
خطبة بعنوان ( لا تغلوا فى دينكم ٠٠ وما كان الرفق فى شئ إلا زانه )
لفضيلة الشيخ / ياسر عبدالبديع
بتاريخ / 14 من صفر 1447 هجرية – 8 من أغسطس 2025 م
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ مِلْءَ السَّمَوَاتِ وَمِلْءَ الْأَرْضِ وَمَلْءَ مَابَيْنَهُمَا وَمُلْءَ مَاشِئْتَ يَارِبُ مِنْ شَئٍّ بَعْدَ أَهْلِ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ أَحَقُّ مَاقَالَ الْعَبْدُ وَكُلُّنَا لَكَ عَبْدٌ اللَّهُمَّ لَامُعْطَى لِمَا مَنَعْتَ وَلَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ وَنَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ
سَبْحَانُكَ اللَّهُمَّ خَيْرَ مُعَلِّمٍ عَلَّمْتَ بِالْقَلَمِ الْقُرُونَ الْأُولَى أَخْرَجْتَ هَذَا الْعَقْلَ مِنْ ظُلُمَاتِهِ وَهَدَيَتَهُ النُّورَ الْمُبِينَ سَبِيلًا وَأَرْسَلْتَ بِالتَّوْرَاةِ مُوسَى مُرْشِدًا وَابْنَ الْبَتُولِ فَعَلَّمَ الْإِنْجِيلَا وَفَجَرَتْ يَنْبُوعَ الْبَيَانِ مُحَمَّدًا فَسَقَى الْحَدِيثَ وَنَاوَلَ التَّنْزِيلَا
وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا وَمُصْطَفَانَا سَيِّدَنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبِيًّا وَرَسُولًا أُوصِيكُمْ وَنَفْسَى بِتَقْوَى اللَّهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُو اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحُ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرُ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا أُحَدِّثُكُمْ الْيَوْمَ عَنْ مَوْضُوعٍ تَحْتَ عُنْوَانِ
لا تغلوا فى دينكم : وما كان الرفق فى شئ إلا زانه
العُنْصُرُ الْأَوَّل : خَلَق الرِّفْق وَفَضْلِه
فَأَنَّ لِلَّهِ يُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطَى عَلَى غَيْرُهُ،
عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:
“مَنْ أَعْطَى حَظَّهُ مِنْ الرِّفْقِ، فَقَدْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنْ الْخَيْرِ، وَمَنْ حَرَّمَ حَظَّهُ مِنْ الرِّفْقِ، فَقَدْ حَرَّمَ حَظَّهُ مِنْ الْخَيْرِ”.
لَا تَكَادُ سَاحَة مِنْ سَاحَات الْإِسْلَامِ إلَّا وَلِلرِّفْق فِيهَا النَّصِيبُ الْأَكْبَر وَالْحَظّ الْأَوْفَر، سَوَاءٌ عَلَى مُسْتَوَى التَّشْرِيع الْفِقْهِيّ أَوْ فِي جَانِبِ الْعَلَاقَاتِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ أَوِ فِي الْمُعَامَلَةِ حَتَّى مَعَ الْخُصُومِ وَالْأَعْدَاء أَوْ فِي غَيْرِهَا مِنْ الْمَوَاطِنِ، هَذَا فَضْلًا عَنْ أَنَّهُ تَعَالَى عَرَفَ نَفْسَهُ لِعِبَادِه بِأَنَّه الرَّفِيقَ الَّذِي يُحِبُّ الرِّفْقَ، وَكَانَ رَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَبْرَاسا فِي هَذَا الشَّأْنِ مَا لَمْ تُنْتَهَكْ حُرْمَةُ مَنْ حُرُمَات اللَّهُ.
كُلَّ هَذَا الِارْتِبَاطَ الوَثِيقِ بَيْنَ الْإِسْلَامِ وَالرِّفْق جُعِلَ مِنْهُ بِحَقٍّ دِينُ الرَّحْمَةِ وَالسَّمَاحَة مَهْمَا تَعَسُّف المُغْرِضُون فِي وَصْمَة بِالْعُنْف وَالْإِرْهَاب.
أَنَّ الرِّفْقَ ضِدُّ الْعُنْفِ وَهُوَ لَيِّنٌ الْجَانِب وَاللُّطْفِ فِي أَخْذِ الْأَمْر بِأَحْسَنِ الْوُجُوهِ وَأَيْسَرِهَا، قَالَ تَعَالَى: { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ، وَلَوْ كُنْتُ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ، فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ، فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ } (الِ عِمْرَانَ: 159) فَالنَّاسُ فِي حَاجَةٍ إلَى كَنَفٍ رَحِيم وَإِلَى رِعَايَة فَائِقَة وَإِلَى بَشَاشَة سَمْحَة وَإِلَى وَدّ يَسَعُهُمْ وَحِلْم لَا يُضَيِّقُ بِجَهْلِهِمْ وَضَعْفِهِمْ وَنَقَصَهُمْ .. فِي حَاجَةٍ إلَى قَلْبِ كَبِير يُعْطِيهِمْ وَلَا يَحْتَاجُ مِنْهُمْ إلَى عَطَاءٍ وَيُحْمَل هُمُومُهُمْ وَلَا يَعْنِيهِمْ بَهْمَة وَيَجِدُون عِنْدَهُ دَائِمًا الِاهْتِمَام وَالرِّعَايَة وَالْعَطْف وَالسَّمَاحَة وَالْوُدّ وَالرِّضَاء …وَهَكَذَا كَانَ قَلْبُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهَكَذَا كَانَتْ حَيَاتُهُ مَعَ النَّاسِ.
وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: { وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } (الشُّعَرَاء:21) (فَهُو اللِّين وَالتَّوَاضُع وَالرِّفْقُ فِي صُورَةِ حِسِّيَّة مُجَسِّمَة، صُورَةُ خَفْضُ الْجَنَاحِ كَمَا يَخْفِض الطَّائِر جَنَاحَيْه حِين يَهُمّ بِالْهُبُوط وَكَذَلِكَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَعَ الْمُؤْمِنِينَ طِوَال حَيَاتِهِ).
وَقَالَ أَيْضًا: { وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا }(الْفُرْقَان:63) الْهُون: مَصْدَر إلَهَيْن وَهُوَ مِنْ السَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ، أَيْ: يَمْشُونَ حُلَمَاء مُتَوَاضِعِين، وَقِيلَ لَا يَتَكَبَّرُونَ عَلَى النَّاسِ.
وَقَوْلُهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي هَذَا الْحَدِيثِ: ” مِنْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنْ الرِّفْقِ ” أَيْ نَصِيبَهُ مِنْهُ، ” فَقَدْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنْ الْخَيْرِ، وَمَنْ حَرَّمَ حَظَّهُ مِنْ الرِّفْقِ فَقَدْ حَرَّمَ حَظَّهُ مِنْ الْخَيْرِ” إذْ بِهِ تُنَالُ الْمَطَالِبُ الْأُخْرَوِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ وَبِفَوْتِه يَفُوتَان،
اعْلَمُوا أَنَّ الرِّفْقَ مِنْ الْأَخْلَاقِ الْعَظِيمَةِ، الَّتِي عَمِلَ بِهَا النَّبِيُّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وَحَثَّ عَلَيْهَا وَرَغَّبَ فِيهَا.
* فَعَنْ عَائِشَةَ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا – أَنَّ النَّبِيَّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ لَهَا: “أَنَّهُ مِنْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنْ الرِّفْقِ فَقَدْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنْ خَيْرٍ الدُّنْيَا وَالْاخِرَةِ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ، وَحُسْنُ الْخُلُقِ، وَحُسْنُ الْجِوَارِ يَعْمُرَانِ الدِّيَارَ وَيَزِيدَانِ فِي الْأَعْمَار”
فَقَدْ عَظَّمَ النَّبِيُّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – شَأْنَ الرِّفْقَ فِي الْأُمُورِ كُلِّهَا، وَبَيْنَ ذَلِكَ بِفِعْلِهِ وَقَوْلِهِ بَيَانًا شَافِيًا كَافِيًا؛ لِكَيْ تَعْمَل أَمَتَه بِالرِّفْقِ فِي أُمُورِهَا كُلِّهَا، وَخَاصَّةٌ الدُّعَاةِ إلَى اللَّهِ – عَزَّ وَجَلَّ -؛ فَإِنَّهُمْ أَوْلَى النَّاسِ بِالرِّفْقِ فِي دَعْوَتُهُمْ، وَفِي جَمِيعِ تَصَرُّفَاتِهِمْ، وَأَحْوَالِهِمْ. وَهَذَا الْحَدِيثُ السَّابِقُ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَحَادِيثِ الَّتِي سَتَأْتِي تَبَيَّنَ فَضْلُ الرِّفْقِ، وَالْحَثِّ عَلَى التَّخَلُّقِ بِهِ، وَبِغَيْرِهِ مِنْ الْأَخْلَاقِ الْحَسَنَةِ، وَذَمّ الْعُنْف وَذَمِّ مَنْ تَخَلَّقَ بِه.
فَالرِّفْق سَبَبٌ لِكُلِّ خَيْرٍ؛ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِهِ مِنْ الْأَغْرَاضِ وَيَسْهُل مِنْ الْمَطَالِبِ، وَمَنْ الثَّوَابِ مَا لَا يَحْصُلُ بِغَيْرِهِ، وَمَا لَا يَأْتِي مِنْ ضِدِّهِ
* وَقَدْ حَذَّرَ النَّبِيُّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – مِنْ الْعُنْف، وَعَنْ التَّشْدِيدِ عَلَى أُمَّتِهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَعَنْ عَائِشَةَ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا – قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يَقُولُ فِي بَيْتِي هَذَا: “اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ، فَاشْقُقْ عَلَيْهِ، وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ” وَكَانَ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – إِذَا أَرْسَلَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ فِي بَعْضِ أُمُورِهِ أَمَرَهُمْ بِالتَّيْسِير وَنَهَاهُمْ عَنْ التَّنْفِيرِ، فَعَنْ أَبِي مُوسَى – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – إِذَا بَعَثَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ فِي بَعْضِ أُمُورِهِ قَالَ: “بَشِّرُوا وَلَا تُنَفِّرُوا، وَيَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا”
وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “إِذَا أَرَادَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- بِأَهْلِ بَيْتٍ خَيْرًا أَدْخَلَ عَلَيْهِمْ الرِّفْق”
وَقَالَ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – لِأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَمُعَاذٍ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا – حِينَمَا بَعَثَهُمَا إلَى الْيَمَنِ: “يَسِّرَا وَلَا تُعَسِّرَا، وَبَشِّرَا وَلَا تُنَفِّرَا، وَتَطَاوَعَا وَلَا تَخْتَلِفَا”
وَعَنْ أَنَسٍ بْنِ مَالِكٍ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “يَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا، وَبَشِّرُوا وَلَا تَنْفِرُوا”
فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الأَمْرِ بِالتَّيْسِيرِ وَالنَّهْيِ عَنْ التَّنْفِيرِ، وَقَدْ جَمَعَ النَّبِيُّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ بَيْنَ الشَّيْءِ وَضِدِّهِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَفْعَلُ التَّيْسِيرِ فِي وَقْتِ وَالتَّعْسِير فِي وَقْتِ، وَيُبَشِّر فِي وَقْتِ وَيَنْفِرُ فِي وَقْتِ اخَرَ فَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى يَسِّرُوا لِصِدْقِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَسَّرَ مَرَّةً أَوْ مَرَّاتٍ، وَعَسُر فِي مُعْظَمِ الْحَالَات، فَإِذَا قَالَ وَلَا تُعَسِّرُوا انْتَفَى التَّعْسِير فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ مِنْ جَمِيعِ وُجُوهِهِ وَهَذَا هُوَ الْمَطْلُوبُ. وَكَذَا يُقَالُ فِي يَسِّرَا وَلَا تُعَسِّرَا، وَبَشِّرَا وَلَا تُنَفِّرَا، وَتَطَاوَعَا وَلَا تَخْتَلِفَا؛ لِأَنَّهُمَا قَدْ يَتَطَاوَعَان فِي وَقْتِ وَيَخْتَلِفَانِ فِي وَقْتِ وَقَدْ يَتَطَاوَعَان فِي شَيْءٍ وَيَخْتَلِفَانِ فِي شَيْءٍ، وَالنَّبِيُّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَدْ حَثّ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَفِي غَيْرِهَا عَلَى التَّبْشِير بِفَضْلِ اللَّهِ وَعَظِيمِ ثَوَابِهِ، وَجَزِيلِ عَطَائِه، وَسَعَةِ رَحْمَتِهِ، وَنَهَى عَنْ التَّنْفِيرِ بِذِكْر التَّخْوِيف وَأَنْوَاع الْوَعِيد مَحْضَةٌ مِنْ غَيْرِ ضَمَّهَا إلَى التَّبْشِير، وَهَذَا فِيهِ تَأْلِيفٌ لِمَنْ قَرُبَ إسْلَامُهُ وَتَرْكُ التَّشْدِيدِ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ مَنْ قَارَبَ الْبُلُوغَ مِنْ الصِّبْيَانِ، وَمَنْ بَلَغَ، وَمَنْ تَابَ مِنْ الْمَعَاصِي كُلُّهُمْ يَنْبَغِي أَنْ يَتَدَرَّجَ مَعَهُمْ وَيَتَلَطَّفُ بِهِمْ فِي أَنْوَاعِ الطَّاعَاتِ قَلِيلًا قَلِيلًا، وَقَدْ كَانَتْ أُمُورِ الْإِسْلَامِ فِي التَّكْلِيفِ عَلَى التَّدْرِيجِ فَمَتَى يَسَّرَ عَلَى الدَّاخِلِ فِي الطَّاعَةِ، أَوْ الْمُرِيدُ لِلدُّخُولِ فِيهَا سَهُلَتْ عَلَيْهِ وَكَانَتْ عَاقِبَتُهُ غَالِبًا الِازْدِيَاد مِنْهَا، وَمَتَى عَسُرَتْ عَلَيْه أَوْشَكَ أَنْ لَا يَدْخُلُ فِيهَا، وَإِنْ دَخَلَ أَوْشَكَ أَنْ لَا يَدُومُ وَلَا يَسْتَحْلِيَهَا وَهَكَذَا تَعْلِيمِ الْعِلْمِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بِالتَّدْرِيج؛ وَلِهَذَا كَانَ النَّبِيُّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يَتَخَوَّل أَصْحَابِه بِالْمَوْعِظَةِ فِي الْأَيَّامِ كَرَاهَة السَّامَة عَلَيْهِمْ
فَصَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ فَقَدْ دَلَّ أُمَّتَهُ عَلَى كُلِّ خَيْرٍ وَحَذَرُهُمْ مِنْ كُلِّ شَرٍّ، وَدَعَا عَلَى مَنْ شَقَّ عَلَى أُمَّتِهِ، وَدَعَا لِمَنْ رِفْقٌ بِهِمْ كَمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ وَهَذَا مِنْ أَبْلَغِ الزَّوَاجِرِ عَنْ الْمَشَقَّةِ عَلَى النَّاسِ، وَأَعْظَمُ الْحَثِّ عَلَى الرِّفْقِ بِهِمْ
* وَكَانَ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – رَفِيقًا يُحِبُّ الرِّفْقَ وَيَعْمَلُ بِهِ. وَمَنْ الْأَمْثِلَة الْعَظِيمَةِ الَّتِي تَبَيَّنَ فَضْلُ الرِّفْقِ وَعُلُوِّ مَنْزِلَتِهِ مَا ثَبَتَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – قَالَ: إنْ فَتًى شَابًّا أَتَى النَّبِيَّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا، فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ فَزَجَرُوهُ، وَقَالُوا لـة: مَهْ مَهْ! فَقَالَ لـة: “ادْنُهْ”، فَدَنَا مِنْهُ قَرِيبًا، قَالَ: “أَتُحِبُّهُ لأُمِّكَ؟” قَالَ: لَا وَاَللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: “وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأُمَّهَاتِهِمْ”. قَالَ: “أَفَتُحِبُّهُ لِابْنَتِكَ؟” قَالَ: لَا وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: “وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ”. قَالَ: “أَفَتُحِبُّهُ لِأُخْتِكَ؟” قَالَ: لَا وَاَللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: “وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأَخَوَاتِهِمْ”. قَالَ: “أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ؟” قَالَ: لَا وَاَللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: “وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ”. قَالَ: “أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ؟” قَالَ: لَا وَاَللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: “وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالَاتِهِمْ”. قَالَ: فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ، وَقَالَ: “اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ، وَطَهِّرْ قَلْبَهُ، وَحَصِّنْ فَرْجَهُ”، فَلَمْ يَكُنْ بَعْدَ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إلَى شَيْءٍ
وَهَذَا الْمَوْقِفُ الْعَظِيمِ مِمَّا يُؤَكِّدُ عَلَى الدُّعَاةِ إلَى اللَّهِ – عَزَّ وَجَلَّ – أَنْ يَعْتَنُوا بِالرِّفْق وَالْإِحْسَانِ إلَى النَّاسِ، وَلَاسِيَّمَا مَنْ يَرْغَبُ فِي اسْتِئْلَافِهِمْ لِيُدْخَلُوا فِي الْإِسْلَامِ، أَوْ لِيَزِيد أَيْمَانِهِمْ وَيُثْبِتُوا عَلَى إسْلَامِهِمْ.
وَكَمَا يُبَيِّنْ لَنَا الرَّسُولِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – الرِّفْقَ بِفِعْلِه بَيَّنَهُ لَنَا بِقَوْلِهِ وَأَمَرَنَا بِالرِّفْقِ فِي الْأَمْرِ كُلُّه.
* وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى عِظَمِ الرِّفْق وَعُلُوِّ مَنْزِلَتِهِ مَا ثَبَتَ عَنْ عَائِشَةَ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا – أَنَّهَا قَالَتْ: دَخَلَ رَهْطٌ مِنْ الْيَهُودِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكُمْ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَفَهِمْتُهَا فَقُلْتُ: وَعَلَيْكُمْ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ. قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “مَهْلًا يَا عَائِشَةُ أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الْأَمْرِ كُلِّهِ”، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوْ لَمْ تُسْمَعْ مَا قَالُوا؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “قَدْ قُلْت وَعَلَيْكُمْ”
وَقَالَ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “يَا عَائِشَةُ أَنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطَى عَلَى الْعُنْفِ، وَمَا لَا يُعْطَى عَلَى مَا سِوَاهُ”
وَقَالَ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “أَنْ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إلَّا زَانَهُ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إلَّا شَأْنُهُ”
وَبَيْنَ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أَنْ مَنْ حَرَّمَ الرِّفْقِ فَقَدْ حَرَّمَ الْخَيْرِ، قَالَ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “مِنْ يَحْرُمُ الرِّفْقَ يُحْرَمْ الْخَيْرِ”
وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – عَنْ النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ: “مَنْ أَعْطَى حَظَّهُ مِنْ الرِّفْقِ فَقَدْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنْ الْخَيْرِ، وَمَنْ حَرَّمَ حَظَّهُ مِنْ الرِّفْقِ فَقَدْ حَرَّمَ حَظَّهُ مِنْ الْخَيْرِ” وَعَنْهُ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – يَبْلُغُ بِهِ قَالَ: “مَنْ أَعْطَى حَظَّهُ مِنْ الرِّفْقِ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنْ الْخَيْرِ، وَلَيْسَ شَيْءٌ أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مِنْ الْخَلْقِ الْحَسَنِ”
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِلنَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ﴿ وَلَوْ كُنْتُ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾ [الِ عِمْرَانَ: 159]
العُنْصُرُ الثَّانِي : مَجَالَات الرِّفْق
فَإِنْ لِلرِّفْق مَجَالَات مُتَعَدِّدَة وَمِنْهَا
الرِّفْقَ فِي دَعْوَةِ الْكُفَّارِ:
قَالَ تَعَالَى لِمُوسَى وَهَارُونَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ: ﴿ اذْهَبَا إلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ﴾ [طَه: 43، 44]، وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: (أَنَّ يَهُودَ أَتَوْا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكُمْ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: عَلَيْكُمْ، وَلَعَنكم اللَّهُ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَهْلًا يَا عَائِشَةُ، عَلَيْكِ بِالرِّفْقِ، وَإِيَّاكِ وَالْعُنْفَ وَالْفُحْشَ»، قَالَتْ: أَوْلَمَ تَسْمَعُ مَا قَالُوا؟ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَوْلَمَ تَسْمَعِي مَا قُلْت؟ رَدَدْت عَلَيْهِمْ، فَيُسْتَجَاب لِي فِيهِمْ وَلَا يُسْتَجَابُ لَهُمْ فِي») رُوَاةِ الْبُخَارِىّ.
الرِّفْقَ عِنْدَ مُعَاتَبَة الْمُخْطِئُ:
(عَنْ أَنَسٍ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: لَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبَّابًا وَلَا فَحَّاشًا وَلَا لَعَّانًا ) رَوَاه الْبُخَارِىّ.
الرِّفْق بِالنَّفْسِ:
قَالَ (عَبْدُ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا عَبْدَ اللَّهِ، أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ النَّهَارَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ؟»، فَقُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «فَلَا تَفْعَلْ، صُمْ وَأَفْطِرْ، وَقُمْ وَنَمْ، فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ بِحَسْبِكَ أَنْ تَصُومَ كُلَّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنْ لَكَ بِكُلِّ حَسَنَةٍ عَشْرَ أَمْثَالِهَا، فَإِنْ ذَلِكَ صِيَامُ الدَّهْرِ كُلِّهِ»، فَشَدَّدْتُ، فَشُدِّدَ عَلَيَّ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَجِدُ قُوَّةً، قَالَ: «فَصُمْ صِيَامَ نَبِىِّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَلَا تَزِدْ عَلَيْهِ»، قُلْت: وَمَا كَانَ صِيَامُ نَبِىِّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ؟ قَالَ: «نِصْفَ الدَّهْرِ»، فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَقُولُ بَعْدَمَا كَبَّرَ: يَا لَيْتَنِي قَبِلْتُ رُخْصَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رَوَاهُ الْبُخَارِىُّ.
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا مَلَأَ ادَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنِ، بِحَسْبِ ابْنِ ادَمَ أَكَلَاتٍ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فَإِنْ كَانَ لَا مَحَالَةَ: فَثُلُثُ لِطَعَامِهِ، وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ، وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَه.
الرِّفْق بِالزَّوْجَة وَالْأَوْلَادَ:
قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِأَهْلِ بَيْتٍ خَيْرًا أَدْخَلَ عَلَيْهِمْ الرِّفْقَ) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَجَوَّدَ إسْنَادَهُ الْحَافِظ الْعِرَاقِيّ.
وَ(عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ قَالَتْ: رَأَيْتُ كَأَنَّ فِي بَيْتِي عُضْوًا مِنْ أَعْضَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: فَجَزِعْتُ مِنْ ذَلِكَ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: خَيْرًا رَأَيْت، تَلِدُ فَاطِمَةُ غُلَامًا، فَتَكْفُلِينَهُ بِلَبَنِ ابْنِكِ قُثَمٍ، قَالَتْ: فَوَلَدَتْ حَسَنًا، فَأُعْطِيتُهُ فَأَرْضَعْتُهُ حَتَّى تَحَرَّكَ أَوْ فَطَمْتُهُ، ثُمَّ جِئْتُ بِهِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَجْلَسْتُهُ فِي حِجْرِهِ، فَبَالَ، فَضَرَبْتُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، فَقَالَ: ارْفُقِي بِابْنِي رَحِمَكِ اللَّهُ، أَوْ أَصْلَحَكِ اللَّهُ، أَوْجَعْتِ ابْنِي، قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اخْلَعْ إِزَارَكَ وَالْبَسْ ثَوْبًا غَيْرَهُ حَتَّى أَغْسِلَهُ، قَالَ: إنَّمَا يُغْسَلُ بَوْلُ الْجَارِيَةِ وَيُنْضَحُ بَوْلُ الْغُلَامِ) رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَجَوَّدَ إسْنَادَهُ ابْن حَجَرٌ.
وَ(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كُنَّا نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِشَاءَ، فَإِذَا سَجَدَ وَثَبَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ عَلَى ظَهْرِهِ، فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ أَخَذَهُمَا بِيَدِهِ مِنْ خَلْفِهِ أَخْذًا رَفِيقًا فَيَضَعُهُمَا عَلَى الْأَرْضِ، فَإِذَا عَادَ عَادَا، حَتَّى قَضَى صَلَاتَهُ أَقْعَدَهُمَا عَلَى فَخِذَيْهِ، قَالَ: فَقُمْتُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرُدُّهُمَا، فَبَرَقَتْ بَرْقَةٌ، فَقَالَ لَهُمَا: الْحَقَا بِأُمِّكُمَا، قَالَ: فَمَكَثَ ضووها حَتَّى دَخَلَا) رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيّ.
وَمِنْ الْأُمُورِ الَّتِي يَكَادُ يُجْمَعْ عَلَيْهَا عُلَمَاءُ التَّرْبِيَة: أَنَّ الطِّفْلَ إذَا عُومِلَ مَنْ قَبِلَ وَالدِّيَة وَمُرَبِّيه بِالْمُعَامَلَة القَاسِيَة، وَالتَّوْبِيخ الْقَارِع، وَالتَّحْقِير وَالِازْدِرَاء، وَالتَّشْهِير وَالسُّخْرِيَة، فَإِنْ رُدُود الْفِعْل سَتَظْهَرُ فِي سُلُوكِهِ وَخَلْقِه.
الرِّفْقُ بِمَنْ وَلاَّكَ اللَّهُ أَمْرَهُمْ مِنْ مُوَظَّفين وَغَيْرِهِمْ:
قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ، وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ) رَوَاهُ مُسْلِم.
رِفْق الْإِمَام بِالْمُصَلِّين:
(عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لأَتَأَخَّرُ عَنْ الصَّلَاةِ فِي الْفَجْرِ مِمَّا يُطِيلُ بِنَا فُلانٌ فِيهَا، فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَا رَأَيْتُهُ غَضِبَ فِي مَوْضِعٍ كَانَ أَشَدَّ غَضَبًا مِنْهُ يَوْمَئِذٍ، ثُمَّ قَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ، فَمَنْ أَمَّ النَّاسَ فَلْيَتَجَوَّزْ، فَإِنَّ خَلْفَهُ الضَّعِيفَ وَالْكَبِيرَ وَذَا الْحَاجَةِ) رَوَاهُ الْبُخَارِىُّ وَمُسْلِمٌ.
وَعَنْ أَنَسٍ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: (مَا صَلَّيْتُ وَرَاءَ إِمَامٍ قَطُّ أَخَفَّ صَلَاةً وَلَا أَتَمَّ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنْ كَانَ لَيَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَيُخَفِّفُ مَخَافَةَ أَنْ تُفْتَنَ أُمُّهُ) رَوَاه الْبُخَارِيُّ.
وَمِنْ مَجَالَات الرِّفْقَ فِي السَّنَةِ النَّبَوِيَّة: الرِّفْق بِالْغُرَبَاء
وَالْمُسَافِرِين: فَعَنْ (مَالِكٍ بْنِ الْحُوَيْرِثِ قَالَ: أَتَيْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ شَبَبَةٌ مُتَقَارِبُونَ، فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ لَيْلَةً، فَظَنَّ أَنَّا اشْتَقْنَا أَهْلَنَا، وَسَأَلَنَا عَمَّنْ تَرَكْنَا فِي أَهْلِنَا، فَأَخْبَرْنَاهُ، وَكَانَ رَفِيقًا رَحِيمًا، فَقَالَ: «ارْجِعُوا إِلَى أَهْلِيكُمْ، فَعَلَّمُوهُمْ وَمُرُوهُمْ، وَصَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي، وَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ، ثُمَّ لِيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ) رَوَاه الْبُخَارِىّ.
الرِّفْقَ فِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكِرُ:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: (أَنَّ أَعْرَابِيًّا بَالَ فِي الْمَسْجِدِ، فَثَارَ إِلَيْهِ النَّاسُ لِيَقَعُوا بِهِ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دَعُوهُ، وَأَهْرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ، أَوْ سِجِلًّا مِنْ مَاءٍ، فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ) رَوَاه الْبُخَارِىّ.
الرِّفْق بِالْمَيِّت:
فَمَنْ إكْرَامُ الْمَيِّتِ وَاحْتِرَامُهُ: الرِّفْقِ بِهِ حَالَ الْغُسْلِ، وَالْحَمْلِ، وَالدَّفْنِ، فَعَنْ (عَطَاءٍ قَالَ: حَضَرْنَا مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ جَنَازَةَ مَيْمُونَةَ بِسَرِفَ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هَذِهِ زَوْجَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا رَفَعْتُمْ نَعْشَهَا فَلَا تُزَعْزِعُوهَا وَلَا تُزَلْزِلُوهَا وَارْفُقُوا) رَوَاه الْبُخَارِىّ.
الرِّفْق بِالْحَيَوَان:
عَنِ الْمِقْدَادِ بْنِ شُرَيْحٍ قَالَ: (رَكِبْتُ عَائِشَةُ بَعِيرًا، فَكَانَتْ فِيهِ صُعُوبَةٌ، فَجَعَلَتْ تُرَدِّدُهُ – أَيْ: تَدْفَعُه بِشِدَّة- فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَلَيْكَ بِالرِّفْق) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَلَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعِيش الرِّفْق وَيَتَمَثَّل بِهِ فِي سَائِرِ أَحْوَالِهِ وَشُؤُون حَيَاتِهِ كَمَا قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: (مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ قَطُّ إِلَّا أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ اثِمًا فَإِنْ كَانَ اثِمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ)
الرِّفْقُ مَعَ الْأَهْل:
قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: مَا ضُرِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا قَطُّ بِيَدِهِ وَلَا امْرَأَةٌ وَلَا خَادِمًا إلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا نِيلَ شَيْءٌ مِنْهُ قَطُّ فَيَنْتَقِمَ مِنْ صَاحِبِهِ إلَّا أَنْ يُنْتَهَكَ شَيْءٌ مِنْ مَحَارِمِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ تَعَالَى). رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَكَانَتْ زَوْجَةً عَائِشَةُ إِذَا هَوِيَتِ شَيْئًا أَتْبَعَهَا إيَّاهُ مَا لَمْ يَكُنْ اثِمًا وَقَدْ أَذِنَ لَهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّظَرِ إلَى أَهْلِ الْحَبَشَةِ وَهُمْ يَلْعَبُونَ وَأَذِنَ لَهَا بِالْفَرَح وَاللَّعِب يَوْم الْعِيد.
الرِّفْقُ مَعَ الْخَادِم:
فَعَنْ أَنَسٍ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: (خَدَمْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ وَاَللَّهُ مَا قَالَ لِي أُفٍّ قَطُّ وَلَا قَالَ لِي لِشَيْءٍ لَمْ فَعَلْت كَذَا وَهَلَّا فَعَلْت كَذَا). رُوه مُسْلِم.
الرِّفْقُ مَعَ الْأَطْفَال:
فَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُؤْتَى بِالصِّبْيَانِ فَيُبَرِّكُ عَلَيْهِمْ وَيُحَنِّكُهُمْ وَيَدْعُو لَهُمْ). أَخْرَجَهُ الْبُخَارِىُّ. وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَزُورُ الْأَنْصَارَ وَيُسَلِّمُ عَلَى صِبْيَانِهِمْ وَيَمْسَحُ عَلَى رُؤُوسِهِمْ). رَوَاهُ النَّسَائِيُّ. وَكَانَ دَائِمًا يُقَبِّلُ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ وَيُلَاعِبُهُمَا. وَحَمَلَ أُمَامَةَ بِنْتَ زَيْنَبَ فِي الصَّلَاةِ رِفْقًا بِهَا.
الرِّفْقُ مَعَ السَّائِلُ:
قَالَ أَنَسٌ : (كُنْتُ أَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ بُرْدٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الْحَاشِيَةِ فَأَدْرَكَهُ أَعْرَابِيٌّ فَجَبَذَهُ بِرِدَائِهِ جَذْبَةً شَدِيدَةً فَنَظَرْتُ إِلَى صَفْحَةِ عَاتِقِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ أَثَّرَتْ بِهَا حَاشِيَةُ الرِّدَاءِ مِنْ شِدَّةِ جَذَبَتْه ثُمَّ قَالَ يَا مُحَمَّدُ مُرْ لِي مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي عِنْدَك فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ فَضَحِكَ ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ). مُتَّفَق عَلَيْه .
الرِّفْقَ فِي تَعْلِيمِ الْجَاهِلِ:
عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: (بَيْنَمَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ، فَقُلْتُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ. فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ فَقُلْتُ: وَاثُكْلَ أُمِّيَاهُ، مَا شَأْنُكُمْ تَنْظُرُونَ إلَيَّ فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي، لَكِنِّي سَكَتُّ، فَلَمَّا صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي، مَا رَأَيْت مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ، فَوَ اللَّهِ مَا كَهَرَنِى وَلاَ ضَرَبَنِى، وَلاَ شَتَمَنِى، قَالَ: إنْ هَذِهِ الصَّلَاةِ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، إنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ، وَقِرَاءَةُ الْقُرْانِ). رَوَاه النَّسَائِيّ.
الرِّفْقَ فِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : (بَالَ أَعْرَابِيٌّ فِي الْمَسْجِدِ فَقَامَ النَّاسُ إلَيْهِ لِيَقَعُوا فِيهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : دَعُوهُ وَأَرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ سَجْلًا مِنْ مَاءٍ أَوْ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ إنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ). رَوَاه الْبُخَارِىّ.
الرِّفْقُ مَعَ الْعَاصِي التَّائِبِ:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَتْ، قَالَ مَا لَكَ قَالَ وَقَعَتْ عَلَى امْرَأَتِي وَأَنَا صَائِمٌ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ تَجِدُ رَقَبَةً تُعْتِقُهَا قَالَ: لَا قَالَ فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟ قَالَ: لَا فَقَالَ فَهَلْ تَجِدُ إطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا قَالَ لَا فَمَكَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَبَيْنَمَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ وَالْعَرَقُ الْمِكْتَلُ فَقَالَ: أَيْنَ السَّائِلُ فَقَالَ: أَنَا فَقَالَ: خُذْهُ فَتَصَدَّقْ بِهِ). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَكَذَلِكَ رُفْقَةٌ مَعَ الرَّجُلِ الَّذِي قَبْلَ امْرَأَةً وَجَاءَ نَادِمًا فَبَيَّنَ لَهُ أَنْ الصَّلَاةُ كَفَّارَةً لِذَنْبِهِ وَلَمْ يُعَنِّفْ عَلَيْهِ وَهَذَا ثَابِتٌ فِي الصَّحِيحِ.
العُنْصُرُ الثَّالِث : فَوَائِد الرِّفْق وَثِمَارِه:
عَلَيْكُمْ بِالرِّفْقِ فَإِنَّهُ خَلَقَ عَظِيم، نَتَائِجِه عَظِيمَة، وَفَوَائِدِه كَثِيرَةٌ: فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَا عَائِشَةُ أَنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطَى عَلَى الْعُنْفِ، وَمَا لَا يُعْطَى عَلَى مَا سِوَاه ».
* الرِّفْق زِينَة كُلّ شَيْءٍ؛
مَا حَلَّ فِي شَيْءٍ إلَّا زَانَهُ وَجُمْلَة وَحَبَّبَهُ إلَى النُّفُوسِ وَالْأَبْصَار، وَمَا نَزَعْ مِنْ شَيْءٍ إلَّا شَانَهُ وَنَفَرَ مِنْهُ القُلُوبُ وَالْأَرْوَاح: فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إنْ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إلَّا زَانَهُ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إلَّا شَأْنُه».
* بِالرِّفْق بِالْعِبَاد يَنَال الرِّفْق وَالتَّجَاوُزِ مِنْ اللَّهُ؛
فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي بَيْتِي هَذَا: «اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ، وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ».
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَلَقَّتْ الْمَلَائِكَةُ رُوحَ رَجُلٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَقَالُوا: أَعَمِلْتَ مِنَ الْخَيْرِ شَيْئًا؟ قَالَ: لَا. قَالُوا: تُذْكَرُ. قَالَ: كُنْتُ أُدَايِنُ النَّاسَ، فَامُرُ فِتْيَانِي أَنْ يَنْظُرُوا الْمُعْسِرَ، وَيَتَجَوَّزُوا عَنِ الْمُوسِرِ، – قَالَ – قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: تَجَوَّزُوا عَنْهُ».
* الرِّفْقُ هُوَ الْخَيْرُ كُلُّهُ؛
مِنْ أُوتِيَه فَقَدْ حَازَ الْخَيْرَ كُلَّهُ، وَمِنْ حُرْمَةِ حُرِمَ الْخَيْرَ كُلَّهُ: فَقَدْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: « مَنْ أَعْطَى حَظَّهُ مِنْ الرِّفْقِ فَقَدْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنْ الْخَيْرِ، وَمِنْ حَرَمِ حَظَّهُ مِنْ الرِّفْقِ فَقَدْ حَرَّمَ حَظَّهُ مِنْ الْخَيْر».
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ جَرِيرٍ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ يَحْرُمُ الرِّفْقَ يُحْرَمْ الْخَيْر».
وَأَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا: «يَا عَائِشَةُ؛ ارْفُقِي، فَإِنَّ اللَّهَ إذَا أَرَادَ بِأَهْلِ بَيْتٍ خَيْرًا دَلَّهُمْ عَلَى بَابِ الرِّفْقِ». وَفِي رِوَايَةٍ: «إذَا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِأَهْلِ بَيْتٍ خَيْرًا أَدْخَلَ عَلَيْهِمْ الرِّفْق».
* الرِّفْق طَرِيقٌ إلَى الْفَوْزِ بِالْجَنَّةِ وَالنَّجَاةَ مِنْ النَّارِ؛
فَقَدْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إلَّا أُخْبِرُكُمْ بِمَنْ يَحْرُمُ عَلَى النَّارِ، أَوْ بِمَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ النَّارَ؟ عَلَى كُلِّ قَرِيبٍ هَيِّنٍ سَهْل».
وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ الْمُجَاشِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ فِي خُطْبَتِهِ: «أَلَا إنَّ رَبِّي أَمَرَنِي أَنْ أُعَلِّمَكُمْ مَا جَهِلْتُمْ… ثُمَّ قَالَ: «وَأَهْلُ الْجَنَّةِ ثَلاَثَةٌ: ذُو سُلْطَانٍ مُقْسِطٌ مُتَصَدِّقٌ مُوَفَّقٌ، وَرَجُلٌ رَحِيمٌ رَقِيقُ الْقَلْبِ لِكُلِّ ذِي قُرْبَى وَمُسْلِمٍ، وَعَفِيفٌ مُتَعَفِّفٌ ذُو عِيَالٍ».
وَمَنْ فَوَائِدِ الرِّفْق أَيْضًا