الداعية والفنان.. هل كل الطرق تؤدي إلى الهداية”؟
23 مارس، 2025
قضايا شرعية

بقلم الدكتور : فارس أبوحبيب
إمام وخطيب ومدرس بوزارة الأوقاف المصرية
في الآونة الأخيرة برزت ظاهرة استضافة الفنانين والمغنيين في البرامج الدينية، حيث يسعى بعض الدعاة إلى إيصال رسالة الإسلام من خلال الحوار مع شخصيات فنية، في محاولة لكسر الحواجز مع المجتمع، لكن حينما يكون مقدم البرنامج أستاذًا في جامعة الأزهر، وبدلًا من أن يُعلي من مكانة العلم والعلماء، يستخدم أسلوبًا ساخرًا ويمزج بين الدين والتسلية بطريقة تثير الجدل، فإن التساؤلات تطرح نفسها: هل هذا الأسلوب يخدم الدعوة الإسلامية؟ أم أنه يسيء إلى صاحبه وإلى المؤسسة التي ينتمي إليها؟
بين الدعوة والتسلية.. أين موقع الداعية؟
الدعوة إلى الله رسالة عظيمة، حملها الأنبياء وأتباعهم بإخلاص وجدية، بعيدًا عن التهريج أو الاستعراض الإعلامي. قال تعالى: ﴿ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلْحِكْمَةِ وَٱلْمَوْعِظَةِ ٱلْحَسَنَةِ﴾ (النحل: 125)، ولم يقل بالمزاح أو التهكم أو التودد على حساب المبادئ. ومن هذا المنطلق، فإن استخدام الأساليب الساخرة أو التساهل مع المخالفات الشرعية بحجة الدعوة، قد يكون خلطًا بين الدين والترفيه بطريقة تضر أكثر مما تنفع.
الإساءة إلى الأزهر والإسلام؟
حينما يظهر أستاذ أزهري في الإعلام، فإنه يمثل مؤسسة الأزهر العريقة، التي كانت على مر العصور منارة للعلم والدعوة الصحيحة. ولكن عندما يكون الأسلوب متهاونًا في الطرح، ساخرًا في الحوار، ومبالغًا في إظهار المجاملة لضيوف قد تكون حياتهم بعيدة عن الالتزام، فإن ذلك لا يُحسب على الشخص فقط، بل قد يُساء فهمه على أنه صورة من صور الخطاب الديني المعاصر، مما يُضعف مكانة الدعاة والعلماء في المجتمع.
وقد رأينا في سيرة النبي ﷺ كيف كان يدعو بالحكمة، دون أن يخلط الجد بالهزل أو يجعل الدعوة بابًا للاستعراض الإعلامي. فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كان النبي ﷺ يتخوَّلُنا بالموعظةِ في الأيامِ كراهةَ السآمةِ علينا (رواه البخاري ومسلم). وهذا يبين أن الدعوة تحتاج إلى التوازن، لا إلى التهريج أو التساهل الذي قد يُفقدها هيبتها.
اعتراض الجماهير.. هل هو رفض للدعوة أم لأسلوبها؟
الاعتراضات التي أثيرت حول هذه البرامج لم تكن رفضًا لفكرة دعوة الفنانين والمغنيين، ولكنها رفضت الطريقة والأسلوب. فالجمهور يدرك أن الإسلام لا يحصر الدعوة في دائرة معينة، لكنه يرفض أن تتحول البرامج الدينية إلى عروض ترفيهية، أو أن يُستخدم الدين كوسيلة لجذب المشاهدات دون مراعاة ضوابطه.
والسؤال المطروح هنا: هل كانت هذه اللقاءات تهدف حقًا إلى تصحيح المفاهيم وإصلاح الضيوف؟ أم أنها مجرد استعراض إعلامي يخلط بين الدين والشهرة؟
مكانة العالم بين الجدية والتكلف:
لا شك أن العالم الشرعي يجب أن يكون قريبًا من الناس، لكن القرب لا يعني التخلي عن الوقار والهيبة. قال الإمام مالك رحمه الله: “ينبغي للعالم أن يوقر نفسه، فإن لم يوقر نفسه لم يوقره الناس”. ولذلك، فإن أي داعية – خاصة إذا كان في مكانة علمية مرموقة – عليه أن يزن كلماته وأفعاله بميزان الشرع، حتى لا يُساء إلى الإسلام بسبب تصرفاته.
إن الإعلام أداة خطيرة، وهو سلاح ذو حدين، فإما أن يكون وسيلة لنشر الحق بأسلوب حكيم، وإما أن يتحول إلى منصة تميع القيم وتضيع الهيبة، وفي الحالة الثانية، يصبح الضرر أكبر من النفع.