تفسير الشيخ طنطاوي إبداع فردي وأصاله في الطرح

بقلم الشيخ : محمد أبو النصر
الكاتب والباحث فى الشريعة الإسلامية

▪️كَتَبَ بَعْضُ المُغْرِضِينَ الَّذِينَ يَكْرَهُونَ الأَزْهَرَ الشَّرِيفَ أَنَّ كِتَابَ الشَّيْخِ طَنْطَاوِي أَخَذَهُ مِنَ الشَّيْخِ الكُومِيِّ، أَوْ كَانَ مُنَاصَفَةً بَيْنَهُمَا، ثُمَّ رَفَعَ الشَّيْخُ طَنْطَاوِي اسْمَ الشَّيْخِ الكُومِيِّ مِنْ عَلَى التَّفْسِيرِ.

▪️ وَأَقُولُ: مَنْ يَقْرَأْ تَفْسِيرَ الشَّيْخِ طَنْطَاوِي يُلَاحِظُ أَنَّهُ كُتِبَ بِأُسْلُوبٍ مُتَّسِقٍ وَمِنْهَجِيَّةٍ وَاحِدَةٍ، مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كَاتِبَهُ هُوَ شَخْصٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ الشَّيْخُ طَنْطَاوِي نَفْسُهُ. هَذَا الأَمْرُ يَظْهَرُ جَلِيًّا لِمَنْ قَرَأَ كُتُبَهُ مِثْلَ “الفِقْهِ المُيَسَّرِ” وَ”الفِقْهِ الوَسِيطِ”، حَيْثُ يَتَجَلَّى نَفْسُ الأُسْلُوبِ وَالمِنْهَجِيَّةِ. كَمَا أَنَّ قِرَاءَةَ رِسَالَتِهِ الدُّكْتُورَاهَ تُؤَكِّدُ أَنَّ الكِتَابَ هُوَ مِنْ تَأْلِيفِ الدُّكْتُورِ طَنْطَاوِي، حَتَّى وَإِنْ كَانَ الشَّيْخُ الكُومِيُّ قَدْ أَشْرَفَ عَلَيْهِ.

▪️وَالسُّؤَالُ الَّذِي يُطْرَحُ نَفْسَهُ: العَلَّامَةُ الكُومِيُّ لَوْ أَرَادَ كِتَابَةَ تَفْسِيرٍ لَكَتَبَهُ، وَهُوَ غَنِيٌّ عَنِ التَّعْرِيفِ.
أَمَّا الشَّيْخُ طَنْطَاوِي فَأُسْلُوبُهُ وَاضِحٌ وَمُمَيَّزٌ، وَهُوَ نَفْسُ الأُسْلُوبِ الَّذِي اسْتَخْدَمَهُ فِي كِتَابَةِ مُؤَلَّفَاتِهِ الأُخْرَى.

▪️إِنَّ القَارِئَ المُتَمَرِّسَ لِأَعْمَالِ العُلَمَاءِ يَسْتَطِيعُ بِسُهُولَةٍ تَمْيِيزَ أُسْلُوبِ كُلِّ عَالِمٍ عَنِ الآخَرِ. عَلَى سَبِيلِ المِثَالِ، لَوْ قَرَأْتَ صَفْحَةً مِنْ تَفْسِيرِ الشَّيْخِ الشَّعْرَاوِيِّ دُونَ مَعْرِفَةِ كَاتِبِهَا، لَقُلْتَ بِكُلِّ تَأْكِيدٍ إِنَّهَا مِنْ تَأْلِيفِ الشَّيْخِ الشَّعْرَاوِيِّ. وَكَذَلِكَ الحَالُ لَوْ قَرَأْتَ صَفْحَةً لِلشَّيْخِ الغَزَالِيِّ، فَإِنَّ أُسْلُوبَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَاضِحٌ وَمُمَيَّزٌ.

▪️أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلدُّكْتُورِ وَصْفِي عَاشُورَ، الَّذِي قَالَ هَذَا الكَلَامَ الفَارِغَ، فَإِنَّ كَلَامَهُ مَرْدُودٌ عَلَيْهِ. وَمَشْكِلَةُ هؤلاء تَكْمُنُ فِي أَنَّهُمْ لَا يَنْتَمُونَ إِلَى مَنْهَجِ الأَزْهَرِ، بَلْ يَتَحَرَّكُونَ بِشَكْلٍ مَلْتوٍ. وَالكُلُّ يَعْرِفُ أَسَالِيبَهُمُ المَلْتوِيَةَ الَّتِي يَسْتَخْدِمُونَهَا فِي مُحَاوَلَةِ تَقْوِيضِ سُمْعَةِ شُيُوخِ الأَزْهَرِ وَمُؤَسَّسَاتِهِ العَرِيقَةِ. هؤلاء، لِلْأَسَفِ، يعتمدون فِي كَثِيرٍ مِنَ الأَحْيَانِ عَلَى اتِّهَامَاتٍ بَاطِلَةٍ وَافْتِرَاءَاتٍ تَهْدِفُ إِلَى تَشْوِيهِ صُورَةِ عُلَمَاءِ الأَزْهَرِ، وَوَصْفِهِمْ بِأَوْصَافٍ لَا تَلِيقُ بِمَكَانَتِهِمِ العِلْمِيَّةِ وَالدِّينِيَّةِ، مِثْلَ اتِّهَامِهِمْ بِالسَّرِقَةِ أَوِ الجَهْلِ، بَيْنَمَا يَرْفَعُونَ مِنْ شَأْنِ أَنْفُسِهِمْ وَيُصَوِّرُونَ أَنَّهُمْ وَحْدَهُمْ مَنْ يَفْهَمُ العِلْمَ وَالدِّينَ.

هَذِهِ الأَسَالِيبُ لَيْسَتْ فَقَطْ مُهِينَةً لِعُلَمَاءِ الأَزْهَرِ، وَلَكِنَّهَا أَيْضًا تُضِرُّ بِالوَحْدَةِ الإِسْلَامِيَّةِ وَتُحْدِثُ فُرْقَةً بَيْنَ المُسْلِمِينَ.

الأَزْهَرُ الشَّرِيفُ، كَمُؤَسَّسَةٍ عِلْمِيَّةٍ وَدِينِيَّةٍ عَرِيقَةٍ، لَها تَارِيخٌ طَوِيلٌ فِي خِدْمَةِ الإِسْلَامِ وَالمُسْلِمِينَ.

وَالأَزْهَرُ لَمْ يَكُنْ مَجَرَّدَ جَامِعَةٍ تُخْرِجُ العُلَمَاءَ، بَلْ كَانَ مُؤَسَّسَةً شَامِلَةً تَعْنَى بِالعِلْمِ وَالدِّينِ وَالسِّيَاسَةِ وَالاجْتِمَاعِ، مِمَّا جَعَلَهُ رَمْزًا لِلْوَحْدَةِ الإِسْلَامِيَّةِ وَقِبْلَةً لِطُلَّابِ العِلْمِ مِنْ جَمِيعِ أَنْحَاءِ العَالَمِ.

وَشُيُوخُهُ هُمْ حَمَلَةُ العِلْمِ الشَّرْعِيِّ الَّذِينَ أَفْنَوْا حَيَاتَهُمْ فِي دِرَاسَةِ وَنَشْرِ العِلْمِ.
اتِّهَامَاتٌ مِثْلُ هَذِهِ لَا تُقَلِّلُ مِنْ قِيمَتِهِمْ، بَلْ تَكْشِفُ عَنْ نِيَّاتٍ وَأَهْدَافٍ خَفِيَّةٍ لَدَى مَنْ يُطْلِقُونَهَا.

وَمِنْ بَيْنِ هَذِهِ الاتِّهَامَاتِ، مَا يُثَارُ حَوْلَ تَفْسِيرِ الشَّيْخِ طَنْطَاوِي، حَيْثُ يَدَّعِي بَعْضُ أَفْرَادِ أَنَّ الكِتَابَ كَانَ مُنَاصَفَةً بَيْنَ الشَّيْخِ طَنْطَاوِي وَالشَّيْخِ الكُومِيِّ، ثُمَّ تَمَّ حَذْفُ اسْمِ الأَخِيرِ. هَذِهِ الادِّعَاءَاتُ، وَإِنْ كَانَتْ تَفْتَقِرُ إِلَى الأَدِلَّةِ المَوْثُوقَةِ، إِلَّا أَنَّهَا تَعْكِسُ نَمَطًا مُتَكَرِّرًا فِي خِطَابِ هؤلاء، الَّذِي يَعْتَمِدُ عَلَى التَّشْكِيكِ فِي مَصْدَاقِيَّةِ العُلَمَاءِ وَالمُؤَسَّسَاتِ الدِّينِيَّةِ الرَّاسِخَةِ.

▪️ أَسَالِيبُ التَّشْوِيهِ وَالفُرْقَةِ:

مَا يُثِيرُ القَلَقَ فِي هَذِهِ الاتِّهَامَاتِ هُوَ الأَسَالِيبُ المَلْتوِيَةُ الَّتِي يسْتَخْدِمُهَا هؤلاء لِتَحْقِيقِ أَهْدَافِهَم. فَبَدَلًا مِنَ الحِوَارِ العِلْمِيِّ الهَادِئِ، يلجئون إِلَى التَّشْهِيرِ وَالافْتِرَاءِ، وَوَصْفِ عُلَمَاءِ الأَزْهَرِ بِأَوْصَافٍ لَا تَلِيقُ بِمَكَانَتِهِمْ، مِثْلَ “سَرَّاقٍ” أَوْ “جُهَلَاءِ”.
وهَذِهِ الأَسَالِيبُ لَا تَهْدِفُ فَقَطْ إِلَى تَقْوِيضِ سُمْعَةِ الأَزْهَرِ، بَلْ أَيْضًا إِلَى خَلْقِ حَالَةٍ مِنَ الفُرْقَةِ بَيْنَ المُسْلِمِينَ، وَإِضْعَافِ الثِّقَةِ فِي المُؤَسَّسَاتِ الدِّينِيَّةِ التَّقْلِيدِيَّةِ.

وَالأَخْطَرُ مِنْ ذَلِكَ، أَنَّ هَذِهِ الاتِّهَامَاتِ تَأْتِي فِي سِيَاقٍ أَوْسَعَ مِنَ الصِّرَاعِ بَيْنَ هؤلاء وَالمُؤَسَّسَاتِ الدِّينِيَّةِ الرَّسْمِيَّةِ. كل هذا لِفَرْضِ رُؤْيَتِهَم الخَاصَّةِ لِلإِسْلَامِ، وهم يرون فِي الأَزْهَرِ عَقَبَةً أَمَامَ انْتِشَارِ أَفْكَارِهَم.
وَمِنْ هُنَا، فَإِنَّ تَشْوِيهَ سُمْعَةِ الأَزْهَرِ وَعُلَمَائِهِ يَصْبِحُ وَسِيلَةً لِتَحْقِيقِ هَذَا الهَدَفِ.

▪️ فِي النِّهَايَةِ، فَإِنَّ الحَلَّ يَكْمُنُ فِي تَعْزِيزِ الوَحْدَةِ الإِسْلَامِيَّةِ، وَالاعْتِرَافِ بِفَضْلِ مُؤَسَّسَةِ الأَزْهَرِ الشَّرِيفِ بَدَلًا مِنَ التَّشْكِيكِ فِي مَصْدَاقِيَّةِ العُلَمَاءِ، كَمَا يَجِبُ العَمَلُ عَلَى تَعْزِيزِ الحِوَارِ البَنَّاءِ بَيْنَ جَمِيعِ التَّيَّارَاتِ الإِسْلَامِيَّةِ، بِمَا يَخْدِمُ مَصْلَحَةَ الأُمَّةِ وَيُحَافِظُ عَلَى وَحْدَتِهَا.

* نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَحْفَظَ الأَزْهَرَ وَعُلَمَاءَهُ، وَأَنْ يُبْعِدَ عَنَّا كُلَّ مَنْ يَسْعَى إِلَى الإِضْرَارِ بِوَحْدَتِنَا الدِّينِيَّةِ وَالفِكْرِيَّةِ. فَالأَزْهَرُ لَيْسَ مَجَرَّدَ
مُؤَسَّسَةٍ، بَلْ هُوَ رَمْزٌ لِلإِسْلَامِ الوَسَطِيِّ المُعْتَدِلِ، وَالدِّفَاعُ عَنْهُ هُوَ دِفَاعٌ عَنِ الإِسْلَامِ نَفْسِهِ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *