بقلم الدكتور: أحمد بدوى مازن مدرس الحديث الشريف وعلومه بجامعة الأزهر
ما أجمل الحياة قبل طغيان وسائل التواصل الاجتماعي وسيطرتها على تفاصيل حياتنا اليومية، لقد كانت الحياة تسير بسهولة وبساطة دون أن نخضع لمراقبة الناس واطلاعهم على كل عمل نقوم به، فكل واحد منا كان يقوم بعمله أو ما يتطوع به من أعمال الخير دون انتظار للإعجابات والمشاركات والتفاعلات.
كنا لا نتصنع الابتسامة أو الغضب من أجل إرضاء الناس أو خوفًا من سخطهم أو انتقاداتهم، فكنا نتعامل مع مَنْ حولنا بشكل طبيعي دون حسابات أخرى، كانت الحياة بعيدة عن التكلف، لا نخضع لضغوط المشاهدات كثرة وقلة، كنا نعبر عن آرائنا الشخصية دون تجريح لأحد، أو محاولة لاسترضاء أحد.
لقد كانت العلاقات بين الناس قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي تُبنى على اللقاءات الحقيقية، والاتصالات الصوتية، والرسائل الورقية التي تحمل مشاعر صادقة، دون الاختباء وراء الأجهزة، أو الظهور بشخصيات خيالية.
لقد أدت وسائل التواصل الاجتماعي إلى التوحد والتقوقع، ففرضت علينا عزلة اجتماعية، فالأخوة والأبناء قد يعيشون في بيت واحد لا يلتقون أو يتحدثون إلا في حالة انقطاع شبكة الإنترنت، لا نأكل جماعات ونتبادل أطراف الحديث كما كنا من قبل، بل تجد بعض الأبناء يفضل وسائل التواصل والألعاب الإلكترونية على تناول الطعام، بل والنوم أيضا.
لقد أصبحت وسائل التواصل أدوات للتقاطع والخصام، فكم حجبتنا عن لقاءات الأحبة، وكم جعلتنا نتكاسل عن الوقوف بجانبهم في أسعد اللحظات، أو أصعب المواقف، كم فرضت علينا حجابا من العزلة والكسل والانطوائية، وأصبحنا نعيش في عالم افتراضي بعيد عن الواقع الذي نعيش فيه، والله عز وجل لم يخلقنا في الحياة كل منا بمفرده فقال تعالى (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)
في ظل وسائل التقاطع الاجتماعي أصبحت العلاقات جافة فحق المسلم على أخيه المسلم كما جاء في السنة المطهرة على لسان الصادق المصدوق “حَقُّ المُسْلِمِ عَلَى المُسْلِمِ خَمْسٌ: رَدُّ السَّلاَمِ، وَعِيَادَةُ المَرِيضِ، وَاتِّبَاعُ الجَنَائِزِ، وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ، وَتَشْمِيتُ العَاطِسِ ” لكنه في ظل التطبيقات الحديثة قد اختصرناها جميعا في رمز يعبر عن أشعر بالسعادة أو أشعر بالحزن وقضي الأمر.
لم أقصد من تلك الكلمات أن أجعل وسائل التواصل الاجتماعي شيطانا رجيما، أو الرجوع إلى التخلف وعدم مواكبة العصر في التقدم التكنولوجي، وإنما أردت عدم اتخاذ وسائل التواصل الاجتماعي بديلا عن حياتنا الواقعية، لا نريد أن نحيا في عالم افتراضي ونهرب من الواقع، لا نريد أن نصل لدرجة الإدمان لهذه الوسائل والتطبيقات، الأمر جد خطير أصبح الناس يعشقون بل يدمنون وسائل التواصل الاجتماعي، فكم أضعنا من أوقاتنا، فيا حسرة على العباد أضاعوا أيامهم ولياليهم خلف الشاشات، ومن وراء الحجب، وقد حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم بأننا محاسبون على أوقاتنا وأعمارنا فقال صلى الله عليه وسلم (لَا تَزُولُ قَدْمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ: عَنْ شَبَابِهِ فِيمَا أَبْلَاهُ، وَعَنْ عُمْرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أُنْفَقَهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ مَاذَا عَمِلَ فِيهِ “
فمتى نفيق من غفلتنا ونتحرر من قيود هذه التطبيقات، بعلم نافع ، أو عمل مفيد، أو زيادة الدخل في معيشتنا، أو بتلاوة كتاب الله وتعلم سنة رسوله صللى الله عليه وسلم.