الأولاد زهرة الحياة.. فلا تدعوا عليهم


بقلم الشيخ : نور عبدالبديع حسين حمودة الأزهرى الشافعي

إمام وخطيب بوزارة الأوقاف المصرية

تمهيد

الأولادُ هم زينةُ الحياة، وسرّ بهجتها، وهم الامتداد الجميل لآبائهم وأمهاتهم بعد الرحيل.

إنهم أمانةُ الله في أعناق الوالدين، يُختبر بهما مدى الرحمة والرعاية، كما يُختبر بهما الصبر والدعاء.

غير أن بعض الآباء والأمهات ـ في لحظات الغضب ـ يُطلقون ألسنتهم بدعواتٍ قاسية، يندمون عليها بعد فوات الأوان، ثم يشكون عقوق أولادهم دون أن يعلموا أن البلاء ربما كان من دعائهم هم!

قال الله تعالى: ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [الكهف: 46].
فهم زينةٌ ومتعةٌ ورحمة، لا نقمة ولا بلاء، وإنما هم ميدانُ ابتلاءٍ بالرعاية، وساحةُ ثوابٍ بالصبر والدعاء الحسن.

الدعاء سلاح.. فاحذر أن توجهه نحو أبنائك

قال النبي ﷺ محذرًا: «لا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَوْلَادِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ، لا تُوَافِقُوا مِنَ اللَّهِ سَاعَةً يُسْأَلُ فِيهَا عَطَاءٌ فَيَسْتَجِيبُ لَكُمْ»
(رواه مسلم)

كما قال ﷺ أيضًا: «ثلاثُ دَعَوَاتٍ يُستجابُ لهنَّ لا شكَّ فيهنَّ: دعوةُ المظلوم، ودعوةُ المسافر، ودعوةُ الوالدِ لولدِه»
(رواه ابن ماجه)

فالدعاء على الأبناء ـ ولو في ساعة غضب ـ قد يُفتح به باب البلاء، أما الدعاء لهم فهو بابُ رحمةٍ ورفعةٍ وصلاحٍ.

فإياك أن تدعو على ولدك مهما اشتد غضبك، فإن الكلمة ربما تصادف ساعة استجابةٍ فتُغلق بها أبواب الرحمة.

واجعل لسانك دائمًا رطبًا بالدعاء لأبنائك لا عليهم، فدعاؤك لهم بركةٌ في عمرهم، ورفعةٌ لك في الدنيا والآخرة.

وقائع وعبر مؤلمة

 أمٌّ وطفلتها:
كانت أمٌّ تردد على ابنتها الشقية: «حريقة تأخذك»، فلما شبّ في بيتها حريقٌ قضى على الطفلة، أدركت أن لسانها كان السبب، ولكن بعد فوات الأوان.

 الإمام ابن المبارك رحمه الله:
جاءه رجل يشكو عقوق ولده، فسأله: أدعوت عليه؟
قال: نعم.
فقال ابن المبارك: اذهب، فقد أفسدتَه.
فالدعاء على الأولاد لا يزيدهم إلا تمردًا وبعدًا.

 الإمام الزمخشري:
سُئل عن سبب قطع رجله فقال: «بدعاء أمي، إذ كنت صغيرًا أربط عصفورًا بخيط فانقطعت رجله، فغضبت وقالت: قطع الله رجلك كما قطعت رجله، فاستُجيبت دعوتها بعد سنين طويلة».

 عبدالله بانعمة:
شُلّت رقبته وكان من أسباب ذلك دعوة أبيه عليه بسبب كذبةٍ قالها وهو صغير، فكانت تلك الكلمة أقسى من المرض.

 أما الشيخ السديس فكانت له قصة من نور:
كان طفلًا يلهو بالتراب ويلقيه على طعام أمه، فغضبت وقالت: «اذهب، جعلك الله إمامًا للحرمين»، فصعدت الدعوة صادقة، وهبط أثرها بالبركة، حتى صار إمام الحرم المكي الشريف.

من قصة جريج العابد

قال النبي ﷺ: «كان جريج رجلًا عابدًا، فأتته أمه وهو يصلي فقال: يا رب أمي وصلاتي، فأقبل على صلاته، فقالت: اللهم لا تميته حتى ينظر إلى وجوه المومسات»
(متفق عليه)

فاستُجيبت دعوة الأم رغم صلاح ولدها، لتكون العبرة خالدة: إياك ودعوة الوالد، فإنها نافذةٌ لا تُردّ.

دروس من الواقع

* أمٌّ كانت تدعو على ولدها بالوحدة لأنه كثير السفر عنها، فاستُجيبت دعوتها، فتزوج ولم يُرزق بولد، وكان يقول لها: هذه دعوتك يا أمي.

* وأخرى قالت لولدها حين كسر زجاجًا ثمينًا: «ربنا يكسر عظامك»، فشبَّ حتى سقط عليه جدار فكُسرت عظامه.

فيا أيها الآباء والأمهات: الكلمة سهم، واللسان ميزان، فاختاروا ما تضعونه في كفتيه.

دعاء الوالد لولده

أيها الأب المبارك، وأيتها الأم الحنون:

اجعلوا ألسنتكم أبوابًا للرحمة لا للنقمة، وأفيئوا على أولادكم بدعواتٍ صالحةٍ تُنير دروبهم وتُصلح قلوبهم.

قولوا لهم دائمًا: اللهم أصلحهم كما تحب وترضى، واهدهم لأحسن الأخلاق، وبارك في أعمارهم وأعمالهم، واجعلهم من عبادك الصالحين، وقرّ أعيننا بصلاحهم في الدنيا والآخرة.

فبدعائكم تُكتب البركة في حياتهم، وتُرفع درجاتكم في الآخرة، ويجري الخير في أعقابكم إلى يوم الدين.