رحلة الروح

بقلم د : عبدالفتاح سعيد وزير
الباحث بجامعة الأزهر الشريف

 

كيف نحافظ على إيماننا في زحمة الحياة؟
كم مرة شعرت بأنك تائه في دوامة الحياة؟

الإيمان ليس شعورًا عابرًا، بل هو ممارسة يومية تتجدد.

بالقرآن تتنفس الروح، وبالسنة تنضبط الخطى، وبالذكر يرتاح القلب، وبالدعاء تُرفع الهموم.

والأهم، أن تُحيط نفسك بمن يعينونك ويذكرونك بالله.

في كل مرة تضعف فيها، تذكّر: “إن الله لا يملّ حتى تملّوا.”

قال الشيخ محمد الغزالي رحمه الله : لو المرء حاول استرضاء الله بنصف الجهد الذي يبذله لكسب المال أو التمكين في الأرض ، لقطع مرحلة رحبة في طريق الارتقاء الروحي والخلقي. الرجال يعرفون أيام الشدائد لا ايام الموائد.

ايها القارئ الحبيب

كيف نصل إلى مثل هذا الإيمان؟
وكيف نجدده في قلوبنا، ونملأ به أفئدتنا وأرواحنا؟
وكيف نحرك به جوارحنا وأركاننا؟
بل كيف نحافظ على شجرة الإيمان في قلوبنا دون أن تذبل وتتساقط أوراقها في وسط جلبة الحياة اليومية وضغوطها المستمرة، يتوق كثير من الناس إلى ما يعيد لأرواحهم صفاءها، ويعزز في قلوبهم صلتهم بالله. كيف يمكن للإنسان أن يثبت على الإيمان في عالم مزدحم بالمشاغل والمغريات؟

الإجابة على ذلك باختصار في الرجوع الصادق إلى ينابيع الإيمان الصافية: القرآن الكريم والسنة النبوية.

•• نور القلوب وطمأنينة الأرواح
فالقرآن ليس كتابًا يُقرأ وحسب، بل هو هدى ورحمة، ودواء لما في الصدور.
قال الله تعالى: (أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)
(كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ)

قال الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله: عن تجديد الإيمان، إنه ليس مجرد تكرار للشهادتين، بل هو تجديد مستمر للعهد مع الله، وتعميق للإيمان في القلب، والتزام بتعاليم الإسلام في السلوك والأقوال. وأكد أن الإيمان الحقيقي يقتضي الخضوع لأوامر الله تعالى، حتى وإن لم نفهم الحكمة منها، وأن الإيمان يجب أن يكون مصحوباً بالعمل الصالح.

•• التطبيق العملي للإيمان
سيرة النبي صلى الله عليه وسلم تمثل القدوة العملية لكل مؤمن.
قال الله تعالى(لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)
قال صلى الله عليه وسلم: (فعليكم بسُنَّتِي وسنةِ الخلفاءِ الراشدينَ المهديِّينَ من بعدي عَضُّوا عليها بالنواجِذِ)

•• صلة دائمة بالله
في زحمة الأيام، يبقى الذكر والدعاء الملجأ الأمثل للطمأنينة والسكينة
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت)
قال الله تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ).
الدعاء يعكس التوكل الصادق على الله، وهو مفتاح لكل خير.

•• العون على الثبات
الرفقة الطيبة ترفعك إذا ضعفت، وتذكرك إذا غفلت.
قال صلى الله عليه وسلم: (المرء على دين خليله)
احرص على من يعينك على الطاعة، لا من يبعدك عنها.
قال الله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى)

من خواطر الشيخ الشعراوي رحمة الله في سورة الفرقان قولة: لو استحضر العاصي جلالَ ربه ما عصاه، ولتضخمتْ عنده المعصية فانصرف عنها، وما دام قد غاب عنه إيمانه فلا بُدَّ له من تجديده، ثم بعد ذلك يُوظِّف هذا الإيمان في العمل الصالح.

(إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً .. ) فالجزاء ( فَأُوْلَـٰئِكَ يُبَدِّلُ ٱللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ .. )وليس المراد أن السيئة تُبدَّل فتصير حسنة مباشرة، إنما يرفع العبد السيئة ويحل محلها التوبة، وبعد التوبة يضع الله له الحسنة.

وختاماً:
اللهم إني أسألُك من النِّعمة تمامَها، ومن العِصمة دوامَها، ومن الرَّحمة شُمولَها، ومن العافية حُصولَها، ومن العَيش أرغدَه، ومن العُمر أسعدَه، ومن الإحسان أتمَّه، ومن الإنعام أعمَّه، ومن الفضل أعذَبه، ومن اللُّطف أقرَبه وصلى اللهم وسلم وبارك على سيدنا و مولانا محمد