آيات الحج (10)
7 يونيو، 2025
منبر الدعاة

بقلم الشيخ : أبو بكر الجندى
يقول الله تعالى: {ذَلِكَ} الذي ذكرنا لكم من تعظيم حرمات الله وشعائره، والأمر باجتناب قول الزور والشرك وبيان خسران المشرك{وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ} وهي الأنعام التي وضعت عليها علامة تميزها أنها للبيت الحرام تذبح فيه، فهي من شعائره وأعلام دينه الظاهرة، وتعظيمها: استحسانها واستسمانها، وألا تمس بسوء، ولا يعتدى عليها، وأن يحافظ عليها وعلى الشعار الذي أشعرت به {فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} فالمعظِّم لها يبرهن على تقواه وصحة إيمانه؛ لأن تخصيصها لفقراء الحرم استجابة لدعاء إبراهيم، والتقرب بها مظهر حسِّي يدل على تقوى القلوب، وأضيفت التقوى إلى القلوب، لأن مكانها القلب قال صلى الله عليه وسلم: ” التقوى هاهنا “، وأشار إلى قلبه الكريم ثلاث مرات.
{لَكُمْ فِيهَا} أي الهدايا من البدن ونحوها {مَنَافِعُ } ينتفع بها أربابها، بركوبها وعملها وحلبها وصوفها ووبرها ونسلها لكم ما دامت في حوزتكم {إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} مقدر، وهو وقت ذبحها إذا وصلت البيت الحرام {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} القديم، أو المعتق المعصوم من تحكم الجبابرة وسيطرتهم، والمراد به: الحرم كله منى وغيرها، فإذا ذبحت، فكلوا منها وتصدقوا وأهدوا، و(ثُمَّ) للترتيب والتراخي الزمني، وهو زمن السير من ميقات الحج إلى البيت العتيق، والتراخي المعنوي، وهو انتقال البدن من دابة لمنافع دنيوية إلى مرتبة دينية.
{وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا}عيداً؛ لإقامة شكره وإحياء ذكره {لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأنْعَامِ} عند ذبحها، شاكرين له نعمته، وإذا شرع اللَّه تعالى الشرائع والمناسك والأعياد؛ فذلك لأنه إلهكم أنتم وغيركم {فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ}؛ لذلك كانت المناسك كلها في ماضيها وحاضرها له سبحانه، {فَلَهُ أَسْلِمُوا} انقادوا واستسلموا له لا لغيره، فالإسلام طريق الوصول إلى الله {وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ} بخير الدنيا والآخرة، والمخبت: الخاضع لربه، المستسلم لأمره، المتواضع لعباده، ثم ذكر صفات المخبتين فقال: {الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} خوفا وتعظيما، فتركوا لذلك المحرمات، وسارعوا للخيرات واعتراهم شعور الحزن بالتقصير في جنب الله، والوجل والخشية صفة أهل الإيمان كما قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الأنفال: 2]، {وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ} من البأساء والضراء وأنواع الأذى، فلا يسخطون ولا يتضجرون، بل يصبرون ويحتسبون ويسترجعون {وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ} جعلوا الصلاة قائمة بأدائها بأركانها وشروطها وسننها خاشعةً في أوقاتها، حينما تحس النفس بروعة الصلاة، وتمتلئ الروح بهيبتها، وأنها في حضرة ذي الجلال والإكرام، وعبر باسم الفاعل(وَالْمُقِيمِي) لبيان أن الصلاة صارت جزءاً من حياتهم لا يتخلفون عنها، وفي اجتماع الصلاة والصبر عون للمؤمن على تحمل البلاء، قال تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ } [البقرة: 45]{وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} النفقات الواجبة، كالزكاة، والنفقة على الأهل، والنفقات المستحبة، كالصدقات بجميع وجوهها، و(من) تبعيضية، ليدل على سهولة ما أمر الله به ورغب فيه.