الحياة الزوجية بين النسوية المتمردة والذكورية المتنمرة


بقلم الدكتور : وليد قاسم

مدرس الفقه العام بجامعة الأزهر

 

♦️الإسلام دين الوسطية، ودين الفطرة، وقد خلق الله عز وجل الذكر والأنثى من أب واحد وأم واحدة فالمنشأ واحد، والمنتهى ذاته.

♦️وقد سوى الله بين الذكر والأنثى في الأعمال الصالحات المشتركة بينهما، فقال تعالى:
{فَٱسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّى لَآ أُضِيعُ عَمَلَ عَٰمِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ ۖ بَعْضُكُم مِّنۢ بَعْضٍ}.

♦️وأما من ناحية اختصاص الرجل ببعض التكاليف دون المرأة، أو العكس، فهو راجع إلى حكمة الشارع الحكيم الذي يكلف كل نفس ما آتاها، ويعطي كل فرد من المهام والمسئوليات ما يليق به، ولا يدخله في الحرج والعنت.

♦️وقد خلق الله عز وجل المرأة أضعف في البنية الجسدية، وترتب على هذا الضعف ضعفٌ في قدراتها العقلية وفي قدراتها النفسية، فهي أقل من الرجل السوي في هذه الأمور.

♦️ومن هذا المنطلق شاءت إرادة الله تعالى أن يتزاوج الرجال والنساء ويتقاسمون الأدوار ما بين رئيس ومرؤوس، وطائع ومطاع، ولكل منهما مهامه الخاصة به.

♦️فالرجل قيم في الحياة الزوجية، وليست قوامته تسلطًا ولا قهرًا، بل رعاية واهتمام ورحمة وعطف.

♦️والأصل في الحياة الزوجية أن تقوم على الإكرام والمعاشرة بالمعروف، وإحسان كل طرف إلى الآخر، ومشاورة كل طرف الآخر فيما يتعلق بأمور الحياة.

♦️وليس هناك أوفر عقلا من رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي استشار أم سلمة في صلح الحديبية، واستمع لمشورتها، ونفذها كما قالت، فآتت أكلها، وانجلى الموقف ساعتئذ، رغم أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيه الوحي من السماء.

♦️وإنما أوجب الإسلام طاعة الزوج إذا تضاربت الآراء، وتصادمت الأفكار، فحينئذ أمر الإسلام الزوجة بالطاعة؛ ليتحمل الزوج نتيجة قراره؛ إذ الغنم بالغرم.

♦️وليس من الفطرة، ولا من العقل، ولا من هدي الإسلام أن نجعل المرأة ندا للرجل، أو نجعلها رجلا معه يناطحه في قراراته، فهذا من الفساد الذي يدخل على الناس، فقد قال الله تعالى، ولله المثل الأعلى:
{لَوْ كَانَ فِيهِمَآ ءَالِهَةٌ إِلَّا ٱللَّهُ لَفَسَدَتَا ۚ فَسُبْحَٰنَ ٱللَّهِ رَبِّ ٱلْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ}.

♦️فلا يستقيم نظام الكون إلا بإله واحد، وكذلك لا يستقيم أي نظام إلا برئيس ومرؤوس، بل إن الإسلام أمر الأصحاب إذا كانوا في سفر أن يجعلوا أحدهم أميرا عليهم؛ تجنبا للنزاع والاختلاف، فقال صلى الله عليه وسلم:
“إذا خرجَ ثلاثةٌ في سفَرٍ فليؤمِّروا أحدَهُم”.
فكيف بحياة طويلة تستمر لعقود، لا بد من نظام وقانون يحميها من الخلل والانحراف، والفوضى والاضطراب.

♦️ومن فهم من هذه القوامة التسلط والقهر، وإرهاق الزوجة بالأوامر وتكليفها فوق طاقتها، فهذا من انعدام الرجولة والمروءة، ومن الجهل بتعاليم الإسلام، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم في مهنة أهله، وكان يخدم نفسه بنفسه، وأرشد أصحابه أن يقوم كلٌّ منهم بخدمة نفسه، فقال: “إن خيرا لأحدكم ألا يسأل الناس شيئًا”.

♦️بل إن الإسلام أمر السادة ألا يكلفوا عبيدهم بما يرهقهم، فكيف بالزوجة التي هي رفيقة الدرب، وشريكة العمر، وحبيبة القلب، ومهجة الفؤاد.

♦️إن الممارسات المؤذية من بعض الأزواج تجاه زوجاتهم، من تعسف وظلم وقهر، تمثل انحرافًا في الشخصية، وخللًا نفسيًا، وجهلاً بتعاليم الإسلام.

♦️وكذلك الممارسات المتمردة من بعض النسوة تحمل في حقيقتها انحرافًا عن الفطرة السوية، واستهتارًا بالحياة الزوجية، وسوء تقدير لمآلات الأمور.

♦️وكل هذا وذاك إنما هو نتيجة للبعد عن التعاليم الإسلامية، والجهل بنظام الأسرة في الإسلام، وسوء تربية نشأ عليها بعض الذكور وبعض الإناث.

♦️نسأل الله أن يبارك في بيوت المسلمين، وأن يملأها بالحب والسكينة والاستقرار، والسعادة الغامرة.

وليد قاسم ٥/ ٩/ ٢٠٢٥م