
بقلم : آيه خفاجي أبو العينين
( واعظة بوزارة الأوقاف المصرية )
دائماً ما نسمع عن عقوق الأبناء لأبائهم ، وقد أمرنا الحق سبحانه في مواضع سبع في القرآن الكريم ببر الوالدين ، وذُكر أيضا أن عقوق الوالدين كبيرة من الكبائر ، ولكن كما طالب الإسلام الأبناء ببر والديهم ، فإنه كذلك يُحمّل الوالدين مسؤلية عظيمة تجاه أبنائهم ،تبدأ من قبل أن يُخلق جنيناً في رحِم أمه ولا تنتهي إلا بنهاية العمر..
فقال الحق سبحانه ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا ﴾
ولكن السؤال هنا ، كيف يكون عقوق الآباء للأبناء….؟
العقوق لا يكون من اتجاهاً واحداً فقط ، فكما أن على الأبناء واجب الطاعة والبر ، فإن على الآباء واجب الرحمة والرعاية ، عليهم فَهم أن الأبناء أمانة ورزق من الله تعالى ، من يفرط في هذه الأمانة فقد وقع في نوع من أنواع العقوق..
والعقوق هو كل فعل يؤذي سواء كان بالكلمة أو بفعل أو بالإهمال ، فإن كان الوالدين سبباً في تدمير نفسية أبنائهم أو حرمانهم من حقوقهم الأساسية من الحب والعدل والتربية الحسنة ، فهذا عقوق صريح وإن كان لا يسمىٰ بهذا الإسم في العُرف…
الله سبحانه وتعالى أمر بالعدل والرحمة فقال ﴿ إِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ﴾
وأمر بالرفق فقال ﷺ: ﴿إنَّ الله يُحبّ الرِّفقَ في الأمر كله ﴾
ويقول ﷺ: ﴿إنَّ الرفق لا يكون في شيءٍ إلا زانه، ولا يُنزع من شيءٍ إلَّا شانه﴾.
وقال أيضاً ﴿إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفقَ، وَيُعْطِي على الرِّفق ما لا يُعطي عَلى العُنفِ، وَما لا يُعْطِي عَلى مَا سِوَاهُ ﴾
وهناك بعض من صور العقوق:
1-الأفضلية أو التفضيل ، حين يفضل الآباء أحد الأبناء على الآخر بلا سبب. فهذا يكسر داخل الطفل ويزرع الغيرة بينهم.
2- القسوة والكلمات الجارحة والظلم..
فقال النبيُّ ﷺ(اتَّقوا الظلم، فإنَّ الظلم ظُلمات يوم القيامة).
وقال ﷺ: يقول اللَّه ﷻ: ﴿يا عبادي، إني حرمتُ الظلم على نفسي، وجعلتُه بينكم محرَّمًا، فلا تظالموا﴾
3- فرض اختيارات الحياة وإجبارهم على مستقبل لم يريدونه ومنعهم من أحلامهم ، سواء كان ذلك في عمل أو زواج أو دراسة..
4- ترك الأبناء للشاشات والشوارع دون توجيه أو متابعة ، ثم بعد ذلك إلقاء اللوم عليهم إذا أخطأوا..
5- الدعاء عليهم بالشر بدلاً من الدعاء بالخير والهداية.
6- الإهمال العاطفي للأبناء.. قَالَ ﷺ : ﴿مَن لا يَرْحَمُ لا يُرْحَمُ.﴾
بعض الآباء يوفرون الطعام واللباس لأبنائهم ، لكنهم يغفلون عن كلمات الحب والإحتواء والحضن الذي يحتاجه الطفل أكثر من أي شيء..
الأبناء في صِغَرِهم صفحة بيضاء ، كل ما يكتبه الوالدين فيها يبقى أثره.، قد ينسى من أساء إليه بكلمة جارحة ،لكنه لا ينساها إن قيلت من أحد أبويه ، ندوب وظلم الوالدين لا يُنسىٰ أبدا..
فقال ﷺ ﴿ كفىٰ بالمرء إثماً أن يُضيع من يعول ﴾، فالضياع لا يكون بالجوع ، بل بالحزن والحرمان والكسر النفسي .
التربية بالقسوة والإهمال تدمير لا يُرى أثره إلا في الكِبر عندما يبتعد ويعتزل الأهل ويحصدها شوگ، لكنها بالرحمة والرأفة واللين تحصدها ظهراً يفوح عِطره.
فيقول ﷺ ﴿ كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته﴾
التربية: توجيه ورفق وعناية ، زرع ثقة وبناء قلب وغرس دين وقِيم…
أبنائكم ليس ملكاً لكم تفعلون فيهم ما تشاؤن ، هم أمانة من الله وستسألون عنها أمام الله يوم القيامة..
فإن كان بر الوالدين طريقٌ إلى الجنة ،، فإنّ رحمة وبر الأبناء طريقاً آخر إلى الجنة.. الأعمار قصيرة وأثر القلوب طويل