أهمية المنزع العقلي في الفقه الإسلامي المعاصر

سلسلة : مقالات في الفقه الإسلامي المعاصر
بقلم الأستاذ : مهدى صالحى

 

انطلاقا من الرؤية الديكارتية الفلسفية القائلة بأن العقل هو أعدل الأشياء توزّعا بين الناس فهو الآلة التي يتحقق في ضوئها الحيوية في كافة الحقول بالتحرّر من الجمود،وفي سياق الفكر الإسلامي فهو الأداة الحية التي تخلق ديناميكية بين الوحي والواقع،حيث يمثل الفكر الإسلامي ذلك المنتوج المعرفي المتعلق بالقضايا الإسلامية في مجال العقيدة والشريعة ذات طابع تجريدي تنطلق من مشاغل العصر.

الأمر الذي يستوجب تشكيل عقل إسلامي يعي قيمة الثوابت العقدية والتشريعية متبصّرا بخصوصية كل عصر وآماله وآلامه وتطلّعاته وعلى هذا الأساس فإن غائية الفكر الإسلامي المعاصر تحرير الذهنية السائدة من الصور النمطية التي تقصي كل تجديد متوقفة عند ظواهر النصوص التأسيسية بتعلّة التقليد الفقهي اللامشروع ؛والحقيقة أن ثنائية الاجتهاد والتقليد من المسائل الأصولية التي طُرحت في سياق فكري وحضاري تجرّأ فيه أشباه المتفقهين على النص بلاضوابط وبلامعقولية دون أن يحسنوا تنزيله وفهمه ورغم دعوة الوحي إلى القراءة والتعقل والعقلانية فإن الإفراط في استعمال العقل يمكن أن يلغي مقاصد النص

وفي سياق الحديث عن النزعة العقلية المقاصدية في الفكر الإسلامي ينبغي سبر أغوار الفكر التشريعي بما انه جزء من المنظومة الفكرية الإسلامية-بصياغة أصول الفقه ومباحثه وفروعه وفق فلسفة تشريعية تنطلق من المصادر الأصلية مع الرهان على البعد المقاصدي الذي يعدّ منزعا عقلانيا صرفا يوازن بين ثوابت النص ومتطلبات الواقع ذلك لأن المقاصد هي فن الشريعة ينظر في مقول النص ومعقوله بلاتحريف ولاإلغاء للأحكام ،وقد اتفق الأصوليون الأوائل على أن التفطن للمصالح والمآلات في نصوص الشريعة من شروط المجتهد في كل عصر وإلافإنه ليس على بصيرة بوضع الشريعة.

*الرؤية الحضارية للمقاصد في الفقه الإسلامي

تقترن المقاصد بالقيم الحضارية كالعدل والرحمة والحرية إذ يعتبر الطاهر بن عاشور أن الحرية من الكليات الأساسية في التشريع ومصلحة ضرورية كحفظ النفس والدين والعرض والعقل والمال،ثم إن تحرير العقل من القيود التي تكبّله عن الالتزام بمسؤوليته الحضارية هو من صميم المقاصد ولعل في طرح مسالة الحرية في الفكر الكلامي والفسفي المعاصر هدفه التحرر من تأويلات المجبرة لنصوص القدر الذي يكرس التواكل ويعيق الحركة الإنسانية عن الإنتاج والإنتاجية.

في مقابل المقاربات الاعتزالية التي انتصرت للنزعة العقلانية معتبرة العقل مناط التكليف وبما أن الانسان كائن عاقل فهو حر ومسؤول عن إدارة الوجود وأي فعل يصدر عنه ّإنما هو نابع عن عقل واع ومسؤول وهذا هوالفهم العقلاني لعقيدة القدر وهي في جوهرها عقيدة الحرية المسؤولة.

تسعى الرؤية المقاصدية للنص التأسيسي إلى بناء وعي حضاري ذو بعد واقعي بتقويم التصورات الطوباوية حول القدر ذلك أن مرجع الفهوم المحدودة هو التعامل الظاهري مع النص ويتنافى مع مقصد الحرية بما أنها شرط لكل إنجاز حضاري،ولهدا فإن الوعي المقاصدي في العقل الإسلامي له دور في القطع مع الاتجاه الظاهري الحرفي.