خطبة بعنوان ( مِنْ دُرُوسِ الْهِجْرَةِ: إِفْشَاءُ السَّلَامِ )
للشيخ : محمد سيد حسين عبد الواحد
العناصر الأساسية.
العنصر الأول : ما وراء الحدث.
العنصر الثاني : أفشوا السلام بينكم.
العنصر الثالث: المسلم من سلم الناس من أذاه.
العنصر الرابع: المجاملة في الحق سبب هلاك الأمم.
الموضوع.
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْمُؤْمِنُونَ أَحْبَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأَيَّامِ مِنْ كُلِّ عَامٍ وَقَدْ حَضَرَ الْحَدِيثُ عَنْ هِجْرَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَا نَكْتَفِي بِأَنْ نَسْرُدَ الْحَدَثَ، وَلَا أَنْ نَذْكُرَ الْمَوْقِفَ وَفَقَطْ، بَلْ إِنَّ غَايَةَ مَا يَعْنِينَا هُوَ: (اَلدَّرْسُ الْمُسْتَفَادُ مِنْ الْحَدَثِ) الْغَرَضُ أَنْ نَتَعَلَّمَ مِنْ الْمَوْقِفِ الَّذِي وَقَعَ، وَمِنْ الْقَرَارِ الَّذِي اتُّخِذَ، وَمِنْ الْخُطْوَةِ الَّتِي خَطَاهَا، وَمِنْ التَّرْتِيبِ الَّذِي رَتَّبَهُ، وَمِنْ الْكَلِمَةِ الَّتِي قَالَهَا النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ…
وَبَيْنَمَا نَحْنُ نَتَحَدَّثُ عَنْ الْهِجْرَةِ يَقْفِزُ عَلَى سَطْحِ الْحَدِيثِ دَرْسٌ مُسْتَفَادٌ مِنْهَا وَهُوَ: بَيَانُ أَنَّ الْإِسْلَامَ دِينُ سَلَامٍ..
قَالَ اللَّهُ جَلَّ فِي عُلَاهُ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} سورة البقرة.
وقال {وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} سورة الأنفال.
تَحْتَ رَايَةِ الْإِسْلَامِ يَسْلَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ الْأَذَى وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُسْلِمًا.. فِي ظِلَالِ الْإِسْلَامِ يُسْلَمُ مَالَ الْإِنْسَانِ، وَيُسَلِّمُ عِرْضَ الْإِنْسَانِ، وَيُسَلِّمُ دِينَهُ، وَيُسَلِّمُ دَمُهُ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُسْلِمًا.. فَالْمُسْلِمُ مَنْ سَلَّمَ النَّاسُ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ كَمَا وَرَدَ الْبَيَانُ عَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.. كَلِمَاتُ الْمُسْلِمِ تُخْرِجُ مِنْ لِسَانِهِ سَلَامًا، جَوَارِحُ الْمُسْلِمِ تَتَحَرَّكُ سَلَامًا {وَعِبَادِ الرَّحْمَ اَلَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} سُورَةُ الْفُرْقَانِ.
مَعَ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ لِلْهِجْرَةِ، وَعِنْدَ اللِّقَاءِ الْأَوَّلِ بِالْأَنْصَارِ أَوَّلُ مَا سَمِعَ النَّاسُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلَهُ « أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ » مِنْ هُنَا كَانَ حَدِيثُنَا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ تَحْتَ عُنْوَانِ: (إِفْشَاءُ السَّلَامِ)
إفشاء السلام بمفهومه الواسع والذى يعنى أن الإسلام دين سلام يشمل القول والعمل، إفشاء السلام بمفهومه الواسع والذى يعنى أن الإسلام إنما جاء من أجل أن تسلم دماء الناس وأموالهم وأعراضهم، هذا يقال عن الإسلام ويشهد به المنصفون من غير المسلمين..
بالسلام سمى الحكيم العليم نفسه { هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ الْمَلك القدوس السلام} سورة الحشر.
بالسلام سمى الله جنته ودار كرامته ومستقر رحمته { لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِندَ رَبِّهِمْ ۖ وَهُوَ وَلِيُّهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} سورة الأنعام.
بالسلام يحيي الحكيم العليم عباده المؤمنين في الجنة {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ ۚ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا} سورة الأحزاب.
أمرنا ربنا سبحانه وتعالى أن نتعايش وأن نتعامل فيما بيننا والسلام جزء لا يتجزأ من حياتنا ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ )
رسالة الإسلام:
بقيت فى مكة فى أول عهدها ثلاثة عشر سنة , ثلاث سنوات منها تحت الأرض، فى السر فى الخفاء، بعيداً عن العيون، بعيداً عن الأضواء، حفاظاً على الدعوة الجديدة، وحقناً للدماء لمؤمنة، وإيثاراً للسلامة..
وعشر سنوات من رسالة الإسلام في مكة جهرية، فوق الأرض، فى النور، فى العلانية, الصحابة بلا استثناء حتى الكبار منهم حتى أبا بكر حتى عمر حتى عثمان كانوا جميعا يُضربون، ويُحبسون، ويُقيدون، ويُجلدون وتُفعل بهم الأفاعيل، وليس فى جعبتهم إلا أن يصبروا، ولا يسعهم إلا أن يحتسبوا أجورهم على الله تعالى..
تألم منهم من تألم، وتحمل منهم من تحمل، واشتكى بعضهم إلى رسول الله شدة الأذى فطمأنهم رسول الله وقال صبرا فإن موعدكم الجنة
من المعلوم أن القرآن الكريم نزل ب(المدينة) ونزل ب(مكة)..
من علامات القرآن المدني ( حديثه عن التشريع، عن الصلاة والصيام والصدقة والحج) ومن علاماته ( الحديث عن الجهاد والغزوات) ومن علاماته ( طول السور وطول الآيات)
أما القرآن المكي: فمن علاماته ( الحديث عن التوحيد) ومن علاماته ( االحديث عن القيامة والحساب والثواب والعقاب) ومن علاماته ( قصر السور وقصر الآيات )..
ومن أبرز علامات القرآن المكي ( الحديث عن قصص الأولين) و ( الحديث عن قصص الأنبياء والمرسلين) والسؤال لماذا التركير على هذا القصص في ذلك الوقت تحديدا ؟
لأن الله تعالى يُقدم بهذا القصص (مثالا) لمعاناة المؤمنين، لأن الله تعالى يُقدم بهذا القصص (مثالا ) لصبر المؤمنين، وثباتهم على الحق، وهذا ما كان المسلمون بحاجة إليه..
لذلك لا تعجب أن يُخاطب رسول الله وهو في مكة بمثل هذه الآية {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ } سورة الأحقاف.
ثم يُخاطب المؤمنون بقول الله تعالى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ } سورة الممتحنة.
قلت: ومرت هذه السنوات الثقال على رسول الله وعلى أصحابه، وفَكّت الدعوة من قيود قريش ومن أغلالها ، وهاجر النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة : وكأن المسلمين نشطوا من عقال، وأصبحت لهم دولة، وشوكة، وقوة، ومنعة، وأصبح لديهم عُدة، وعتاد، وأتباع وحُلفاء، وأنصار، ومهابة، وشُرع جهاد العدو، وأُذن للذين يُقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير..
ورغم ذلك لم يَتخلّ المسلمون عن سِلميتهم، لم يتخلوا عن السماحة والرحمة التى غرسها الإسلام فى ضمائرهم، وزرعها فى قلوبهم من أول الأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال عبد الله بن سلام رضي اللّه عنه قال لمّا ورد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم المدينة انجفل النّاس إليه، وقالوا قدم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال عبد الله بن سلام فجئت في النّاس لأنظر إليه فلمّا تبيّنت وجهه، عرفت أنّ وجهه ليس بوجه كذّاب
قال ثم إن رسول الله تكلم فكان أوّل شيء سمعته منه أن قال يا أيّها النّاس أفشوا السّلام وأطعموا الطّعام، وصلوا الأرحام، وصلّوا باللّيل والنّاس نيام، تدخلوا الجنّة بسلام»
المسلم لا يكتمل إسلامه فيما يرى الصادق الذى لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم حتى:
يسلم الناس من شره، حتى تسلم زوجه، وولده، وأهله من شره، وحتى يسلم جيرانه من بوائقه، وحتى يأمن الناس من ظلمه وغشمه وأذاه..
هذا هو (المسلم) وهذا هو (المؤمن) فيما يرى النبى عليه الصلاة والسلام « المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمؤمن من أمنه النّاس على دمائهم وأموالهم »
بل وضّح النبى صلى الله عليه وسلم أن الجنة لا يدخلها إلا المؤمنون المسالمون، وأكد عليه الصلاة والسلام أيضا أن الإيمان لا يكتمل فى قلب عبد حتى تجمعه مع الناس المحبة وأن المحبة لا تعرف طريقها إلى قلوب العباد إلا بإفشاء السلام..
قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «والّذي نفسي بيده، لا تدخلوا الجنّة حتّى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتّى تحابّوا، ألا أدلّكم على شيء إذا فعلتموه، تحاببتم؟ أفشوا السّلام بينكم»