د. إسلام عوض يكتب: ألعاب محظورة

بقلم الدكتور: إسلام عوض مدير تحرير بجريدة الأهرام المصرية 

تلعب الألعاب الإلكترونية دورًا متزايدًا في حياة أبنائنا، لكن هناك نوعًا معينًا من هذه الألعاب يتجاوز مجرد التسلية إلى مرحلة الاستنزاف والإضرار. 

هذا النوع من الألعاب، التي يمكن أن نطلق عليها “الألعاب المحظورة” أو “الألعاب الخطرة”، لا يقتصر تأثيرها على الوقت الضائع فحسب، بل يمتد ليؤثر بشكل عميق على القدرات العقلية والأكاديمية للطلاب.

العلاقة بين الألعاب والتحصيل الدراسي :

تُصمم العديد من هذه الألعاب لتعزيز التفاعل المستمر والمكافآت السريعة، مما يؤدي إلى إعادة برمجة عقول أبنائنا لتتوقع إشباعًا فوريًا. 

هذا النمط من التفكير يصطدم بشكل مباشر مع متطلبات التعلم الأكاديمي، الذي يتطلب صبرًا، وتركيزًا عميقًا، وقدرة على معالجة المعلومات المعقدة ببطء.

عندما يتعود عقل الطالب على المكافآت السريعة والتحفيز المستمر الذي تقدمه الألعاب، يصبح من الصعب عليه الانخراط في المهام الدراسية التي تتطلب جهدًا ذهنيًا طويل الأمد. 

ويصبح الطالب غير قادر على التركيز في شرح المعلم، أو استيعاب نص علمي، أو حل مسألة رياضية تتطلب خطوات متعددة، وهذا النقص في التركيز يؤدي إلى ضعف الاستيعاب، مما يجعل الطالب يمر على المعلومات دون أن يفهمها حقًا.

الحفظ الأعمى والشهادة الفارغة :

يُعد الاستيعاب والفهم العميق أساس أي عملية تعليمية ناجحة، وعندما يفقد الطالب قدرته على الاستيعاب، يلجأ إلى الحفظ الأعمى؛ فيحفظ الطالب المعادلات والنصوص ليتمكن من اجتياز الامتحانات والحصول على الدرجات، لكن هذه المعرفة لا تستقر في عقله بشكل دائم ولا يستطيع تطبيقها في سياقات مختلفة.

هذا النمط من التعلم يفرز في النهاية خريجًا لا يملك من تعليمه سوى “الشهادة الورقية”، بينما عقله يظل خاليًا من المعلومات والعلوم التي يفترض أنه درسها، فهو لا يملك أدوات التحليل النقدي، أو القدرة على حل المشكلات، أو الإبداع في مجاله، ويصبح مجرد حامل لشهادة لا تعكس قدراته الحقيقية أو المعرفة التي اكتسبها، مما يجعله غير مؤهل بشكل كامل لسوق العمل أو للمساهمة الفعالة في المجتمع.

الحل يكمن في التوازن والوعي:

لمواجهة هذه المشكلة، لا بد من إقامة حوار مفتوح مع أبنائنا حول مخاطر هذه الألعاب، ويجب على الآباء والمعلمين تقديم بدائل بناءة تشجع على التفكير النقدي، مثل التشجيع على القراءة والأنشطة الفنية، أو الألعاب التعليمية التي تنمي المهارات المعرفية. 

الأهم من كل هذا هو وضع قواعد واضحة لإدارة الوقت المخصص للألعاب، وضمان أن التسلية لا تأتي على حساب المستقبل الأكاديمي والمهني لأبنائنا.

لماذا تأخرنا وتقدم غيرنا؟ :

إذا ما نظرنا بعمق إلى قضية الألعاب الإلكترونية المدمرة، سنجد أنها ليست مجرد مشكلة سلوكية فردية، بل هي عَرَض لأزمة مجتمعية أعمق. إن حالة الاستنزاف الفكري التي تسببها هذه الألعاب تُعد جزءًا من الإجابة عن التساؤلات الكبرى التي تشغل بال الكثيرين: لماذا تأخرنا وتقدم غيرنا؟ ولماذا أصبحنا مجرد مستهلكين في عالم ينتج فيه الآخرون؟

إن الأمم التي تتقدم هي تلك التي تستثمر في العقول المنتجة والمبدعة، وعندما يكرس شبابنا ساعات طويلة من يومهم في عالم افتراضي صُمم ليُلهي، فإنهم لا يخسرون وقتهم فحسب، بل يفقدون أيضًا القدرة على التفكير النقدي، وحل المشكلات المعقدة، والإبداع، وهذه القدرات هي أساس أي نهضة علمية أو اقتصادية. 

عندما يُخرَّج جيل يحمل شهادات ورقية فقط، دون امتلاك الأدوات المعرفية الحقيقية، يصبح هذا الجيل غير مؤهل للمشاركة في سباق الإنتاج العالمي.

والغريب في الأمر أن الدول التي تسيطر على صناعة الألعاب الإلكترونية هي نفسها التي تسيطر على إنتاج التكنولوجيا والابتكار، فم ينتجون ونحن نستهلك. هذا الاستهلاك لا يقتصر على الألعاب، بل يمتد ليشمل الأفكار، والثقافة، ونمط الحياة. 

لقد أصبح شبابنا جزءًا من عملية استنزاف فكري واقتصادي موجهة، مما يرسخ فيهم عقلية “المتلقي” بدلاً من “المبدع”، ويحولهم من طاقة بشرية منتجة إلى سوق استهلاكي ضخم.

الألعاب طريق الهروب إلى المخدرات:

إن الانغماس في الألعاب الإلكترونية الخطرة يمكن أن يكون بوابة لمخاطر أكثر جسامة، وهو ما يفسر جزئيًا سبب انتشار المخدرات بين شبابنا؛ فعندما يُعاد برمجة العقل للبحث عن المكافآت السريعة والتحفيز المستمر، يصبح الواقع الذي يتطلب صبرًا وجهدًا يبدو مملًا وغير مشوق، في الوقت الذي تُقدم فيه هذه الألعاب هروبًا من تحديات الحياة الواقعية، لكنها لا تقدم حلولاً.

وعندما يجد الشباب أنفسهم في مواجهة فراغ روحي، وشعور بالضياع، وفشل في تحقيق طموحاتهم بسبب ضعف تحصيلهم، قد يلجؤون إلى أشكال هروب أخرى وأكثر خطورة، مثل المخدرات، وفي هذه الحالة، تصبح المخدرات مجرد بديل أكثر تدميراً للمسكنات الوهمية التي كانت توفرها الألعاب في البداية. 

إنها أزمة مرتبطة ببعضها؛ حيث يكون الانشغال باللعب مجرد الخطوة الأولى في طريق الهروب من الواقع إلى عالم من الأوهام والدمار.