بقلم الدكتور الشيخ : محمد سعيد صبحي السلمو ( الأزهرى البابي الحلبي )
حتى سامها كل مفلس قبل الرد احب أن أقول لك وأنصحك : إن لم تكن حاصلا على شهادة دكتوراه في الطب فأنت طبيب ولست دكتور هذا في مقياس اللغة العربية
يادكتور س … كأنك خرجت من عيادتك، لا تحمل سماعة الطبيب، بل تحمل ميزانا بائسا تزن به الرجال لا بما يحملون من علم، بل بما يملكون من مال!
إنك – وأنت الطبيب – لم ترَ في طالب العلم إلا رجلا عاطلا لا صنعة له، وما علمت أن عِلمه هو صنعة الأمم، وأنه اللبنة الأولى في بناء الحضارة، وأنك – لولا إرث العلم – ما كنت لتخطو في طريقك إلى الطب ولا إلى غيره.
إنك ضقت بمسكن لطالب علم وقلت بعشرات أضعاف راتبه ، وكأن إكرام العالم غير واجب على الأمة ، وانت لو عملت في دولة خليجية لكان حقا عليهم تأمين مسكن فاخر لك وتعتبره حقا لك، وأطلقت لسانك في غير ميدانك، وتكلمت عن مهنة ليست مهنتك، وعلومٍ لا تحسن بابا من أبوابها. أفكنت يادكتور لتقترح على الإمام النووي أن يعمل في محل خضار؟ أو تعرض على الإمام الشافعي وظيفةً في البريد؟ أو ترسل الإمام البخاري إلى فرنٍ يبيع الخبز؟!
أتقيس العلم بالمهنة؟! أتضع كتاب الله وسنة رسوله في كفة، وفي الكفة الأخرى دريهمات تصرف في عملٍ يُلهي عن الرسالة؟! أوَما علمت أن العلم في الإسلام رسالة لا وظيفة، وأن طالب العلم هو وريث النبوة لا موظفٌ عند الناس؟!
أما ما تفضلت به من قولك: ليعملوا فأقول لك: أجل، لكل إنسانٍ ميدانه، وكل صاحب علمٍ له شأنه، فإن زاحم الطبيب الفقيه في فقهه، أو زاحم الفقيه الطبيب في عيادته، اختلطت الأمور، وضاعت المقاييس، وقُدّمت القشور على اللباب.
فمن كان يظن أن العلم يُنال بلا تفرغ، أو يُستخرج بلا تضحية، فليقرأ سيرة النووي، الذي عاش على القليل، وترك الزواج والمتاع، ليحيي السنن، ويدوّن العلم، ويصون التراث. ومن كان يظن أن العلماء سواسيةٌ بعامة الناس، فليقرأ كيف كان نور الدين زنكي يبذل أوقافه لطلبة العلم، ويقول: هذه حقوقهم، لا منّةٌ لي عليهم.
بل قل لي، أيها الطبيب الفاضل، مَن مِن السلف جمع بين العلم والعمل في آنٍ واحد؟ وإن وُجد، فهل كانوا ينشغلون بتجارتهم كما ينشغل الناس اليوم بوظائفهم؟! إنما كانت لهم أعمال فلهم فيها شركاء يحملون أعباء التجارة ، أما هم، فقلوبهم وعقولهم في الكتب، وأرواحهم بين الصحائف والمصاحف.
وهل تدري يادكتور أن هذه الأمة ما ضعفت إلا لما قدّمت أهل الدنيا على أهل الدين؟ وأن ما ضاع الوقف، وما هانت مكانة طالب العلم، إلا حين تسلّط على الأمور من لا يعرف للأقدار منازلها، فجعلوا العلم مطيةً للكسب، لا طريقًا للهداية، وطلب العلم وظيفةً لا عبادة. نعم لو كانت الأوقات تصرف حقا لطلبة العلم في حقوقهم لما كانوا مجرد موظفين عند الأوقاف يجاملونهم ولا يستطيعون الكلام وهذا هدف أعداء الأمة نهب الأوقاف وتحويل العلماء إلى موظفين أو إلى غير متفرغين للعلم وهكذا يضيع العلم وهذا بحسب وصيتك ولو كانت الأمة تعرف قدر علمائهم لأكرموهم وجعلوهم الحلقة القوية في الأمة لإعزاز العلم والأمة وافشلوا مخطط أعداء الأمة لأن الدين ليس مجرد عدة كتب ندرسها ونمتحن فيها بل هو بحر عميق وملكة يؤتيها الله من يحب من عباده انظر كيف يتم إكرام أشباه العلماء من المشاهير لتقديمهم للناس أنهم هم الفقهاء ويتم تغييب أهل العلم الحقيقيين ، وزرعوا فيكم أفكارا كالتي ترددها جنابك من غير أن تدرك أبعادها
وأعجب ما في الأمر، أنك تظن أن للطبيب منزلة أعلى من طالب العلم، فليتك علمت أن طالب العلم الشرعي هو القائد إذا أُحسن تأهيله، وهو المُفتي في النازلة، وهو الحارس للعقيدة، والمُبصر في الملمات، والعين التي تُبصر للأمة طريقها حين يعمى الساسة ويضلّ المفكرون.
فإن كان لكل مهنةٍ شرفها، فشرف العلم أنه ميراث النبوة. وإن كانت لكل وظيفةٍ راتب، فإن أجر طالب العلم عند الله لا يُحصى.
وإني لأعجب منك – وأنت من أبناء هذا الدين – كيف ضاقت عينك بمسكن يؤويه؟ أهو كثيرٌ على من يحمل ميراث الأنبياء أن يُمنح سقفا يأويه، ليُقبل على العلم دون همّ أو شاغل؟ إنما هو حقّه على الأمة، لا منحةٌ من أحد.
نعم، لسنا في الإسلام برجال دين كما تزعم الكنيسة، لكن فينا رجال علم، وهم الذين ترفع بهم الأمة رأسها، فإذا أهينوا، انكسرت الأمة وانحنت، ومُسخَت هويّتها، وضاعت ريادتها.
فاحذر، يا دكتور، أن تكون ممن يُهوّنون من قدر العلماء، فإن في هذا هلاكا للأمة، ومن أهان حامل العلم، فقد أهان نور الدين، وأطفأ سراج الهدى، وساوى بين الحامل للحق، وبين الغافل في الأسواق.
والسلام على من عرف للعلم قدره، وعرف للرجال منازلهم.