بقلم الشيخ / ايهاب صالح
5- الخطأ في الاستدلال:
يستدل البعض على حرمة الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، عن طريق طرح مقدمات في صيغة أسئلة تؤدي عنده إلى المطلوب، فيقول:
هل الاحتفال طاعة أم معصية؟ إذا قلت أنه طاعة فهل علمها النبي صلى الله عليه وسلم أم لم يعلمها؟ إذا قلت لم يعلمها كفرت، وإذا قلت علمها، فهل عملها النبي صلى الله عليه وسلم أم لم يعملها؟ إذا قلت لم يعملها فأنت إذن تتهم النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يبلغ عن ربه.
والنتيجة أن الاحتفال إذن معصية.
وجدير بالذكر أن هذا الاستدلال فاسد، لأنه مبني على مقدمات فاسدة:
أولا فالنبي صلى الله عليه وسلم عمل بالاحتفال بمولده، بالصيام يوم الاثنين من كل اسبوع، لأنه يوم مولده، إذن الخلاف يجب أن يكون في شكل الاحتفال لا في الاحتفال ذاته.
ثانيا وكما هو متفق عليه عند الفقهاء والأصوليين أن الترك وعدم الفعل ليس دليلًا على التحريم، فالنبي صلى الله عليه وسلم ترك أمورًا ولم يقل أحد من العلماء أنها محرمة.
ثالثا أن صورة الاستدلال بهذا الشكل تهدم قواعد الدين التي أسسها العلماء على قواعد الكتاب والسنة، بل ويوقعه في التحجر والجمود وعدم مسايرة تطور حركة الحياة.
ولو طبقنا صورة هذا الاستدلال سنقع في تحريم ما أجمعت على صحته الأمة في أصول وفروع عدة.
ومن أمثلة ذلك شكل القرآن وإعجامه – أي وضع الحركات على الحروف، ووضع النقاط على الحروف – وجمع القرآن، وكذلك كتابة السنة، وتأسيس العلوم، وغير ذلك كثير، ولنأخذ مثالا مسألتي وضع النقاط والتشكيل على حروف القرآن ومسألة كتابة السنة، وعلى نفس صورة القياس الفاسدة هذه، نقول:
هل تشكيل القرآن (وكتابة السنة) طاعة أم معصية؟ إذا قلت أنها طاعة فهل علمها النبي صلى الله عليه وسلم أم لم يعلمها؟ إذا قلت لم يعلمها كفرت، وإذا قلت علمها، فهل بلغها النبي صلى الله عليه وسلم أم لم يبلغها؟ إذا قلت بلغها فأنت تكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا قلت لم يبلغها فأنت إذن تتهم النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يبلغ عن ربه.
النتيجة إذن شكل القرآن وإعجامه وكتابة السنة معصية.
فهل يقول بذلك مسلم عاقل؟!!!
وجدير بالذكر أن هذه الاستدلالات الفاسدة تقوم على المفهوم الخاطئ للبدعة، وحصرها فقط فيما لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا مفهوم قاصر جدا لمفهوم البدعة، يضيق على المسلمين حياتهم، ويوقع الدين في العنت والتحجر والجمود.
وسيكون موضوع البدعة موضوع عدة منشورات قادمة إن شاء الله.
يا سادة لقد وضع العلماء قواعد وضوابط لتحرير المسائل، وطرق استنباطها، وليس من بينها الترك، أما القياس فهو من أهم مصادر التشريع، وأعمق ابواب الأصول، وأصعبها، ولولا القياس لوقعنا في العنت والتحجر والجمود.
أما حكم الاحتفال فهو متغير حسب حصر صوره، وهذا موضوع المنشور القادم وهو الأخير إن شاء الله.
اللهم صلّ وسلم وبارك على نبينا وحبيبنا وقدوتنا وطبيب قلوبنا سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
6- محل الخلاف:
نحن الآن وكالعادة في موسم من مواسم الاختلافات المضحكة المبكية، التي تدل على المستوى المتدني الذي نعيشه، فقد التبس الأمر علينا، وصارت عقول الأمة ونفسيتها وثقافتها وعلاقتها في حالة صدام مع بعضها، وجمود مع دينها، الذي يصلح لكل مكان وزمان.
نختلف في كل مناسبة نفس الاختلافات، ويقدم كل فريق نفس الأدلة ونفس المبررات ونفس الردود ونفس الاتهامات، المحفوظة كل عام، ولا أحد يتغير، لأن التعصب للمذهب والتيار هو الذي يحكمنا.
والعجيب إننا في كل مرة نتجادل بنفس الحماس وكأنها المرة الأولى، وكأن مستقبل الأمة متوقف على ذلك، ولا نكل ولا نمل.
الخلاصة:
يمكننا تحديد محل الخلاف حول حكم الاحتفال بالمولد النبوي الشريف حسب سلوك المحتفلين، وسلوك مَن يحتفل بالمولد النبوي يتلخص في أربعة أشكال كالتالي:
1- مَن يعتبرون الاحتفال فرض ديني كعيد الفطر وعيد الأضحى.
وهذا بالطبع بدعة ولا يجوز، لأنه إقحام في الدين ما ليس منه.
2- مَن يعتبرون الاحتفال ذكرى خير خلق الله صلى الله عليه وسلم، فيحتفلون حبًا في رسول الله صلى الله عليه وسلم، الرحمة المهداة، فيدعون لتذكير الغافلين بالشرع الشريف، وتعلم سيرته الشريفة، واتباع سنته المطهرة.
وهذا مستحب جدٍا، ومطلوب في زمننا هذا، بل أراه من واجبات الوقت.
3- مَن يتخذ المناسبة لتوزيع الطعام والحلوى.
وهذا جائز لا شيء فيه، بل يثاب على قدر نيته.
4- مَن يحتفل بما يخالف الشرع الشريف، بأي وجه من الوجوه.
وهذا حرام يأثم صاحبه.
أما الخلاف لمجرد الخلاف فهو سلوك من لا عقل لهم ولا إخلاص
يا أهل الله، مَن رأى جواز الاحتفال فليحتفل، ومن يرى عدم جواز الاحتفال فلا يحتفل، وليحترم كل فريق رأي الآخر، دون خلاف ولا نزاع.
تذكروا أننا أمة احترام الاختلاف، فلدينا أربعة مذاهب فقهية، وثلاثة مذاهب عقائدية، وخمس مدارس نحوية، بالإضافة إلى القراءات العشر للقرآن، وقد نشأنا على احترام كل ذلك.
ولكنا الآن صرنا لا نحترم أي اختلاف ولا أي آراء، فأنت إما معي فتكون من أهل الجنة، وإما تخالفني فتصبح من أهل النار، وذلك بفعل التطرف الداخلي والتآمر الخارجي.
استفيقوا من غفلتكم، ودعوكم من الفروع والخلاف والتفتوا إلى إعادة بناء الأمة، وانتبهوا إلى قضايا الأمة الكبرى، وما يحيط بنا من مؤامرات وصراعات.
استفيقوا يرحمكم الله
اللهم صلّ وسلم وبارك على نبينا وحبيبنا وقدوتنا وطبيب قلوبنا سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وإلى اللقاء في موسم الاختلاف القادم فاستعدوا لتكفير بعض.