د. إسلام عوض يكتب: “آلة” تحكم البشر فى ألبانيا!!
22 سبتمبر، 2025
أخبار العالم الإسلامى

بقلم الدكتور: إسلام عوض مدير تحرير بجريدة الأهرام المصرية
منذ أن ظهرت الآلة والروبوتات، تملّك الإنسان خوف عميق من أن يتم الاستغناء عنه، وأن تحل محله تلك الآلة فائقة القدرات والمعلومات، وهذا الخوف، الذي أخذت تغذيه قصص الخيال العلمي، لم يعد مجرد فكرة، أو محض خيال من صنع مؤلف حاذق، بل أصبح حقيقة ملموسة.
ففي قلب أوروبا، وتحديدًا في ألبانيا، أصبح هذا الخيال حقيقة، وذلك الحلم واقعًا، وحدث ما لم يكن في الحسبان، فقد اتخذت ألبانيا خطوة تاريخية هزّت أسس الحكم البشري، معلنةً بداية حقبة جديدة لحكم الآلة، وقد يتقلص فيها دور الإنسان إلى مجرد مراقب أو مساعد.
وظهر ذلك جليًا في قرار تاريخي اتخذه رئيس الوزراء الألباني “إيدي راما” وهو تعيين امرأة من الذكاء الاصطناعي، تُدعى “ديلا”، وتعني (أشعة الشمس) بالألبانية، عينها رئيس الوزراء في منصب وزيرة المشتريات العامة.
ووصف “راما” هذا القرار بأنه يهدف إلى محاربة الفساد المتفشي والجريمة المنظمة، وللعلم ليس إلا فإن ألبانيا تُعتبرواحدة من أكثر الدول فسادًا في أوروبا، حيث تتفشى الرشوة وغسيل الأموال في مختلف مستويات الحكومة، مما قوّض ثقة الاتحاد الأوروبي في قدرة ألبانيا على تطبيق معايير الحكم الرشيد، وأجل انضمامها إليه، وطالبها بإجراء مزيد من التحسينات في مجالات سيادة القانون، وحماية حقوق الأقليات، وضمان حرية التعبير واستقلالية الإعلام ومحاربة الفساد والرشوة، وكان تعيين الروبوت “ديلا” وزيرة للمشتريات العامة بمثابة إعلان صريح بأن الآلة قد تكون أكثر كفاءة ونزاهة من البشر.
وبدأ دور”ديلا” كمساعدة افتراضية على منصة “ألبانيا الإلكترونية” في يناير 2025، وفي خلال فترة وجيزة، استطاعت معالجة أكثر من مليون طلب للمواطنين، وأصدرت آلاف الوثائق الرقمية، ولكن دورها الجديد كوزيرة يختلف تمامًا عن دورها سابقًا؛ فمن المتوقع أن تتولى ديلا مسئولية منح جميع العقود الحكومية، خاصة أن رشوة الخوارزمية شيء مستحيل، ولا يستطيع أحد تهديدها، ولا يمكن التأثير عليها بالمصالح الشخصية أو الإغراءات، وهذه الخصائص تجعلها أداة مثالية لضمان النزاهة والحياد في قطاعات حساسة مثل المشتريات العامة.
فالبشر قد يقع فريسة للفساد والمحسوبية، ولكن ديلا تعمل بناءً على معايير موضوعية بحتة، مما يضمن أن تُمنح العقود للشركات الأكثر كفاءة واستحقاقًا، وليس للأكثر نفوذًا، وهذا ما يجعلها نموذجًا واعدًا للقضاء على الفساد الذي أضعف المؤسسات الحكومية وأفقد المواطنين ثقتهم في نظام الحكم.
لكن التساؤل الذي يطرح نفسه بقوة هو: هل هذه بداية نهاية الفساد، أم بداية نهاية عصر الحكم البشري نفسه؟
تفوّق الآلة :
إن تفوق الآلة على البشر في مهام محددة لم يعد موضوعًا للنقاش؛ ففي عالمنا اليوم، أثبتت التكنولوجيا قدرتها على أداء المهام بشكل أكثر دقة وكفاءة، وبتكلفة أقل بكثير، ويمكن للآلات أن تعمل على مدار الساعة دون كلل أو ملل، مما يوفر مجهودًا هائلاً كان يتطلبه العمل البشري، كما أنها لا تحتاج إلى أجرة عامل أو تأمين صحي، مما يقلل بشكل جذري من تكاليف الإنتاج، وهذه الكفاءة لا تقتصر على العمل اليدوي فحسب، بل امتدت لتشمل اتخاذ القرارات المعقدة.
“ديلا”، وزيرة الذكاء الاصطناعي، هي مثال حي على هذا التفوق؛ فبدلًا من الاعتماد على العقل البشري الذي قد يكون عرضة للمصالح الشخصية أو الفساد، يمكن للآلة أن تقوم بتحليل البيانات الضخمة، وتقييم العروض، واتخاذ القرارات بناءً على معايير موضوعية بحتة، وهذا يضمن منتجًا نهائيًا أكثر دقة وشفافية، ويقضي على المحسوبية التي تسببت في انهيار ثقة المواطنين في المؤسسات الحكومية.
وهنا يطفو على السطح سؤال مهم: هل الذكاء الاصطناعي يسعى لإزاحة الإنسان؟
في جوهر الأمر، الذكاء الاصطناعي هو أداة لا تحمل طموحات شخصية، ولكن القرارات التي يتخذها المبرمجون والشركات هي التي تحدد مساره، وإذا استمرت الشركات في البحث عن الكفاءة والربحية القصوى، فإن استبدال العمالة البشرية بالآلة يصبح خيارًا حتميًا، مما قد يؤدي إلى فقدان ملايين الوظائف، وتفاقم مشكلة البطالة على مستوى العالم.
الآلة تسبق البشر :
بينما تتسارع الآلة في تولي مهامنا، يبرز تساؤل جوهري حول دورنا كبشر؛ فإذا كانت الآلة تتفوق علينا في الكفاءة والنزاهة، فما الذي يميزنا؟ هل أصبحت الآلة نموذجًا يجب أن نحتذي به؟
في هذا السياق، يجب أن نتوقف ونتأمل: هل تقصيرنا في التزود بالعلم وتطوير قدراتنا باستمرار هو ما سمح لهذه الفجوة بالتوسع؟ وهل فقدنا بوصلتنا الأخلاقية التي حثّ عليها قرآننا الكريم، ورسولنا محمد، “صلى الله عليه وسلم”، الذي بُعث ليتمم مكارم الأخلاق؟ وهل نحن من أفسح المجال للآلة لتتولى زمام الأمور بسبب تقاعسنا عن التمسك بقيمنا الحقيقية، وتفريطنا في أوامر الله ونواهيه؟!