في سبب نزول سورتي الفلق و الناس

بقلم د.إيمان إبراهيم عبد العظيم
مدرس بكلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر – واعظة بوزارة الأوقاف

ورد في سبب نزول المعوذتين (سورة الفلق والناس) روايات مشهورة، وأصحّها كما ذكر المفسرون القصة المشهورة كيف حاول اليهود إيذاء النبي ﷺ بالسحر، وكيف أنقذه الله بمعجزته وشفائه العظيم…

فقد كان هناك غلام يهودي يخدم النبيﷺ ، فجاءه قوم من اليهود، وطلبوا منه أمرًا خطيرًا! قالوا له: “نريد بعضًا من شعر النبي وما علق في مشطه من شعره، وحتى بعض أسنان المشط.”

ظلّوا يضغطون عليه ويغروه، حتى استجاب لهم وأعطاهم ما أرادوا.

أخذ اليهود تلك الأشياء، وذهبوا بها إلى أحد سحرتهم، وكان يُدعى لبيد بن الأعصم، فقام بعمل سحر شديد للنبيﷺ ، ووضعه في بئر تُدعى “ذروان”، وهي بئر في أرض بني زُريق، وخبّأ السحر تحت صخرة في قاع البئر، داخل طلع ذكر نخلة، ولفّه في جلد، وربط فيه أحد عشر عُقدة.

وبعدها بدأ النبيﷺ يُصاب بالمرض دون سبب ظاهر، ظلّ مريضًا ستة أشهر، يتساقط شعره، ويضعف بدنه، ويشعر وكأنه مربوط لا يقدر على الحركة، وكان يرى أشياء في منامه ولا يراها في الحقيقة، حتى اشتد عليه الأمر.

ورد عن ابن عباس قال: «مرض رسول الله ﷺ مرضًا شديدًا، فأتاه مَلَكان، فقعد أحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه، فقال الذي عند رجليه للذي عند رأسه: ما ترى؟ قال: طُبَّ، قال: وما طُبَّ؟ قال: سُحِرَ، قال: ومَنْ سَحَره؟ قال: لبيد بن الأعصم اليهودي، قال: أين هو؟ قال: في بئر آل فلان تحت صخرة في رَكِيَّة، فَأْتوا الرَّكِيَّة، فانزحوا ماءها، وارفعوا الصخرة، ثم خذوا الكُدْية وأحرقوها، فلما أصبح رسول الله ﷺ بعث عمار بن ياسر في نفر، فَأَتوا الرَّكِيَّةَ، فإذا ماؤها مثل ماء الحناء، فنزحوا الماء، ثم رفعوا الصخرة، وأخرجوا الكُدْيَةَ، وأحرقوها، فإذا فيها وتر فيه إحدى عشرة عقدة، وأُنزلت عليه هاتان السورتان، فَجَعل كلما قرأ آية انحلت عقدة: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ١﴾ [الفلق:١] و﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ١﴾ [الناس:١]». وفي ذات السبب أخرج أبو نعيم في «دلائل النبوة» عن أنس بن مالك قال: «صنعت اليهود لرسول الله ﷺ شيئًا، فأصابه من ذلك وجع شديد، فدخل عليه أصحابه فظنوا أنه لُمَّ به، فأتاه جبريل بالمعوذتين، فعوَّذوه بهما، فخرج إلى أصحابه صحيحًا».

قال البغوي: «وقيل: كانت مغروزة بالإبر، فأنزل الله عز وجل هاتين السورتين، وهما إحدى عشرة آية: سورة الفلق خمس آيات، وسورة الناس ست آيات، فكلما قرأ آية انحلت عقدة، حتى انحلت العقد كلها، فقام النبي ﷺ كأنما نشط من عِقال، قال: وروي أنه لبث فيه ستة أشهر، واشتد عليه ثلاثة أيام، فنزلت المعوذتان.

و لعظيم فضل المعوذتين فقراءتهما قبل النوم سنة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: (أنَّ النبيَّ ﷺ كانَ إذَا اشْتَكَى يَقْرَأُ علَى نَفْسِهِ بالمُعَوِّذَاتِ، وَيَنْفُثُ، فَلَمَّا اشْتَدَّ وَجَعُهُ كُنْتُ أَقْرَأُ عليه، وَأَمْسَحُ عنْه بيَدِهِ، رَجَاءَ بَرَكَتِهَا). و يعني: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا آوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه ثم نفث فيهما فقرأ فيهما: قل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس، ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده، يفعل ذلك ثلاث مرات .

فنزلت سورة الفلق والناس لتكونا حرزًا وشفاءً، وبهما استعاذ النبي ﷺ من شر السحر والحسد والوسواس، وجعلهما الله آيةً باقية لكل مسلم ومسلمة يتعوذ بهما من الشرور.