بداية نزول الوحي (2)


بقلم الشيخ : أبو بكر الجندى

في المقال السابق قد تحدثنا عن بداية نزول الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم، وفي هذا الحديث فوائد عظيمة، من أهمها:

الأولى: أهمية القراءة والتَّعلم فلن تنهض أمة ولن تسابق الأمم إلا بالقراءة والتَّعلم، أما الجهل فلا يقيم أمة ولا يُنشأ حضارة؛ لأن أمة لا تقرأ أمة ضعيفة بل أمة معدومة وكأنها لم تخلق أصلاً، ويظهر ذلك في تقديم القراءة على الخلق في أول آية نزلت من القرآن {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ }[العلق: 1 – 2]، مع أن خلق الإنسان أولاً ثم يَكْبُر يقرأ ويتعلم كما قال الله تعالى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}[النحل: 78].

ولذا يُصِر جبريل عليه السلام ويُلح في أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقرأ والنبي لا يقرأ وجبريل يعلم أنه لا يقرأ؛ حتى يترسخ في ذهن النبي صلى الله عليه وسلم وفي عقل الأمة الباطن كلها على أهمية القراءة والتَّعلم، وأنه لا عذر للإنسان في ترك التَّعلم حتى لو كان أًمياً لا يقرأ ولا يكتب.

وظل النبي صلى الله عليه وسلم أًمياً لا يقرأ ولا يكتب وهو الذي حث على العلم والقراءة والكتابة، وعلم الدنيا أمور دينهم ودنياهم، وظل هو أًمياً لا يقرأ ولا يكتب حماية للوحي وصيانة لكلام الله أن يقال إنه من تأليف محمد كما قال تعالى: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ}[العنكبوت: 48].

الثانية: أن القراءة منها النافع والضار والمفيد وغير المفيد، وما يسخط الله وما يرضيه، فتُعِلمنا هذه الآية منهج القراءة النافعة والعلم النافع وهو كل علم ينفع الإنسان أو الأمة في دينها ودنياها وكل عِلم يذكر اسم الله تعالى عليه كما قال تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}[العلق: 1]، بخلاف العلوم المحرمة كالقراءة في السحر والشعوذة والإلحاد والإجرام.

الثالثة: أن صنائع المعروف تقي مصارع السوء، كما قالت أم المؤمنين خديجة، وهي تخفف عن قلب النبي صلى الله عليه وسلم وتهدئ من رَوعه وتقول: “كلا والله لا يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكَّلَ، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتُعين على نوائب الحق”، فالذي ينصر المظلوم ويجبر خاطر الناس خاصه الفقراء والمساكين فلن يَذل ولن ينكسر أبداً؛ لأن الذي يجبر قلبه هو الله تبارك وتعالى ولن يخذله الله عز وجل أبداً، وفي الحديث: “من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته”، فالجزاء من جنس العمل وكما تَدين تُدان.

الرابعة: أن الصراع باق إلى يوم القيامة بين الحق والباطل، كما قال ورقة بن نوفل للنبي صلى الله عليه وسلم: “لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عُودي”، ولكن شأن الإيمان والكفر، والحق والباطل، أنهما ما تقابلا ولا تواجها إلا غلب الحق الباطل: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ}[الأنبياء: 18]، فنصر الله رسوله صلى الله عليه وسلم وأيده، وفتح له قلوب الناس حتى من أعدائه ومن خصومه.