زهد النبى صلى الله عليه وسلم
29 أبريل، 2023
قبس من أنوار النبوة
بقلم الأستاذ : محمد عويس
الزهد في حقيقته هو الإعراض عن الشيء ولا يطلق هذا الوصف إلا على من تيسر له أمر من الأمور فأعرض عنه زهدا فيه وأما من لم يتيسر له ذلك فلا يقال إنه زهد فيه
وقال مالك بن دينار عن نفسه : الناس يقولون مالك زاهد إنما الزاهد عمر بن عبد العزيز أي إنه هو الزاهد في الحقيقة فان الدنيا كانت بين يديه فلم يلتفت إليها
وقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم أزهد الناس في الدنيا وأقلهم رغبة فيها مكتفيا منها بالبلاغ راضيا فيها بحياة الشظف متمثلا قول ربه عز وجل
( لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم ولا تحزن عليهم واخفض جناحك للمؤمنين )
مع أنه أكرم الخلق على الله ولو شاء لأجرى له الجبال ذهبا وفضة
ومن صور ذلك
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (نام رسول الله صلى الله عليه وسلم على حصير فقام وقد أثر في جنبه، قلنا يا رسول الله لو اتخذنا لك وطاء، فقال مالي وللدنيا، ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها) رواه الترمذي
كان زهده صلى الله عليه وسلم زهد من علم فناء الدنيا وسرعة زوالها ، وبقاء الآخرة وما أعدّه الله لأوليائه فيها من نعيم مقيم وأجر عظيم ، فرفض صلى الله عليه وسلم الأخذ من الدنيا إلا بقدر ما يسدّ الرمق ، فآثر حياة الزهد ، وكثيرا ما كان يدعو ربه قائلا :
( اللهم أحيني مسكينا ، وأمتني مسكينا ، واحشرني في زمرة المساكين )
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أزهد الناس في الدنيا ، والأسوة العظمى في الإقبال على الآخرة ، وكان زهده اختيارياً ، فلو شاء لجعل الله له الجبال ذهباً ، وقد فتح الله تعالى له البلاد ، وجعل له خمس الغنائم ، ومع ذلك كان يتصدق بكل ما يأتيه من الأموال ، ويبقى ينام على الأرض ، ولا يجد شيئاً يأكله ، مؤثرا على نفسه فقراء الأمة ومصالح الإسلام .. وربَّى بزهده كثيرا من الرجال ، فتخلقوا بمثل أخلاقه فصلوات الله عليه وعلى آله وأصحابه .
قامت حياة الرسول صلى الله عليه وسلم على أساس من القناعة والعفاف والزهد،
فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم قال: (ليس الغنى عن كثرة العرض، ولكن الغنى غنى النفس )
وعن حكيم بن حزام رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( اليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول، وخير الصدقة عن ظهر غني، ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله).
وحث النبي صلى الله عليه وسلم على التعفف عن السؤال والتعرض للإعطاء، وحض على الأكل من عمل اليد، فقال:
( لأن يأخذ أحدكم أحبله ثم يأتي الجبل، فيأتي بحزمة من حطب على ظهره فيبيعها، فيكف الله بها وجهه، خير له من أن يسأل الناس، أعطوه أو منعوه )
. كما قال عليه الصلاة والسلام ( ما أكل أحد طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يده وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده )
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم أزهد الناس في الدنيا وأقلهم رغبة فيها، حتى كان الزهد خلقاً من أخلاقه الفاضلة وسجية من سجاياه الطيبة الطاهرة،
عن ابن العباس سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه، قال: ( جاء رجل إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال: يا رسول الله دلني على عمل إذا عملته أحبني الله وأحبني الناس، فقال ازهد في الدنيا يحبك الله وازهد فيما عند الناس يحبك الناس )
ومن صور زهد النبى صلى الله عليه وسلم
عن عَائِشَة رضي الله عَنْهَا قَالَتْ: ما اجتمَعَ فِي بطن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم طعامان فِي يوم قط، إن أكل لحمًا لم يزد عليه، وإن كان تمرًا لم يزد عَلَيْهِ، وإن أكل خبزًا لم يزد عَلَيْهِ. وكَانَ رجلاً مسقامًا، وكَانَتْ الْعَرَب تنعت لَهُ فيتداوى بما تنعت لَهُ الْعَرَب وكَانَتْ العجم تنعت لَهُ فيتداوى.
اللَّهُمَّ طهر قلوبنا من النفاق وعملنا من الرياء وألسنتنا من الكذب وأعيننا من الخيانة وآذاننا عَنْ الاستماع إِلَى ما لا يرضيك وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ وألحقنا بِالصَّالِحِينَ وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِين بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. وَصَلَّى اللهُ عَلَى سيدنا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ