زكاة الفطر تساؤلات وأحكام 4

بقلم فضيلة الشيخ : أحمد عزت حسن
الباحث فى الشريعة الإسلامية

 

س٢٣: أخشى أن لا يقوم الوكيل بصرفها في مصارفها الشرعية، أو أن لا يرعى حق الله في هذا المال، أو يظلم بعض أصحاب الحقوق، أو يجامل أقاربه على حساب الآخرين!!

ج: هذه المخاوف ليست جديدة فقد عُرضت على النبي ﷺ فعن أنسٍ رضي الله عنه أن رجلًا سأل رسول الله ﷺ فقال: “إذا أديتُ الزكاة لرسولك فقد برئتُ منها إلى الله ورسوله؟” قال: نعم إذا أديتَها إلى رسولي فقد برئتَ منها إلى الله ورسوله فلك أجرها وإثمها على من بدّله.” (نيل الأوطار للشوكاني ج٤ ص١٧٤)

وذكر النووي في المجموع ج٦ ص١٣٦ عن سهل بن أبي صالح عن أبيه قال: “اجتمع عندي نفقة فيها صدقة -يعني بلغت نصاب الزكاة- فسألتُ سعد بن أبي وقاص، وأبا هريرة، وأبا سعيد الخدري أن أقسمها -أوزعها بنفسي- أو أدفعها إلى السلطان فأمروني جميعًا أن أدفعها إلى السلطان ما اختلف عليّ منهم أحد”،
وفي رواية عن سهيل بن أبي صالح، قال: أتيت سعد بن أبي وقاص فقلت: عندي مال، وأريد أن أخرج زكاته، وهؤلاء القوم على ما ترى، فما تأمرني؟ قال: ادفعها إليهم. فأتيت ابن عمر، فقال مثل ذلك، فأتيت أبا هريرة فقال مثل ذلك، فأتيت أبا سعيد فقال مثل ذلك.”

ويروى نحوه عن عائشة -رضي الله عنها-.
وفي رواية فقلتُ لهم: “هذا السلطان يفعل ما ترون فأدفع إليهم زكاتي؟ فقالوا كلهم: نعم فادفعها”

* أيضًا في دفع الزكاة للجنة أو الجمعية الخيرية عدة فوائد:
أ- حفظٌ لكرامة الفقير، فلا يتعرض لمهانة الأخذ ولا لمَن من المعطي، بل يحصل على حقه بكرامة، بخلاف إحساسه وهو يأخذها من يد الغني يدًا بيد أو وجهًا لوجه.
ب- أضف إلى ذلك أنهم -لجنة الزكاة أو الجمعية الخيرية- أقدر على الوصول إلى مزيد من الفقراء الذين يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف، فهناك الكثير من المزكّين لا يعرفون -على وجه التحديد- أصحاب المصارف من الفقراء والمساكين.
ج- التيسير على مُخرِج زكاة الفطر
د- وصول الزكاة لمستحقيها؛ لضمان الجمعية ذلك حيث تقوم ببحث الحالات للتأكد من استحقاقها
هـ- الموازنة بين مستحقي الزكاة ووصول القدر المناسب لكل مستحق بدون زيادة أو نقص.
و- ولابد من أخذ إيصال بالمبلغ مختوم بخاتم الجمعية؛ لضمان الرقابة على أعمالها، ومراجعة الوارد والمنصرف.

* وأيضًا من فائدة دفعها إلى جهات الخير أو الدولة
ز- إِنَّ صَرْفِ الْزَّكَاة سَوَاء كَانَ الْشَخْصُ مِمَّنْ تَأْتِيْهِ الْسُّعَاة -مندوب التحصيل- لِكَوْنِهِ صَاحِبُ سِجِلٍ تِجَارِي أَوْ نَحْوِهِ، أَوْ مِمَّنْ لاَ تَأْتِيْهِ، وَإِنَّمَا ذَهَبَ بِنَفْسِهِ وَبَذَلَها إِلَيْه اخْتِيَارًا مِنَ الأُمُوْرِ الْمَشْرُوْعَةِ الْمَنْدُوْبَة،ِ وَقَدْ تَكُون وَاجِبَة.

ح- وقَدْ ذَكَر الفقهاء والعلماء أَنَّ مَنْ دَفَع الْزَّكَاة للْسَّاعِي وَالجِهَاتِ الرَسْمِيَّة، فقد بُرِئَتْ ذِمَتُهُ ظَاهِرًا وَباطِنًا. قَالَ الإِمَامُ أَحْمَد: “أَمَّا صَدَقَةُ الأَرْضِ فَيُعْجِبُنِي دَفْعُهَا إِلَى السُّلْطَان”. ثم قال أبو عبد الله: قيل لابن عمر: إنهم يقلدون بها الكلاب، ويشربون بها الخمور؟ قال: ادفعها إليهم.”
وهَذَا يُفِيْدُ أنَّ الأَفْضَلَ بَذْلُ الْزَّكَاة لِلْجِهَاتِ الْرَسْمِيَّة، وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالأَحَادِيْث “بِالْسَّاعِي”

ط- أَنَّهُ -ولي الأمر- يَكُوْن أَعْلَمُ بمَصَارِفِهَا فِقْهَاً وَحَالاً، فَيَكُوْنُ مُطَلِعًا عَلَى حَالِ المُتَعَفِفِ الّذِي يَطْلُبُ حَاجَتَهُ مِنْ الْجِهَاتِ الرَّسْمِيَّةِ، وَلاَ يَطْلُبُهَا مِنْ الأَفرَادِ، وَلأَنَّهُ يَخْرُجُ مِنَ الْخِلاَف وَتزُوْلُ عَنْهُ التُهْمَة.

قَالَ إِبْراهِيم النَّخْعِي: “ضعُوْهَا فِي مَوَاضعِها فَإِنْ أَخذَهَا الْسُّلْطَان أَجْزَأَك”. فيدفعها له إذا كان مسلمًا، وسواء كان عادلاً أو ظالمًا، وإذا دفعها له برئت ذمته، وسقط الوجوب عنه، وأدّى ما عليه، ولا يلزمه دفعها مرة أخرى؛ لقول النبي ﷺ في حديث ابن مسعود: «إنها ستكون بعدي أثرة وأمور تنكرونها» قالوا: يا رسول الله! فما تأمُرُنا؟ قال: «تؤدّون الحق الذي عليكم، وتسألون الله الذي لكم» [البخاري (٣٦٠٣)، ومسلم (١٨٤٣)].

ي- ولأن أبا بكر، طالبهم بالزكاة، وقاتلهم عليها، وقال: “لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله ـﷺـ لقاتلتهم عليها.” ووافقه الصحابة على هذا؛
ولأن ما للإمام قبضه بحكم الولاية، لا يجوز دفعه إلى المولى عليه، كولي اليتيم.
وممن قال: يدفعها إلى الإمام: الشعبي ومحمد بن علي وأبو رزين، والأوزاعي؛ لأن الإمام أعلم بمصارفها، ودفعها إليه يبرئه ظاهرًا وباطنًا، ودفعها إلى الفقير لا يبرئه باطنًا، لاحتمال أن يكون غير مستحق لها، ولأنه يخرج من الخلاف، وتزول عنه التهمة.

وكان ابن عمر يدفع زكاته إلى من جاءه من سعاة ابن الزبير، أو نجدة الحروري.
وقال مالك وأبو حنيفة وأبو عبيد: لا يفرق الأموال الظاهرة إلا الإمام؛ لقول الله تعالى: {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها} [التوبة: ١٠٣].

وقال ابن أبي موسى وأبو الخطاب: دفع الزكاة إلى الإمام العادل أفضل. وهو قول أصحاب الشافعي. وللشافعي قولان كالمذهبين. ولنا -الحنابلة- على جواز دفعها بنفسه أنه دفع الحق إلى مستحقه الجائز تصرفه فأجزأه، كما لو دفع الدين إلى غريمه، وكزكاة الأموال الباطنة، ولأنه أحد نوعي الزكاة، فأشبه النوع الآخر، والآية تدل على أن للإمام أخذها، ولا خلاف فيه، ومطالبة أبي بكر لهم بها، لكونهم لم يؤدوها إلى أهلها، ولو أدوها إلى أهلها لم يقاتلهم عليها؛ لأن ذلك مختلف في إجزائه، فلا تجوز المقاتلة من أجله، وإنما يطالب الإمام بحكم الولاية والنيابة عن مستحقيها، فإذا دفعها إليهم جاز؛ لأنهم أهل رشد، فجاز الدفع إليهم، بخلاف اليتيم.

فإن قيل: فالكلام في الإمام العادل، إذ الخيانة مأمونة في حقه.

 

قلنا: الإمام لا يتولى ذلك بنفسه، وإنما يفوضه إلى نوابه، فلا تؤمن منهم الخيانة، ثم ربما لا يصل إلى المستحق الذي قد علمه المالك من أهله وجيرانه شيء منها، وهم أحق الناس بصلته وصدقته ومواساته.
وقولهم: إن أخذ الإمام يبرئه ظاهرًا وباطنًا. قلنا: يبطل هذا بدفعها إلى غير العادل؛ فإنه يبرئه أيضًا، وقد سلموا أنه ليس بأفضل، ثم إن البراءة الظاهرة تكفي.

وقولهم: إنه تزول به التهمة. قلنا: متى أظهرها زالت التهمة، سواء أخرجها بنفسه، أو دفعها إلى الإمام، ولا يختلف المذهب أن دفعها إلى الإمام، سواء كان عادلا أو غير عادل، وسواء كانت من الأموال الظاهرة أو الباطنة، ويبرأ بدفعها سواء تلفت في يد الإمام أو لم تتلف، أو صرفها في مصارفها أو لم يصرفها؛ لما ذكرنا عن الصحابة – رضي الله عنهم -، ولأن الإمام نائب عنهم شرعا فبرئ بدفعها إليه، كولي اليتيم إذا قبضها له، ولا يختلف المذهب أيضا في أن صاحب المال يجوز أن يفرقها بنفسه. انتهى، [وانظر مصنف عبد الرزاق (٤/ ٣٤)، ومصنف ابن أبي شيبة (٢/ ٣٨٤)، والمجموع (٦ / ١٦٤).]

س٢٣: ما الفرق بين توزيعها بنفسي ودفعها إلى الجهات الخيرية؟

فأما وجه فضيلة دفعها بنفسه؛ فلأنه إيصال الحق إلى مستحقه، مع توفير أجر العمالة، وصيانة حقهم، عن خطر الخيانة، ومباشرة تفريج كربة مستحقها، وإغنائه بها، مع إعطائها للأولى بها؛ من محاويج أقاربه، وذوي رحمه، وصلة رحمه بها، فكان أفضل، كما لو لم يكن آخذها من أهل العدل.

اترك تعليقاً