تأملات في المولد النبوي الشريف 2

بقلم الشيخ ايهاب صالح

3- تصحيح مفاهيم والرد على الشعارات الرنانة:

يطرح المعترضون على الاحتفال بالمولد النبوي أسئلة يعتبرونها أدلة على عدم جواز الاحتفالـ، منها:

1- كم مرة احتفل النبي صلى الله عليه وسلم بالمولد النبوي؟

والإجابة: احتفل النبي صلى الله عليه وسلم مئات المرات، ففي الحديث الذي رواه مسلم، سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن صومه يوم الاثنين فقال: “ذاك يوم ولدت فيه” وهذا يعني أنه صلى الله عليه وسلم كان يحتفل بمولده الشريف أسبوعيا.

2- هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يوزع الحلوى لهذه المناسبة؟

والإجابة: لا، لم يكن يوزع الحلوى، وإنما كان يصوم شكرا لله.

3- إذن توزيع الحلوى بدعة.

والإجابة: هذا فهم خاطئ وقاصر لمفهوم البدعة، فالبدعة قد تكون في الدين وقد تكون في الدنيا، وقد تكون حسنة وقد تكون مذمومة، وهذا هو فهم العلماء خلفا عن سلف.

وخلاصتها: إذا كانت البدعة في الدين فضابطها أن يكون لها أصل وإلا فهي بدعة ضلال مذمومة.. أما إذا كانت في الدنيا فضابطها ألا تخالف الشرع.. فإذا خالفته فهي مذمومة وإذا لم تخالفه فهي بدعة حسنة

قال الإمام الشافعي: “البدعة بدعتان، محمودة ومذمومة، فما وافق السنة فهو محمود وما خالفها مذموم”.

وبالتالي فإذا تم توزيع الحلوى على أنها من أصول الدين فهي مذمومة مرفوضة، أما إذا كان توزيع الحلوى عادة دنيوية غير مفروضة على الجميع فلا شيء فيها.

وحقيقة توزيع الحلوى له شقان، الأول حبا فيما يحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، واتباعا له في أمر من أمور الدنيا، على سبيل القربة والمودة لا على سبيل التشريع.

ففي الحديث الذي رواه البخاري، عن السيدة عائشة – رضي الله عنها -: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الحلواء والعسل”.

والشق الآخر فتوزيع الحلوى تعبيرًا عن السعادة والفرح والسرور.

ولا يختلف عاقل على أن شراء حلوى المولد وتوزيعها سلوك دنيوي لا ديني، وهي عادة اجتماعية للتآلف بين البشر، والتعبير عن محبة صاحب المناسبة صلى الله عليه وسلم، ولم يقل أحد أنها من الدين، وبالتالي فهي لا تخالف الشرع الشريف في شيء، بل هي تدخل في أصل من أصول الشرع، عملًا بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام”.

ولا نغفل أن عادة إهداء الطعام سنة نبوية شريفة، فقد كان الصحابة يهدون إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك فعل الصحابة والتابعون من بعدهم، واستمر هذا السلوك الحسن عبر الأجيال خلفًا عن سلف ولم ينكره أحد، كما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب الحلوى فاعتاد المصريون على صنع ما يحبه النبي صلى الله عليه وسلم في ذكرى مولده، فلا مخالفة للشرع في ذلك.

4- الرد على شبهة عدم احتفال الصحابة

يحتج مَن ينكرون الاحتفال بالمولد النبوي بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر بالاحتفال بيوم مولده وكذلك الصحابة لم يحتفلوا، وطالما لم يحتفل الصحابة إذن هو بدعة، لأنه إدخال في الدين ما ليس منه.

وللأسف فقد خلطوا بين العبادة والوسيلة إلى العبادة، وبين الأصل والفرع الذي يتعلق بتحقيق الأصل، واتهموا علماء الأمة على مر تاريخها بالبدعة وعدم الفهم، وكأنه لم يفهم الشرع الشريف أحد سواهم، وقد وقعوا بهذا في اتهام المسلمين جميعًا بالبدعة وبطلان عباداتهم المختلفة كليًا.

أولًا: القاعدة الأصولية تقول إن الترك ليس دليلًا على التحريم.

وهذا أجمع عليه العلماء، فلا يعني ترك الصحابة لأمر أنه حرام، فلا تحريم إلا بنص.

وكتب تاريخ التشريع ممتلئة بأمثلة ما تركه الصحابة وهو غير محرم، وما اختلفوا على فعله وتركه، ولم يكفر أحدهم الآخر.

ثانيا: الصحابة – رضي الله عنهم – لم يكونوا يحتاجون لتذكر يوم مولد النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه كان حاضرًا في قلوبهم كل يوم، وكانوا يتعهدونه صلى الله عليه وسلم كل يوم، باتباعه في كل شيء، وكانت سنته حاضرة، والشرع الشريف متبع، بلا فتن ولا شبهات.

ولما طال الزمن وانتشرت الفتن احتاجت الأمة إلى المناسبات التي تعيدها من غفلتها، وتذكرها بالشرع الشريف، وتعريف النشئ بتعاليمه، ومنها التعريف بسيرة المصطفى خير خلق الله صلى الله عليه وسلم، وشمائله.

ثالثا: المشكلة هنا تكمن في الخلط وعدم فهم الفرق بين العبادة والوسيلة للعبادة.

وأكبر نموذج يوضح هذه الإشكالية نجده في المساجد، ففي عصر النبوة لم تكن المساجد مفروشة بالسجاد، ولا مضاءة بالكهرباء، ومع اتساع المدن احتاج المسلمون لبناء المآذن لتوصيل صوت الأذان لأكبر مساحة من العمران، ومع تطور حركة الحياة فرش المسلمون المساجد بالسجاد، ومع اكتشاف الكهرباء استخدموها لإنارة المساجد، واستعملوا مكبرات الصوت.

ومع تغير خريطة العمران وتخطيط الطرقات، لم يعد المحراب والقبلة متوازيًا مع الحائط، فاحتاج البعض لوضع شريط على الأرض لتحديد اتجاه القبلة.

وجدير بالذكر أن كل ذلك يحكم عليه المتشددون بأنه بدعة، على الرغم من أن كل ذلك وسيلة للعبادة وليس عبادة.

وكذلك الاحتفال بالمولد النبوي، فلم يقل أحد أنه عبادة واجبة، وإنما هو وسيلة للعبادة، حبًا في رسول الله صلى الله عليه وسلم واتباعه، فالاحتفال بالمولد النبوي هو تذكير بالنبي صلى الله عليه وسلم، وسيرته المطهرة، وسنته الشريفة، وتذكير بها، وتعليم للأجيال الجديدة بكيفية اتباعه صلى الله عليه وسلم.

فهل أصبح حب رسول الله صلى الله عليه وسلم بدعة؟!!!

اللهم صلّ وسلم وبارك على نبينا وحبيبنا وقدوتنا وطبيب قلوبنا سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

يتبع الجزء الثالث

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *