في رؤية سيدنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقظةً ومناماً

إعداد أ : مصطفى خاطر
المقال الحادى والخمسون من سلسلة ( شبهات حول قضايا التصوف )

 

رؤية النبى صلى الله عليه وسلم فى اليقظة :

قال الإمام الحافظ جلال الدين الأسيوطي المصري الشافعي فى رسالة ( تنويرالحالك في إمكان رؤية النبي و الملك ) :الحمد لله وسلامعلى عباده الذين اصطفى وبعدفقد كثر السؤال عن رؤية أرباب الأحوال للنبيeفي اليقظة وإن طائفة من أهل العصر ممن لا قدم لهم في العلمبالغوا في إنكار ذلك والتعجب منه وادعوا أنه مستحيل فألفت هذه الكراسة في ذلكوسميتها تنوير الحلك في إمكان رؤية النبي والملك ونبدأ بالحديث الصحيح الوارد فيذلك : أخرج البخاري ومسلم وأبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله “eمن رآني في المنام فسيراني في اليقظة ولا يتمثل الشيطان بي  “وأخرج الطبراني مثله من حديث مالك بن عبد الله الخثعمي ومن حديث أبي بكرة ، وأخرجالدارمي مثله من حديث أبي قتادة .

قال العلماء اختلفوا في معنى قوله فسيراني فياليقظة فقيل معناه فسيراني في القيامة وتعقب بأنه بلا فائدة في هذا التخصيص لأن كل أمته يرونه يوم القيامة من رآه منهم ومن لم يره ، وقيل المراد من آمن به في حياتهولم يره لكونه حينئذ غائبا عنه فيكون مبشرا له أنه لا بد أن يراه في اليقظة قبلموته ، وقال قوم هو على ظاهره فمن رآه في النوم فلا بد أن يراه في اليقظة يعنيبعيني رأسه وقيل بعين في قلبه حكاهما القاضي أبو بكر ابن العربي، وقال الإمام أبومحمد بن أبي جمرة في تعليقه على الأحاديث التي انتقاها من البخاري : هذا الحديث يدلعلى أنه من رآه صلى الله عليه وسلم  في النوم فسيراه في اليقظة وهل هذا على عمومه فيحياته وبعد مماته أو هذا كان في حياته وهل ذلك لكل من رآه مطلقا أو خاص بمن فيهالأهلية والإتباع لسنته عليه السلام اللفظ يعطى العموم ومن يدعي الخصوص فيه بغيرمخصص منه صلى الله عليه وسلم فمتعسف قال وقد وقع من بعض الناس عدم التصديق بعمومه وقال على ما أعطاه عقله وكيف يكون من قد مات يراه الحي في عالم الشاهد .

وقد حقق هذه الرؤية الإمام الغزالى رضى الله عنه فى كتابه ( المنقذ من الضلال ) وقد ذكر بأن الصوفية وهم فى يقظتهم يشاهدون الملائكة وأرواح الأنبياء ويسمعون منهم ويقتبسون منهم فوائد

وقد جوز ذلك القاضى أبو بكر بن العربى فى كتابه : ( قانون التأويل ) وقال : رؤية الأنبياء والملائكة وسماع كلامهم ممكن للمؤمن  كرامة وللكافر عقوبة

وقد حقق ذلك أيضًا ابن الحاج فى كتاب ( المدخل  )

الإمام القرطبي يقسم بالله أنه رأي النبي صلى الله عليه وسلم يقظة فيقول (رايته والله في اليقظة )

قال رحمه الله تعالى ما نصه:…قد قررنا أنَّ المدركَ في المنام أمثلةٌ للمرئيات لا نفس المرئيات ، غير أنَّ تلك الأمثلة تارة تكون مطابقةً لحقيقة المرئيِّ ، وقد لا تكون مطابقة . ثمَّ المطابقة قد تظهر في اليقظة على نحو ما أدركتَ في النوم ، كما قد ص…حَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لعائشة: ” أُريتُكِ في سَـرَقَـةٍ مِن حرير ، فإذا هي أنتِ ” ومعناه: أنه رآها في نومه على نحو ما رآها في يقظته

قلتُ: وقد وقع لي هذا مرات .

منها: أني لمَّا وصلتُ إلى تونس قاصداً إلى الحج سمعتُ أخباراً سيِّئة عن البلاد المصرية مِن جهة العدوِّ الذي غلب على دمياط فعزمتُ على المقام بتونس إلى أنْ ينجلي أمر العدو ، فأُريتُ في النوم كأني في مسجد النَّبي صلى الله عليه وسلم وأنا جالسٌ قريباً مِن منبره ، وأُناس يُسلِّمون على النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، فجاءني بعض من سلَّم عليه ، فانتهرني وقال: قُمْ فسلِّمْ على النبي صلى الله عليه وسلم ، فقمتُ فشرعتُ في السلام على النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، فاستيقظت ، وأنا أسلِّم عليه ، فجدَّد الله لي عزماً ويسَّر عليَّ فيما كان قد صعبَ مِن أسبابي ، وأزال عنِّي ما كنتُ أتخوَّفه مِن أمر العدو ، وسافرتُ إلى أنْ وصلت إلى الإسكندرية عن مدة مقدارها ثلاثون يوماً في كتف السلامة ، فوجدتها والديار المصرية على أشدّ خوفٍ ، وأعظم كربٍ ، والعدو قد استفحل أمره ، وعظمت شوكته ، فلم أُكمل في الإسكندرية عشرة أيامٍ حتَّى كسر الله العدو ، ومكَّن منه مِن غير صُنْع أحدٍ من المخلوقين ، بل: بلطف أكرم الأكرمين ، وأرحم الراحمين . ثمَّ: إنَّ الله تعالى كمَّل عليَّ إحسانه وإنعامه ؛ وأوصلني بعد حجِّ بيته إلى قبر نبيه ومسجده ، فرَأَيتـُـهُ وَاللـَّهِ في اليقظة على النَّحو الذي رأيته في المنام مِنغير زيادة ولا نقصان. انتهى([1])

إمام جليل كبير فقيه محدِّث شهد له كالحافظ الجهبذ الذهبي ، والحافظ الكبير ابن حجر العسقلاني وغيرهما .. يقول ( فرَأَيتـُـهُ وَاللـَّـهِ فـي اليقظـة )

يُقْسِمُ الإمام بالله تعالى , فحاشا أنْ نتجرأ ونقول ( كذب الإمام ) نعوذ بالله مِن ذلك

في رؤية سيدنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقظةً ومناماً

ابْنُ سَمْعُونَ الْوَاعِظُ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ سَمْعُونَ الْوَاعِظُ، أَحَدُ الصلحاء والعلماء، كان يُقَالُ لَهُ النَّاطِقُ بِالْحِكْمَةِ، رَوَى عَنْ أَبِي بكر بن دَاوُدَ وَطَبَقَتِهِ، وَكَانَ لَهُ يَدٌ طُولَى فِي الْوَعْظِ وَالتَّدْقِيقِ فِي الْمُعَامَلَاتِ، وَكَانَتْ لَهُ كَرَامَاتٌ ومكاشفات، كان يوماً يعظ عَلَى الْمِنْبَرِ وَتَحْتَهُ أَبُو الْفَتْحِ بْنُ الْقَوَّاسِ، وَكَانَ مِنَ الصَّالِحِينَ الْمَشْهُورِينَ، فَنَعَسَ ابْنُ الْقَوَّاسِ فَأَمْسَكَ ابْنُ سَمْعُونَ عَنِ الْوَعْظِ حَتَّى اسْتَيْقَظَ،

فَحِينَ اسْتَيْقَظَ , قَالَ ابْنُ سَمْعُونَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَنَامِكَ هَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ!

قَالَ: فَلِهَذَا أَمْسَكْتُ عَنِ الْوَعْظِ حَتَّى لَا أُزْعِجَكَ عَمَّا كُنْتَ فِيهِ.([2])

([1]) ( المُفْهِم ) لِما أشكل مِن تلخيص كتاب مسلم ج6ص24-25
([2])البداية والنهاية ط إحياء التراث 11 370

اترك تعليقاً