خطبة بعنوان (البيئة هي الرحم الثاني والأم الكبرى) للدكتور أيمن الحداد


خطبة بعنوان (البيئة هي الرحم الثاني والأم الكبرى)
للدكتور : أيمن حمدى الحداد

نص الخطبة
الحمد لله الذي جعل الأرض قراراً وجعل فيها أنهاراً وفجاجاً وأخرج منها نبات كل شيء وقدر فيها الأقوات وسخر الشمس والقمر دائبين والنجوم بالليل بازعات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمداً عبدالله ورسوله وخليله من خلقه وحبيبه اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه حق قدره ومقداره العظيم وعلى آله الطيبين الطاهرين وأصحابه الغر الميامين وأحشرنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين أما بعد؛ فيا أيها المسلمون: لقد أنعم الله عز وجل على الناس بنعم كثيرةٍ لا تُعدُّ ولا تُحصى؛ قال تعالى: ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا﴾(النحل: ١٨)، والبيئة من أَنْفَس هذه النعم

التى تستوجب الشكر، ومن هنا كانت دعوة الإسلام إلى وجوب المحافظة على البيئة وحمايتها، وبيان أن ذلك مسؤولية كل فرد من أفراد المجتمع حتى يعيش الناس في بيئة صحية، جميلة المظهر، خالية من الأوبئة والأمراض

– إن البيئة هي كل ما يحيط بالإنسان من أشياء يتفاعل معها، فالبيئة تشمل جميع المكونات الحية (الحيوية) كالنباتات والحيوانات والكائنات الدقيقة، بالإضافة إلى جميع المكونات غير الحية (اللاحيوية) كالهواء والماء والتربة وأشعة الشمس ودرجة الحرارة.
– والبيئة تتأثر بوجود الإنسان وكذلك فإن الإنسان يتأثر بها حيث العلاقة التفاعلية بينهما متبادلة؛ قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾(سبأ: ١٠-١٢)، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «إن أُحُدًا جبلٌ يُحبُّنا ونحبُّه» رواه مسلم.

– إن المتأمل فى كتاب الله عز وجل يجد أن هناك آيات قرآنية كثيرة تتحدث عن الجمال والإبداع فى خلق الكون والبيئة؛ قال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذي أَنزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخرَجنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيءٍ فَأَخرَجنا مِنهُ خَضِرًا نُخرِجُ مِنهُ حَبًّا مُتَراكِبًا وَمِنَ النَّخلِ مِن طَلعِها قِنوانٌ دانِيَةٌ وَجَنّاتٍ مِن أَعنابٍ وَالزَّيتونَ وَالرُّمّانَ مُشتَبِهًا وَغَيرَ مُتَشابِهٍ انظُروا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثمَرَ وَيَنعِهِ إِنَّ في ذلِكُم لَآياتٍ لِقَومٍ يُؤمِنونَ﴾(الأنعام: ٩٩)،

وقال تعالى: ﴿خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ﴾(لقمان: ١٠)،
وقال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّـهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَأَنَّ اللَّـهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾(لقمان: ٢٩)،

وقال تعالى: ﴿قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً للسَّائِلِينَ ثُمَّ اسْتَوَى إلى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾(فصلت: ٩-١٢)،

وقال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ﴾(فاطر : ٢٧-٢٨)،

– وجوب الحفاظِ على البيئةِ وصيانَتِهَا عن كلِّ ما يَذْهَبُ بِجَمَالِهَا، أوْ يَضُرُّ بِبِنَائِهَا، والتحذيرِ من الإفسادِ فيهَا، أو العبثِ بهَا، قالَ تعالى: ﴿كُلُواْ وَاشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾(البقرة: ٦٠)وقال تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ﴾(البقرة: ٢٠٤-٢٠٧)،

– دعاء سيدنا رسول الله ﷺ لبيئة المدينة؛ فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: «لَمَّا قَدِمَ رَسولُ اللَّهِ ﷺ وُعِكَ أبو بَكْرٍ وبِلَالٌ، قَالَتْ: فَدَخَلْتُ عليهمَا، فَقُلتُ: يا أبَتِ كيفَ تَجِدُكَ؟ ويَا بلَالُ كيفَ تَجِدُكَ؟ قَالَتْ: وكانَ أبو بَكْرٍ إذَا أخَذَتْهُ الحُمَّى يقولُ: كُلُّ امْرِئٍ مُصَبَّحٌ في أهْلِهِ… والمَوْتُ أدْنَى مِن شِرَاكِ نَعْلِهِ وَكانَ بلَالٌ إذَا أُقْلِعَ عنْه يَرْفَعُ عَقِيرَتَهُ فيَقولُ: أَلَا لَيْتَ شِعْرِي هلْ أبِيتَنَّ لَيْلَةً… بوَادٍ وحَوْلِي إذْخِرٌ وجَلِيلُ وَهلْ أرِدَنْ يَوْمًا مِيَاهَ مِجَنَّةٍ… وهلْ تَبْدُوَنْ لي شَامَةٌ وطَفِيلُ!!

قَالَتْ عَائِشَةُ: فَجِئْتُ رَسولَ اللَّهِ ﷺ فأخْبَرْتُهُ،

فَقَالَ: اللَّهُمَّ حَبِّبْ إلَيْنَا المَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ أوْ أشَدَّ، وصَحِّحْهَا، وبَارِكْ لَنَا في صَاعِهَا ومُدِّهَا، وانْقُلْ حُمَّاهَا فَاجْعَلْهَا بالجُحْفَةِ» رواه البخارى ومسلم.

وعن أبي سعيد الخدرى رضي الله عنه قال رسول الله ﷺ: «اللهم إنَّ إبراهيمَ حرَّم مكةَ فجعلَها حرامًا، وإني حرّمتُ المدينةَ ما بين مأْزَمَيْها؛ أن لا يُراق فيها دمٌ، ولا يُحمَلُ فيها سلاحٌ لقتالٍ، ولا يُخبَطُ فيها شجرةٌ إلا لعلفٍ. اللهم بارِك لنا في مدينتِنا. اللهم بارِكْ لنا في صاعِنا. اللهم بارِكْ لنا في مُدِّنا. اللهم اجعلْ مع البركة بركتَينِ، والذي نفسي بيده ما من المدينةِ شعبٌ ولا نَقْبٌ إلا عليه ملَكانِ يحرسانِها؛ حتى تقدُموا إليها» رواه مسلم.
– نظافة البيئة مسؤولية الجميع؛ قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﴾(البقرة: ٢٢٢)،

وعن سهل ابن الحنظلية الأنصاري رضي الله عنه قال رسول الله ﷺ: «إِنَّكُم قادِمونَ على إخوانِكُمْ، فأصْلِحُوا رحالَكم، و أصلِحُوا لباسَكُم، حتى تكونُوا كأنَّكُم شامَةٌ في الناسِ، فإِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الفُحْشَ ولا التَّفَحُّشَ» رواه الحاكم.

وعَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «عُرِضَتْ عَلَيَّ أَعْمَالُ أُمَّتِي حَسَنُهَا وَسَيِّئُهَا فَوَجَدْتُ فِي مَحَاسِنِ أَعْمَالِهَا الْأَذَى يُمَاطُ عَنْ الطَّرِيقِ، وَوَجَدْتُ فِي مَسَاوِي أَعْمَالِهَا النُّخَاعَةَ تَكُونُ فِي الْمَسْجِدِ لَا تُدْفَنُ» رواه مسلم.

وعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال رسول الله ﷺ: «لا يدخلُ الجنَّةَ من كانَ في قلبِهِ مثقالُ ذرَّةٍ مِن كبرٍ فقالَ رجلٌ: إنَّ الرَّجلَ يحبُّ أن يَكونَ ثوبُهُ حسنًا ونعلُهُ حسنةً؟ فقالَ: إنَّ اللهَ جميلٌ يحبُّ الجمالَ» رواه مسلم.

– ومن المحافظة على البيئة الرفق بما فيها من مخلوقات؛ فعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال رسول الله ﷺ: «عُذِّبَتِ امرأةٌ في هِرَّة، لَمْ تُطْعِمْها، ولم تسقها، ولَمْ تَتْرُكها تأكل مِن خَشاش الأرض» رواه البخارى.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله ﷺ قال: «إنَّ امرأةً بَغيًّا رأتْ كَلْبًا في يومٍ حارٍّ، يطيف بِبِئْر، قد أَدْلَعَ لِسَانه منَ العَطَش، فَنَزَعَتْ له بِمُوقها – أي: اسْتَقَتْ له بِخُفِّها – فغُفِر لها» رواه مسلم.

لقَد غَفَر الله لهذه البَغِي ذُنُوبها؛ بِسَبب ما فَعَلَتْه من سقي هذا الكلب.

وعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال رسول الله ﷺ: «من قتل عصفورًا فما فوقَها بغيرِ حقِّها سأل اللهُ عزَّ وجلَّ عنها يومَ القيامةِ. قيل: يا رسولَ اللهِ فما حقُّها؟ قال: حقُّها أنْ تذبحَها فتأكلَها، ولا تُقطعْ رأسَها فيُرمَى بها» رواه النسائي وفي سنده مقال.

– ومن المحافظة على البيئة مراعاة حق الطريق؛ فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن النبي ﷺ قال: «إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ عَلَى الطُّرُقَاتِ»، فَقَالُوا: مَا لَنَا بُدٌّ إِنَّمَا هِيَ مَجَالِسُنَا نَتَحَدَّثُ فِيهَا، قَالَ: «فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلَّا الْمَجَالِسَ، فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهَا»، قَالُوا: وَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ؟ قَالَ: «غَضُّ الْبَصَرِ، وَكَفُّ الْأَذَى، وَرَدُّ السَّلَامِ، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهْيٌ عَنِ الْمُنْكَرِ» متفق عليه.

فبين سيدنا رسول الله ﷺ أن من حق الطريق؛
– غض البصر وقد أمر الله به؛ قال تعالى: ﴿قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ﴾(النور: ٣٠)، وعن جرير ابن عبدالله قال: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنْ نَظَرِ الْفُجَاءَةِ؟ «فَأَمَرَنِي أَنْ أَصْرِفَ بَصَرِي» رواه مسلم.
وعن ابن بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله ﷺ قال: «يَا عَلِيُّ، لَا تُتْبِعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ، فَإِنَّ لَكَ الْأُولَى، وَلَيْسَتْ لَكَ الْآخِرَةُ»رواه أبو دواد.
وصدق القائل:
كُلُّ الحَوَادِثِ مَبْدَاهَا مِنَ النَّظَرِ
وَمُعْظَمُ النَّارِ مِنْ مُسْتَصْغَرِ الشَّرَرِ
والمَرْءُ مَا دَامَ ذَا عَيْنٍ يُقَلِّبُهَا
فِي أَعْيُنِ الغِيدِ مَوقُوفٌ عَلَى الخَطَرِ
كَمْ نَظْرَةٍ فَتَكَتْ فِي قَلْبِ صَاحِبِهَا
فَتكَ السِّهَامِ بِلَا قَوسٍ ولَا وَتَرِ
يَسُرُّ نَاظِرَهُ مَا ضَرَّ خَاطِرَهُ
لَا مَرحَبًا بِسُرُورٍ عَادَ بِالضَّرَرِ

– كف الأذى؛ فعن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي اللهُ عنهُ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ – أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ – شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنْ الْإِيمَانِ» متفق عليه.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي ﷺ قال: «بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ، وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ، فَأَخَذَهُ فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ، فَغَفَرَ لَهُ»رواه البخارى.
وفي رواية لمسلم: «لَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلًا يَتَقَلَّبُ فِي الْجَنَّةِ فِي شَجَرَةٍ قَطَعَهَا مِنْ ظَهْرِ الطَّرِيقِ، كَانَتْ تُؤْذِي النَّاسَ».

وعن أَبِي بَرْزَةَ قَالَ: قُلتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، عَلِّمْنِي شَيئًا أَنتَفِعُ بِهِ؟ قَالَ: «اعْزِلِ الْأَذَى عَنْ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ»رواه مسلم.

– ومن كف الأذى عن الطريق العام؛ عدم قضاء الحاجة في طريق الناس، أوظلهم، فعن أبي هريرة: أن النبي ﷺ قال: «اتَّقُوا اللَّعَّانَيْنِ»، قَالُوا: وَمَا اللَّعَّانَانِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «الَّذِي يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ، أَوْ فِي ظِلِّهِمْ»رواه مسلم.

وقد أخرجَ الطبرانِيُّ أنَّ النبيَّ ﷺ قال: «مَنْ آذَى المُسْلِمِينَ في طُرقِهِمْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ لَعْنَتُهُمْ»، ويدخلُ في الأذَى التعدى على الطريق فنجد بعض أصحاب المحال والمقاهى يحتل الأرصفة ويستخدمها استخداماً خاصاً فيضيق على الناس ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

– الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال تعالى: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ﴾ (آل عمران: ١١٠)،

قال القرطبي رحمه الله: إنما صارت أمة محمد ﷺ خير أمة، لأن المسلمين منهم أكثر والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيهم أفشى.

– ومن المحافظة على البيئة المحافظة على الثروة المائية؛ إن الماء هو سر الحياة والأساس على كوكب الأرض، ومن نعم الله عز وجل علينا أن جعل ثلاثة أرباع الأرض مياه وهذا ما أدى إلى تسمية كوكب الأرض بالكوكب الأزرق الذي تتنوع فيه أنواع وأشكال الماء، الذي منه الماء العذب، والماء المالح؛ قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾(الأنبياء: ٣٠)،

وقال تعالى: ﴿وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ﴾(النور: ٤٥)،

وقال تعالى:﴿وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ﴾ (النحل: ٦٥)، ويعد تلويث المياه من أخطر ما يستهين به البعض فيقوم بصرف مياه الصرف الصحى على مجرى النيل أو صرف نفايات المصانع، وهذا مُحرم شرعاً لما يترتب على ذلك من أضرار كانتشار الأوبئة والأمراض الفتاكة، ولقد شدد سيدنا رسول الله ﷺ فى النهى عن ذلك؛ فَعَنْ جَابِرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: «أَنَّهُ نَهَى عَنْ الْبَوْلِ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ» رواه مسلم.

وفي رواية: «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ الَّذِي لَا يَجْرِي ثُمَّ يَغْتَسِلُ فِيهِ» متفق عليه.
– عدم الاسراف فى استخدام المياه؛ نلاحظ أن بعض الناس عندما يستخدم المياه فى الأماكن العامة يُسرف فى ذلك، لا سميا تلك المرافق الملحقة بدور العبادة والأندية والمتنزهات العامة، ولقد دعانا ديننا الحنيف إلى ترشيد استهلاك المياه، فعن ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ مَرَّ عَلَى سَعْدٍ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ فَقَالَ:«مَا هَذَا السَّرَفُ؟» فَقَالَ: أَفِي الْوُضُوءِ إسْرَافٌ؟ قَالَ:«نَعَمْ وَإِنْ كُنْتَ عَلَى نَهْرٍ جَارٍ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.

ولقد جاء أعرابى إلى النبي ﷺ يسأله عن الوضوء؟ فأراه الوضوءَ ثلاثًا ثلاثًا، ثمَّ قال: «هَكذَا الْوُضُوءُ، فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا فَقَدْ أَسَاءَ وَتَعَدَّى وَظَلَمَ»رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه.

قال الشوكاني في نيل الأوطار: وفي الحديث دليل على أنَّ مجاوزة الثَّلاث الغسلات من الاعتداء في الماء.

والعجيب رغماً من دعوة الإسلام للحفاظ على الماء لأنه من المنافع العامة والمشتركة بين الناس

إلا أننا نجد من يسرف ويهدر فى استعماله بيد أن هناك كثير من الذين يعانون من ندرة المياه، فهل ما يفعله هؤلاء إلا نوع من كفر النعمة وعدم القيام بشكرها؟!

– ومن المحافظة على البيئة الحرص على التشجير؛ فعنْ جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّه ﷺ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْساً إلاَّ كانَ مَا أُكِلَ مِنْهُ لهُ صَدَقَةً، وَمَا سُرِقَ مِنْه لَه صدقَةً، وَلاَ يرْزؤه أَحَدٌ إلاَّ كَانَ لَهُ صَدَقَةً» رواه مسلم.
وفي رواية لَهُ: فَلا يغْرِس الْمُسْلِم غَرْساً، فَيَأْكُلَ مِنْهُ إِنسانٌ وَلاَ دابةٌ وَلاَ طَيرٌ إلاَّ كانَ لَهُ صدقَةً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامة.

وفي رواية لَهُ: لَا يغْرِس مُسلِم غرْساً، وَلاَ يزْرعُ زرْعاً، فيأْكُل مِنْه إِنْسانٌ وَلا دابَّةٌ وَلاَ شَيْءٌ إلاَّ كَانَتْ لَه صَدَقَةً، ورويَاه جميعاً مِنْ رواية أَنَسٍ رضي الله عنه.
– ولقد نهى سيدنا رسول الله ﷺ عن ترك الأرض بورًا من غير زرع؛ فعن أبى هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «مَن كانَتْ له أرْضٌ فَلْيَزْرَعْها، أوْ لِيَمْنَحْها أخاهُ، فإنْ أبَى فَلْيُمْسِكْ أرْضَهُ.» رواه البخاري، ومسلم.

– ولقد حث ﷺ على الغرس والزراعة حتى في أشد المواقف وأصعبها؛ فعن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلةٌ، فإن استطاع ألَّا يقوم حتى يغرسها فليفعل» رواه أحمد في المسند، والبخاري في الأدب المفرد.

فاتقوا الله عباد الله: وحافظوا على البيئة ونظافتها وجمالها.
أقول قولي هذا واستغفر الله لى ولكم.

الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى وصلاة وسلاماً على عباده الذين اصطفى أما بعد؛ فيا أيها المسلمون: لقد اهتم ديننا الحنيف بالمحافظة على البيئة اهتماماً كبيراً، وكان له السبق في وضع القواعد والتشريعات التي تضمن سلامتها واستقرارها فأوجب ربنا تبارك وتعالى
صيانة البيئة عما يُغضبه عز وجل؛ فإن انتشار الذنوب والمعاصي خرابٌ للبيئة العامرة، وسلبٌ للنعم الباطنة والظاهرة؛ قال تعالى: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾(الروم:٤١)

وقال تعالى عن قوم نوح: ﴿مِّمَّا خَطِيٓـَٰٔتِهِمْ أُغْرِقُواْ فَأُدْخِلُواْ نَارًا فَلَمْ يَجِدُواْ لَهُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ أَنصَارًا﴾(نوح: ٢٥)، وقال تعالى عن قوم لوط: ﴿فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ ۖ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ﴾(هود: ٨٢-٨٣)، وقال تعالى عن أقوام أهلكهم: ﴿فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾العنكبوت: ٤٠)،

وعن أم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها:
«أنَّ النَّبيَّ ﷺ دَخَلَ عَلَيْهَا فَزِعًا يقولُ: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ! ويْلٌ لِلْعَرَبِ مِن شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ؛ فُتِحَ اليومَ مِن رَدْمِ يَأْجُوجَ ومَأْجُوجَ مِثْلُ هذِه، وحَلَّقَ بإصْبَعِهِ الإبْهَامِ والَّتي تَلِيهَا، قالَتْ زَيْنَبُ بنْتُ جَحْشٍ: فَقُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ، أَنَهْلِكُ وفينَا الصَّالِحُونَ؟ قالَ: نَعَمْ؛ إذَا كَثُرَ الخَبَثُ» رواه البخارى.

– ترويج المخدرات؛ إن المخدرات أشد فتكاً بالبيئة من الحروب والكوارث فهي تضيع الدنيا والدين، وتورث الحسرة في الدارين؛ لقد لعن سيدنا رسول الله ﷺ شارب الخمر، وبائعها، وشاريها، وعاصرها، ومعتصرها، وساقيها، وحاملها، والمحمولة إليه، فعن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ: «أتاني جِبْرِيلُ عليه السلامُ فقال: يا محمَّدُ، إنَّ اللهَ لعَنَ الخمرَ، وعاصِرَها، ومعتصِرَها، وشاربَها، وحاملَها، والمحمولةَ إليه، وبائعَها، ومبتاعَها، وساقيَها، ومستقاها» رواه أحمد.

والذى يشرب الخمر، ويتعاطى المخدرات، قد تنكر لإيمانه؛ قال رسول الله ﷺ: «ولا يشربُ الخمرَ حين يشربُها وهو مؤمنٌ» رواه البخاري ومسلم.

وشارب الخمر، إن لم يتب يلقى الله كعابد الصنم قال رسول الله ﷺ: «مُدمن الخمر إن مات لقي الله كعابد وثن» رواه أحمد.

والإدمان مرحلة يصبح فيها الإنسان عبداً للخمر، والمخدرات، فلو كان ثمنها عرضه أو ربما حياته لجاد بها، لأنه قد وصل إلى أقصى درجات التعلق بها؛ قال رسول الله ﷺ: «لا يدخل الجنة مدمن خمر» رواه ابن ماجه، وصححه ابن حبان.

– إشاعة الفواحش ونشرها على وسائل التواصل؛ إن من أخطر الآثام التي ترتكب من خلال وسائل التواصل الاجتماعي قيام بعض المغرضين بتلويث هذه المواقع بإشاعة الفواحش والمجاهرة بها ولقد حذر ربنا تبارك وتعالى إشاعة الفواحش؛ قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾(النور:١٩)، وعن أبى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا المُجَاهِرِينَ، وَإِنَّ مِنَ المُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلًا، ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَيَقُولَ: يَا فُلاَنُ، عَمِلْتُ البَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ، وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ» متفق عليه.

قال ابن مسعود: «كاد الجُعَلُ أن يُعذَّب في جُحْرِهِ بذنب ابن آدم».
قال يحيى بن أبي كثير: «أمَرَ رجل بالمعروف ونهى عن المنكر، فقال له رجل: عليك نفسك.

فإن الظالم لا يضر إلا نفسه.
فقال أبو هريرة: كذبت والله الذي لا إله إلا هو، ثم قال: والذي نفسي بيده، إن الحُبَارَى لَتَموت هزلًا في وكْرِها بظلم الظالم».

قال الثمالي ويحيى بن سلام: يحبس الله المطر فيهلك كل شيء».

عباد الله؛ إن عمارة البيئة تكون بالعمل الصالح الذى يكون سبباً فى نزول البركات وكثرة الخيرات؛ قال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾(الأعراف: ٩٦)،

وقال تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾(النور:٥٥-٥٦)،

ولقد بين سيدنا رسول الله ﷺ أن البيئية تستريح من أصحاب المعاصي؛ فعن أبى قتادة الحارث بن ربعي رضي الله عنه: «أنَّ رسولَ اللَّهِ ﷺ مرَّ عليْهِ جنازةٌ فقالَ: مستريحٌ ومستراحٌ منْهُ..

فقالوا: ما المستريحُ وما المستراحُ منْهُ؟
قالَ: العبدُ المؤمنُ يستريحُ من نصَبِ الدُّنيا وأذاها والعبدُ الفاجرُ يستريحُ منْهُ العبادُ والبلادُ والشَّجرُ والدَّوابُّ» رواه النسائي.
فاتقوا الله عباد الله: وحافظوا على طاعة ربكم جل وعلا وحافظوا على بيئتكم من أن يُجاهر فيها بالعصيان.
اللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين