الوهابية التكفيرية: حركة سياسية ثيوقراطية تسعى لتدمير هوية الأمة الإسلامية وتفكيك نسيجها الاجتماعي
21 ديسمبر، 2024
الوهابية ومنهجهم الهدام

بقلم : محمد نجيب نبهان ( كاتب وناقد و باحث تاريخي )
منذ ظهورها في منتصف القرن الثامن عشر في شبه الجزيرة العربية، شكلت الحركة الوهابية التكفيرية تهديدًا للأمة الإسلامية ككل، إذ استندت إلى تفسير ضيق ومغلوط للدين الإسلامي، يرفض التنوع الفكري والعقائدي الذي يعبر عن أمة مسلمة متنوعة الأطياف.
بدأت هذه الحركة بعقيدة تجسيم الله واعتبار كل من يخالفها كافرًا، ما أدى إلى سقوط الكثير من الضحايا باسم الدين.
بدأت هذه الحركة بوجود محمد بن عبد الوهاب، الذي تحالف مع آل سعود في عام 1744، وهو ما جعلها تتحول إلى حركة سياسية ثيوقراطية تسعى للسيطرة على المجتمعات الإسلامية باستخدام الدين كأداة للهيمنة السياسية. سنسلط الضوء في هذا المقال على أصول هذه الحركة، نشأتها المظلمة، حملاتها الدموية، وتغلغلها في العالم الإسلامي وصولًا إلى صراعها مع الثورة السورية ودورها في تغيير عقيدة العوام بالقوة.
البداية المشبوهة: من ابن تيمية إلى محمد بن عبد الوهاب
تعود جذور الفكر الوهابي التكفيري إلى فكر ابن تيمية الذي عاش في القرن الثالث عشر ، وكان له تأثير كبير على الفكر السلفي والتفسير المتشدد للإسلام. برغم كونه واحدًا من كبار العلماء في عصره ، فإن آراء ابن تيمية كانت مثيرة للجدل، حيث قام بتفسير بعض النصوص الدينية بشكل مختلف عما كان عليه علماء أهل السنة والجماعة في ذلك الوقت. كان ابن تيمية صاحب آراء غريبة وشديدة حول التوحيد، وكان يروج لفكرة التجسيم والتشبيه لله سبحانه وتعالى، وهي عقيدة تعتبرها معظم المدارس الفقهية مخالفة لما جاء به القرآن الكريم.
كما أنه بدأ يروج لفكرة تكفير كل من لا يوافقه في آرائه، بل ويعتبر كل من يختلف معه في فهمه للإسلام ضالًا أو مبتدعًا .
وقد جاء محمد بن عبد الوهاب ليأخذ أفكار ابن تيمية إلى مراحل جديدة من التطرف. ففي البداية، بدأ محمد بن عبد الوهاب في تبني آراء ابن تيمية في تفسير العقيدة، ولكن كان له توجه أكثر تشددًا ورفضًا لجميع التفسيرات المختلفة للإسلام. اعتبر ابن عبد الوهاب أن التوسل بالأولياء والتعامل مع القبور وممارسة الاحتفالات الدينية مثل الاحتفال بمولد النبي محمد صلى الله عليه وسلم هي بدع تتناقض مع تعاليم الإسلام، وأن المسلمين الذين يمارسون هذه الأمور هم مشركون. هذه الفكرة، التي اعتبرها البعض ضلالة دينية، استخدمها ابن عبد الوهاب لتبرير تكفير المسلمين الذين يخالفون هذه الأفكار، بل وطالب باستخدام العنف ضدهم، ما أدى إلى حملة من القتل والتدمير في العديد من المناطق.
الوهابية التكفيرية: حرب إيديولوجية ضد أهل السنة والجماعة
كانت الحملة الأولى الوهابية لتطبيق أفكارها هي الحملة العسكرية التي شنها محمد بن عبد الوهاب وتحالفه مع آل سعود على المنطقة. في بداية القرن التاسع عشر، وبالتحديد في عام 1801، شن الوهابيون هجومًا على مكة المكرمة والمدينة المنورة، حيث دمروا القبور وتهجموا على المقامات الدينية، بما في ذلك ضريح النبي محمد صلى الله عليه وسلم في المدينة. وكانوا يبررون أعمالهم هذه بأنهم يقاتلون ما يسمونه “البدع” التي لا تمت للإسلام بصلة. وقد تم تنفيذ العديد من عمليات القتل للمسلمين في تلك الحروب بحجة أنهم مبتدعون أو مشركون، ما أسفر عن مقتل أكثر من مائتي ألف مسلم في مختلف المناطق في نجد وبلاد الشام.
بالإضافة إلى ذلك، كان هناك هجوم على الفكر السني الذي يتبناه غالبية المسلمين في العالم. ففي تلك الفترة، كان العلماء الأشاعرة والماتريدية يشكلون الأغلبية في معظم المناطق الإسلامية. الوهابية كانت ترى أن هؤلاء العلماء يتبعون بدعًا وأنه يجب عليهم الخضوع للفكر الوهابي وإلا سيعتبرون كفارًا. مما دفع الوهابيين إلى تدمير مدارسهم ومكتباتهم وقتل العلماء الذين تمسكوا بعقيدتهم السنية، بل وحتى محاربة الأفكار التي اعتبرها الوهابيون “مخالفة للإسلام الصحيح”.
هذه الحروب ضد أهل السنة والجماعة كانت تعتبر بالنسبة لهم “الجهاد” الذي يسعى لتحقيق أهدافهم الدينية والسياسية.
الوهابية التكفيرية في العهد الحديث: تحالفات ومذابح جديدة
مع بداية القرن الواحد والعشرين، وجد الفكر الوهابي التكفيري طريقه إلى العديد من الصراعات السياسية التي دارت في العالم العربي. ومن أبرز هذه الصراعات كانت الحرب في سورية، حيث استطاعت الجماعات الوهابية التكفيرية أن تجد لها مكانًا في صفوف المجموعات المعارضة للنظام السوري. فمع بداية الثورة السورية في عام 2011، دخلت جماعات مثل “جبهة النصرة” و”داعش” إلى ساحة القتال، معلنةً أنها تروج لفكر الوهابية التكفيري.
كانت هذه الجماعات تستغل الفوضى والتضييق على المعتدلين في صفوف الثورة السورية، وتقوم بالسيطرة على العديد من المساجد وتعيين مشايخ وهابيين على منابرها. وقد اتخذت هذه الجماعات من المساجد مكانًا للدعاية لأفكارها التكفيرية، بل وفرضت على الناس اتباع هذه العقيدة بالقوة والترهيب، ما أدي إلى قتل وتكفير العديد من الناس الذين لم يتماشوا مع أفكارهم. كان الهدف من ذلك هو تغيير عقيدة عوام المسلمين في المناطق التي تم تحريرها من قبضة النظام، وبذلك كانت تسعى لتشكيل مجتمع جديد يخضع لرؤيتهم المتطرفة، دون اعتبار لحرمة الدماء والأعراض.
حملات التغيير القسري لعقيدة العوام: حلب نموذجًا
أحد أبرز الأمثلة على هذه التغييرات القسرية كان ما حدث في مدينة حلب السورية، حيث سيطرت الجماعات التكفيرية الوهابية على العديد من المساجد في المدينة. بعد طرد علماء أهل السنة والجماعة الأشاعرة والماتريدية من المنابر، تم تعيين مشايخ وهابيين يروجون لفكر التكفير، وكانوا يسعون لتغيير عقيدة أهل حلب بالقوة، فكان هؤلاء المشايخ يتحدثون عن الجهاد ضد “المبتدعين” والشيعة والتكفير بحق من يختلف معهم في الرأي. وكان يُطلب من الناس أن يتبعوا تعليماتهم، وإلا تعرضوا للتهديد بالعنف أو القتل.
استخدم هؤلاء الوهابيون العنف والترهيب في محاولاتهم لفرض عقيدتهم على الناس، وكان ذلك يشمل تدمير الرموز الثقافية والدينية في المدينة، مثل تمثال النبي يوسف عليه السلام في إحدى المساجد، أو تهديد كل من لا يتبعهم بتهم “الشرك” و”البدعة”.
مواجهة الفكر الوهابي التكفيري: ضرورة الأمة الإسلامية
إن الفكر الوهابي التكفيري يمثل اليوم تهديدًا حقيقيًا للمجتمعات الإسلامية، فالتكفير، العنف، والتدمير لم يعودوا مجرد ظواهر في تاريخ الماضي، بل أصبحوا مع الأسف جزءًا من واقعنا المعاصر. من الضروري على العلماء والمثقفين المسلمين أن يتوحدوا في مواجهة هذا الفكر الذي يشوه صورة الإسلام، ويشعل الحروب بين المسلمين أنفسهم. يتعين على الأمة الإسلامية أن تعي أن الفهم المعتدل للإسلام هو السبيل الوحيد للخروج من دائرة العنف والدماء التي يروج لها الفكر الوهابي التكفيري.
معركة الفكر ضد التكفير:
إن المعركة ضد الفكر الوهابي التكفيري ليست معركة سياسية فقط، بل هي معركة فكرية وعقائدية تهدف إلى الحفاظ على وحدة الأمة الإسلامية. يجب أن نعمل جميعًا على إعادة إحياء الفكر المعتدل والمتسامح الذي يعزز قيم السلام والتعايش، وأن نتصدى لهذه الأفكار المتطرفة التي تسعى لتقسيم الأمة وتدميرها.