً
إننا نتفق مع الوهابية حول تحريم البدع – إلا أننا نختلف معهم على مصاديق البدعة وبالتالي على ما يبدو على مفهومها. وسنناقش البدع الوهابية فيما يلي على ضوء الإيضاحات التي أوردناها أعلاه، متناولين مسائل الأذان وقراءة المولد النبوي الشريف وقراءة الفواتح في الاجتماعات وحمل المسابح.
ففي مسألة الأذان نسأل :
هل إذا ما أتي بالأذان صحيحاً يكون إباحة لمحرم أو تحريم لمباح أن يرحم ويذكر قبله أو بعده؟
وهل الترحيم والتذكير مختصان بوقت دون وقت وبمكان دون مكان ؟
من المعروف أن الأصل في الأمور الإباحة إلى أن تحرم ، فيأتي التحريم استثناء على الإباحة . فإذا كانت هذه الأمور تذكيراً وترحيماً فهي ليست فقط مباحة بل مندوب إليها أيضاً ، إذ لا حرمة لها في حد ذاتها وهي لم تجعل جزءاً مما هو محدد شرعاً دون أن يكون محتوياً عليها أصلاً ، بل هي جعلت قبل الأمر المحدد شرعاً كالأذان مثلاً أو بعده .
أما مسألة رفع الصوت في غير الأذان ، في مواضع الأذان (كالمنبر) بقراءة قرآن أو صلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فما هو المانع ؟ .
إنه مسألة حسنة أن يقرأ القرآن سواء في مواضع الأذان أو غيرها وأن يصلى على النبي في أي مكان.
وأما مسألة قراءة المولد النبوي الشريف ، فهي تعبير عن السرور بمجيء هذا المخلص العظيم والقائد الفذ المختار من الله بأعظم الرسالات السماوية .
وفي القصائد التي تعتبر مدائح نبوية تعبير كذلك عن عرفان من جهة وتعظيم من جهة أخرى ، وهذه أمور مستحبة مندوبة سواء كانت القراءة سرداً أو كانت مرتلة بشكل لا يخل بالحشمة والآداب والرصانة .
وأما قراءة الفواتح في الاجتماعات كقراءتها في الخلوات ، وسواء جرت على رواتب المشايخ أم في المساجد أو البيوت، وسواء أهدي ثوابها للمشايخ أو لغيرهم من أموات المسلمين فهي مسألة مندوبة أيضاً . وأما صلوات الخمس الفروض بعد آخر جمعة من رمضان ، هل تعدو كونها صلوات مستحبة ؟ .
ثم ما هو الحرام الذي أبيح أو الحلال الذي حرّم في الذكر عند حمل الميت أو عند رش الماء على القبر، وما هو المسيء في تكرار اسم الجلالة وإشباع النفس منه .
وأخيراً من الذي حرم حمل المسابح ، وهل حملها واستخدام حباتها لتعداد ذكر الله أو التسبيح محرم؟
ونحن نسأل مع الشيخ عبد القادر الإسكندارني: “هل من مؤمن في قلبه مثقال ذرة من الإيمان يأمره إيمانه أن يجعل ذكر الله بأسمائه الحسنى بدعة وإلحاداً وضلالاً كما تزعم الوهابية، مع قوله تعالى : ( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون بما كانوا يعملون ) ، وهل للدعاء معنى في هذه الآية غير الذكر سواء كان ذكر سؤال وتضرع أو مجرد تلذذ وتعظيم وإذكار . وكذلك قوله تعالى : (قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أياً ما تدعوا فله الأسماء الحسنى) فكيف تزعم الوهابية أن الذكر بالاسم المفرد لا يفيد القلب أي فائدة ؟
وفي الواقع أن الأمور التي يبدعها الوهابيون يدخل معظمها في باب السنن التي يتمشى عليها عامة المسلمين ، وهي سنن حسنة ولمن سنها أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة.