خطبة بعنوان ( الأمن والأمان ) لفضيلة الدكتور ايمن حمدى الحداد
23 يناير، 2025
خطب منبرية

جمعها ورتبها فضيلة الدكتور : أيمن حمدى الحداد
الجمعة ٢٤ من رجب ١٤٤٦ هجرياً – الموافق ٢٤ من يناير ٢٠٢٥ ميلادياً
نص الخطبة:
الحمد لله الذي أعزَّنا بالإسلام، وأكرمَنَا بالإيمان، اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان ولك الحمد على نعمة الأمن والأمان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شىء قدير، وأشهد أن محمداً عبدالله ورسوله وصفيه من خلقه وخليله، اللهم صلّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين أما بعد؛ فيا أيها المسلمون: إن نعم الله على عباده كثيرة لا تعد ولا تحصى، وأعظم النعم بعد الإيمان بالله عزّ وجل نعمة الأمن، والأمن عكس الخوف، فهو طمأنينة فى القلب وسكينة، والحياة لا تزدهر وتتقدم بدون الأمن، فبالأمن تتحقق الآمال وتطمئن النفوس.
– المؤمن من أسماء الله؛ قال تعالى: ﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾(الْحَشْرِ: ٢٣)، ولقد كان من دعاء سيدنا رسول الله ﷺ: «اللهم استرْ عوراتي وآمنْ روعاتي، اللهم احفظْني مِن بين يديَّ، ومن خلفي وعن يميني. وعن شمالي ومن فوقي، وأعوذُ بعظمتِك أن أُغتالَ مِن تحتي» رواه أبو داود.
– نعمة الأمن أعظم من نعمة الرزق فلقد قدمها إبراهيم عليه السلام فى دعائه لمكة المكرمة؛ قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾(البقرة: ١٢٦)،
فبدأ بالأمن قبل الرزق لأن الأمن والإستقرار سبب للرزق، فإذا شاع الأمن سعى الناس في الأرض يبتغون من فضل الله ويحصلون الأرزاق؛ قال رسول الله ﷺ: «من أصبح منكم آمناً في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا» رواه البخاري في الأدب المفرد، والترمذي، وابن ماجه، والطبراني في الكبير.
– ولأهميمة نعمة الأمن فقد امتن الله بها على أهل البلد الحرام؛ قال تعالى: ﴿أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ﴾(القصص: ٥٧)، وقال تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ)(العنكبوت: ٦٧)، وقال تعالى:﴿لِإِيلَٰفِ قُرَيۡشٍ إِۦلَٰفِهِمۡ رِحۡلَةَ ٱلشِّتَآءِ وَٱلصَّيۡفِ فَلۡيَعۡبُدُواْ رَبَّ هَٰذَا ٱلۡبَيۡتِ ٱلَّذِيٓ أَطۡعَمَهُم مِّن جُوعٖ وَءَامَنَهُم مِّنۡ خَوۡفِۭ﴾
– ولقد أقسم الله عزّ وجل بمكة فقال تعالى: ﴿وَهَٰذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ﴾(التين: ٣)، ولقد أمّن أهلها عام الفيل؛ حيث أهلك أبرهة وجيشه، قال تعالى: ﴿أَلَمۡ تَرَ كَيۡفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصۡحَٰبِ ٱلۡفِيلِ أَلَمۡ يَجۡعَلۡ كَيۡدَهُمۡ فِي تَضۡلِيلٖ وَأَرۡسَلَ عَلَيۡهِمۡ طَيۡرًا أَبَابِيلَ تَرۡمِيهِم بِحِجَارَةٖ مِّن سِجِّيلٖ فَجَعَلَهُمۡ كَعَصۡفٖ مَّأۡكُولِ﴾(الفيل)،
– والإسلام دين الأمن والأمان؛ فعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله ﷺ: «لاإِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ وَلَا دِينَ لِمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ» رواه أحمد.
– ولقد ذَكر الله عزّ وجل أصحاب سيدنا رسول الله ﷺ بتلك النعمة؛ قال تعالى: ﴿وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾(الأنفال: ٢٦)،
– كما وعدهم بدخول مكة المكرمة فى أمن وأمان قال تعالى: ﴿لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَٰلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا﴾(الفتح: ٢٧)
– أيها المسلمون: إن الأمن في الإسلام مقصدٌ عظيمٌ، شرع له من الأحكام ما يحميه، ويمنع المساسَ به، ولقد تضافرت أدلة الكتاب والسنة على وجوب المحافَظة على الأمن والأمان، فجعل الإسلام وسائل ودعائم لحفظ الأمن سبق بها كل ما أنتجه الفكر الإنسانى من ذلك؛
– المحافظة على حرمة الدماء؛ لقد جعل الإسلام قتل نفس واحدة كَقَتْلِ الناس جميعاً؛ قال تعالى: ﴿مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾(المائدة: ٣٢)،
– ولقد رتب الإسلام على قتل النفس الوعيد الشديد؛ فقال تعالى: ﴿وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾(النساء: ٩٣)،
– كما حَرَمَ الإسلام ترويع الإنسان بأي وسيلة فنهى سيدنا رسول الله ﷺ أن يشهر المسلم السلاح فى وجه أخيه حتى لو كان مازحاً؛ حيث قال: «لا يشير أحدكم إلى أخيه بالسلاح، فإنه لا يدري أحدكم لعل الشيطان ينزع في يده فيقع في حفرة من النار» متفق عليه.
وقال ﷺ: «لا يحل لمسلم أن يروع مسلماً» رواه أحمد وأبو داود.
– وقال في حق المعاهد: «مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا» رواه البخاري.
وقال: «أَلَا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا، أَوْ انْتَقَصَهُ، أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ، أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ» رواه أبو داود.
– ولحفظ الأمن فى المجتمعات شرع الإسلام حداً للحرابة؛ قال تعالى: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾(المائدة: ٣٣)، وعن أبي موسى قال: قال رسول الله ﷺ: «مَن حمل علينا السلاح فليس مِنّا» متفق عليه.
– فاتقوا الله عباد الله: وحافظوا على أمن وأمان بلادكم، وكونوا يداً واحدة، واعلموا أنه لا إيمان لمن لا أمان له..
أقول قولي هذا واستغفر الله لى ولكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى وصلاةً وسلاماً على عباده الذين اصطفى أما بعد؛ فيا عباد الله: لقد أيد الله عز وجل سيدنا رسول الله ﷺ بالآيات البينات فأسرى به ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى فأراه الآيات الكبرى فشرف به الأرض والسماوات العلى؛ قال تعالى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾(الإسراء: ١)،
– لقد كان الإسراء والمعراج بالروح والجسد، وفى حال اليقظة ومن هنا كانت المعجزة حيث كان سيدنا رسول الله ﷺ فى المسجد الحرام أو في بيت أم هانئ بنت عمه أبى طالب فاحتملته الملائكة وجاءوا به إلى المسجد الحرام وعند زمزم أضجعوه وشقوا من ثغر نحره إلى أسفل بطنه وختموا بين كتفيه بخاتم النبوة ثم أُتى بالبراق فركبه ﷺ حتى أتى بيت المقدس فربطه بالحلقة التي ربط بها الأنبياء من قبل، ثم دخل فصلى ركعتين ثم خرج فأتاه جبريل بإناء من خمر واناء من لبن فاختار ﷺ اللبن فقال جبريل عليه السلام: اخترت الفطرة ثم عرج به إلى السماء حتى وصل إلى سدرة المنتهى فأوحى الله عز وجل إليه ما أوحى.
– اقتضت حكمة الله تعالى أن يطلع سيدنا رسول الله ﷺ على قدرته جل وعلا فتهون في عينيه كل قوى المشركين ويمضى في دعوته وهو لا يعبأ بمكرهم لأنهم مهما أوتوا من قوة ومنعة فأين قوتهم إلى قوة الله رب العالمين؛ قال تعالى: ﴿لَقَدْ رَأَى مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى﴾(النجم : ١٨)، لقد رأى ﷺ أموراً عظيمة تجعله لا يكترث بمن كذبوه وأذوه؛ قال ﷺ: «رأَيْتُ جِبريلَ عندَ سِدرةِ المُنتهى وعليه سِتُّمئةِ جَناحٍ ينثُرُ مِن ريشِه تهاويلَ الدُّرِّ والياقوتِ» رواه أحمد بسند حسن.
وفى صحيح مسلم من حديث أبى هريرة رضى الله عنه قال ﷺ: قال لى جبريل عليه السلام: «هذا مالِكٌ صاحبُ النَّارِ، فسلِّمْ عليه، فالتفتُّ إليه، فبدأني بالسَّلامِ».
هذا ولقد رأى رسول الله ﷺ البيت المعمور في السماء السابعة فأخبره جبريل عليه السلام أنه يدخله كل يوم سبعون ألف ملك يصلون فيه لا يعودون إليه.
– الإسراء والمعراج درس عظيم في معية الله عزّ وجل وتأييده لنبيه ﷺ ويتجلى ذلك عندما أخبر ﷺ بأنه أسرى به إلى المسجد الأقصى وعاد من ليلته وهم يضربون له أكباد الإبل شهراً فطلب المشركون منه أن يصف لهم بيت المقدس فهم يعلمون أنه لم يراه من قبل وفى ذلك يقول النبي ﷺ: «لما كذبتني قريش قمت في الحجر فجلا الله لي بيت المقدس فطفقت أخبرهم عن آياته وأنا أنظر إليه» متفق عليه.
وصدق الله إذ يقول: ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾(غافر: ٥١)،
–الثبات على الحق؛ لقد ثبت أبوبكر الصديق رضى عندما قال له المشركون: إن صاحبك يزعم أنه أسرى به إلى بيت المقدس وعاد من ليلته ونحن نقطع ذلك في شهر؟! فرد أبو بكر الصديق رضى الله عنه بكل يقين: إن كان رسول الله ﷺ قال ذلك فقد صدق فإني أصدقه في الخبر يأتيه من السماء أفلا أصدقه في ذلك!!
اللهم احفظ مصر واجعلها أمنا وأماناً وسلماً وسلاماً، واجعل رايتها عالية خفاقة، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وأقم الصلاة