بداية وبناء الإنسان مهمة الدعاة وفق مقاصد الشريعة الإسلامية
1 نوفمبر، 2024
الإسلام وبناء الحضارة
بقلم الشيخ : محمود عطا باحث ماجستير في العلوم الانسانية
بناء الإنسان في ضوء مقاصد الشريعة الإسلامية هو عملية شاملة تهدف إلى تحقيق التوازن والتنمية المستدامة للفرد والمجتمع، وفق القيم والمبادئ التي وضعتها الشريعة الإسلامية. تتضمن هذه العملية تنمية الفرد من الناحية الروحية، العقلية، الجسدية، والاجتماعية، بحيث يكون إنسانًا صالحًا وقادرًا على تحقيق المقاصد الأساسية التي جاءت الشريعة لتحقيقها: حفظ الدين، النفس، العقل، النسل، والمال.
مقصد حفظ الدين :
في الإسلام، بناء الإنسان يبدأ من حفظ الدين، لأن الإيمان يشكل أساس البناء الأخلاقي والروحي للفرد. يهدف حفظ الدين إلى تعليم الإنسان مبادئ الإيمان والعبادة الصحيحة، وترسيخ علاقته بالله تعالى. من خلال التزام الفرد بالشريعة والأخلاق الإسلامية، يصبح قادرًا على التوازن بين حياته الروحية والدنيوية.
الدين يلعب دورًا محوريًا في توجيه الإنسان نحو السلوك القويم، وتعليمه القيم الأساسية مثل الصدق، الأمانة، والعدل. فبناء الإنسان الروحي يعزز من قوته الداخلية ويؤهله لتحمل المسؤوليات الفردية والمجتمعية.
مقصد حفظ النفس :
يتطلب بناء الإنسان وفق الشريعة الإسلامية حماية النفس البشرية ورعايتها. الشريعة تحث على الحفاظ على الصحة الجسدية والنفسية من خلال العناية بالجسد والروح. الإسلام يشجع على اتباع نمط حياة صحي يشمل التغذية السليمة، ممارسة الرياضة، والاعتناء بالنفس. قال الرسول صلى الله عليه وسلم: “إن لنفسك عليك حقاً”، وهذا يشير إلى أن العناية بالنفس جزء من العبادة.
بالإضافة إلى ذلك، يشدد الإسلام على تحريم أي ضرر يمكن أن يُلحق بالنفس، سواء كان ذلك عبر إهمال الصحة الجسدية أو التعرض لمخاطر غير ضرورية. هذا يُعزز من فكرة أن بناء الإنسان يجب أن يشمل الوقاية من الأذى والمحافظة على حياة الإنسان كأمانة من الله.
مقصد حفظ العقل :
العقل في الإسلام هو أساس التكليف والمسؤولية، ولذلك جاء حفظ العقل كمقصد رئيسي من مقاصد الشريعة. يتضمن بناء الإنسان في هذا السياق تعليم وتثقيف العقل، وتحفيزه على التفكر والتدبر. الإسلام يشجع على طلب العلم والابتكار، واعتبار أن التفكير السليم هو مفتاح النجاح في الدنيا والآخرة.
التعليم هو عنصر أساسي في بناء الإنسان المسلم. القرآن الكريم يحث على التفكر في الكون والتعلم من آيات الله في الطبيعة. من خلال بناء العقل، يصبح الإنسان قادرًا على التمييز بين الخير والشر، واتخاذ قرارات مبنية على العلم والحكمة.
مقصد حفظ النسل :
بناء الإنسان يتطلب أيضًا حفظ النسل، وهو المقصد الذي يهتم بالأسرة والتربية الصالحة. الإسلام يركز على أهمية بناء أسرة مستقرة تقوم على القيم الإسلامية. التربية الجيدة للأبناء تضمن بناء جيل قادر على حمل رسالة الإسلام وإعمار الأرض بالخير.
النسل لا يُعنى فقط بالتكاثر، بل يتعلق أيضًا بتربية الأطفال على القيم الإسلامية السامية التي تجعلهم أفرادًا صالحين يسهمون في رفاه المجتمع. الأسرة هي الركيزة الأساسية في بناء الإنسان، وتوفير بيئة تربوية سليمة يعزز من تماسك المجتمع.
مقصد حفظ المال:
الإسلام يعترف بأهمية المال في حياة الإنسان، لكنه يشدد على أن المال وسيلة وليس غاية. بناء الإنسان وفق مقاصد الشريعة يتطلب تعليم الفرد كيفية التعامل مع المال بحكمة، واستخدامه في ما يرضي الله، والابتعاد عن الإسراف والتبذير.
الشريعة تدعو إلى الاستثمار في المشاريع التي تعود بالنفع على الفرد والمجتمع، وتشجع على العمل والإنتاج. كذلك، تضع الشريعة ضوابط لحماية المال من الفساد والسرقة، مما يسهم في بناء مجتمع متكامل اقتصاديًا يعتمد على العدل والمساواة في توزيع الثروات.
بناء الإنسان في إطار المقاصد الكلية للشريعة :
بناء الإنسان وفق مقاصد الشريعة الإسلامية يعزز من توازن الشخصية المسلمة ويضمن نموها في جميع جوانب الحياة. الشريعة تسعى إلى تحقيق مصالح الناس ودفع المفاسد عنهم، وهذه المبادئ هي ما توجه عملية بناء الإنسان. فعندما يُبنى الإنسان على أساس متين من الإيمان والمعرفة والأخلاق، يصبح قادرًا على تحقيق أهدافه الشخصية والمجتمعية في إطار ما يرضي الله.
والخلاصة:
بناء الإنسان في ضوء مقاصد الشريعة الإسلامية هو مشروع شامل يهدف إلى تحقيق التوازن بين الجوانب الروحية، العقلية، الجسدية، والاجتماعية للفرد. من خلال حفظ الدين، النفس، العقل، النسل، والمال، تسعى الشريعة إلى تكوين فرد قادر على الإسهام في بناء مجتمع عادل ومزدهر. بهذا، يصبح بناء الإنسان ليس فقط هدفًا شخصيًا، بل أيضًا مسؤولية جماعية تسهم في نهضة الأمة الإسلامية وتحقيق مقاصد الشريعة.