من مشكاة النبوة : دعم الزوجة لزوجها وقت الشدّة


بقلم الدكتور : محمد فهمي رشاد

مدرس التفسير وأصول الفقه بجامعة القصر الدولية بدولة ليبيا

من هديه ﷺ الذي يجب الاقتداء به لتقوية روابط الأسرة: دعم الزوجة لزوجها. وخير قدوة لنا في ذلك أم المؤمنين خديجة بنت خويلد – رضي الله عنها – زوجة النبي ﷺ.

فحين أخبر ﷺ عن نفسه بكيفية بدء الوحي، قال:
«جاءني جبريل – عليه السلام – وأنا نائم، بنمطٍ من ديباج فيه كتاب، فقال: اقرأ. قلت: ما أقرأ؟ قال: فغتَّني به حتى ظننتُ أنه الموت – ثلاثًا – ثم أرسلني فقال: اقرأ. فقلت: ما أقرأ؟ وما أقول ذلك إلا افتداءً منه أن يعود لي بمثل ما صنع بي. فقال: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ﴾ [العلق: 1-2]. قال: فقرأتها، ثم انتهى فانصرف عني، وهببتُ من نومي، فكأنما كُتِبَ في قلبي كتاب».

عاد ﷺ إلى زوجه خديجة – رضي الله عنها – وقصَّ عليها الخبر، وقال: «لقد خشيتُ على نفسي». فقالت له: «كلا، والله لا يُخزيك الله أبدًا؛ إنك لتصل الرحم، وتحمل الكلَّ، وتكسب المعدوم، وتُقري الضيف، وتعين على نوائب الدهر».

ثم انطلقت به إلى ابن عمها ورقة بن نوفل، وكان شيخًا كبيرًا قد عَمِي، وله اطّلاع على كتب الأقدمين. فقالت: «يا ابن عمّ، اسمع من ابن أخيك». فقال له ورقة: «يا ابن أخي، ماذا ترى؟». فأخبره النبي ﷺ بما رأى، فقال له ورقة: «هذا الناموس الذي أنزله الله على موسى. يا ليتني أكون حيًّا إذ يخرجك قومك». قال ﷺ: «أَوَ مخرجي هم؟». قال ورقة: «نعم، لم يأتِ رجل بمثل ما جئتَ به إلا عُودي، وإن يُدرِكني يومُك أنصرك نصرًا مؤزرًا». ولم يلبث ورقة أن تُوفِّي.

لقد كان موقف السيدة خديجة – رضي الله عنها – حينما جاءها النبي ﷺ وفؤاده يرتجف، موقفَ الزوجة الحنون العاقلة الكاملة، ذات الدعم المطلق لزوجها، والتصديق الكامل لحبيبها ﷺ؛ حيث طمأنته، ووصفته بمكارم الأخلاق؛ لتثبّت قلبه.

فليت كل زوجة تكون داعمةً لزوجها وخير معينٍ له، وكذلك الزوج يكون خير معينٍ لزوجته، خاصة وقت الشدائد؛ ليسود السكن والمودة والرحمة بينهما.