مصر الخالدة…. رسالة طمأنة وتثبيت

بقلم فضيلة الشيخ : يوسف محمد السعداوى
من علماء الأزهر والأوقاف

من عمق التاريخ، هناك على هضبة الجيزة، أهرامات قابعة على وجه الدنيا معدودة من أعاجيب الدنيا.
لازالت إلى اليوم تحير العقول والألباب.
تدلي الثقافة بدلوها حولها لفهم لغزها، ويدلي العلم بدلوه نحوها ليحدد نسبها.
وتتعلق الأنظار ببراعة البناء وشموخه، وتحتار الأفكار في فهم الأسرار.

لكن الناظر من بعيد يرى عجباً…
إنه تاريخ عميق، ضارب بجذوره في عمقٍ أعجز الجميع عن الوصول إلى منتهاه، وسطروا من أجله الأحاجي والأساطير.
إنه البعد الحقيقي لعمق الزمن الذي عاشته هذه الأمة على الأرض… الأمة المصرية، التي بادت أمم وقامت أمم من حولها، وهي لاتزال باقية، تتوسع في عصور القوة إلى حدود ضاربة في مشارق الأرض ومغاربها، ويوم أن تضعف تعود إلى حدودها الربانية.

إنها كالنيل العظيم الخالد،
في فيضانه يعم ماؤه اليابسة من حوله فيملأها خيراً ونماءً، وعندما ينحسر تحوطه شُطآنه التاريخية.

إن هذه الأهرامات بشموخها ورساخة قواعدها ترمز إلى القوة والصلابة.
إنها تحطم العواصف تحطيماً، فما سطر التاريخ يوماً أن العواصف أزالت من على قمتها حجراً.
لتحكي بثبوتها ورسوخها وثقلها على الأرض قصة خلود مصر وأهلها، وثباتهم في مواجهة الشدائد.

وتحكي بعمق جذورها في التاريخ قِدم هذا البلد وأصالة عِرقه، الذي يرد على كل كذب وافتراء.

تحكي قصة صلابتها، وعجز الطبيعة قبل البشر عن هدمها وتدميرها، وتحكي بذلك صلابة أهل مصر وشدتهم في مواجهة الأعداء والفتن والشدائد.

لقد أثبت التاريخ قطعاً أن مصر بلد وحضارة أقدم من طوفان نوح.
وأيد هذا الدليل الكتب السماوية، وعلى رأسها القرآن الكريم.
فأول نبي عُرف أنه كان لأهل مصر هو إدريس عليه السلام، الذي رفعه الله مكاناً عليا.

إدريس، الذي يُذكر في القرآن كنبي دون قصة مع قومه، لأن قصته مع قومه أهل مصر لم يكن بها خروج عن اللائق ولا عن الفطرة.

أثبت التاريخ أن الله بعثه إليهم معلماً ونبياً علمهم أسس بناء الحضارة التي خلدت إلى اليوم، فكانت حضارة مصر ، من وضع أسسها نبيٌ بوحي من الله ، ليصير اهل مصر من بعده هم معلمي الإنسانية ، فسبقت مصر كل العالم حضاريا ، إنسانيا ، فصارت هي المعلم الاول .

فـ إدريس عليه السلام اول من خط بالقلم , اول من أسس لعلم الطب والفلك ، وبناء المدن وعمارة الأرض .

فأخرج الناس من الكهوف ،واسكنهم البيوت والمنازل وبني لهم المعابد اللتي يعبدون الله فيها .

ويذكر أن مابقي من آثارًا على سطح الأرض في مصر إلى اليوم أنها من زمن ادريس عليه السلام، ليدلل لنا أن حضارة مصر كانت من بداية الإنسانية ،وهي أقدم الحضارات على الاطلاق ، وتسبق طوفان نوح .

فـ نبي الله نوح عليه السلام ، من نسل إدريس وهو -اي ادريس ـ الجد الثالث لنوح عليه السلام، الذي حدث في عهده الطوفان.

الطوفان الذي دمر ما كان على الأرض من حضارة، وبقيت الأهرامات.

كثير من الباحثين أثبتوا أن الهرم الأكبر كان مطلياً بطبقة من الجص الأبيض، ورجحوا أن إزالتها بسبب الطوفان، ولم يكن بسبب عوامل التعرية.

واستدلوا على ذلك ببقاء جزء متوازن من القمة كما هو.
ليرجحوا أن الأهرامات أقدم من طوفان نوح، وأن من يحاول تحديد عمرها بسبعة آلاف عام هو ضرب من الاستنباط، وهذا حقيقي.

فإن مفسروا للقرآن الكريم، والذين نسبوا الأنبياء إلى آبائهم واستندوا إلى روايات الكتب السماوية كالتوراة والإنجيل، نسبوا نوحاً إلى جده إدريس نبي أهل مصر.

وهذا يدل على أن مصر بحضارتها أقدم من طوفان نوح عليه السلام، وبقيت رموز هذه الحضارة شامخة إلى يومنا، وإلى أن يشاء الله.

وبقيت البشارة…
البشارة من قول رسولنا الحبيب صلى الله عليه وسلم:
ما جاء عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: حدثني عمر رضي الله عنه؛ أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول:
«إذا فتح الله عليكم مصر بعدي فاتخذوا فيها جندًا كثيفًا؛ فذلك الجند خير أجناد الأرض».
فقال له أبو بكر: ولم ذلك يا رسول الله؟
قال: «لأنهم في رباط إلى يوم القيامة».

والبشارة في قوله صلى الله عليه وسلم: «لأنهم في رباط إلى يوم القيامة».
فقد ضربت مصر في عمق الإنسانية، وهي باقية بإذن الله تعالى حتى يأذن الله بقيام الساعة،وهذه هي البشارة،بأن مصر وجندها وأبنائها وأرضها باقون محفوظون من الله سبحانه وتعالى إلى يوم القيامة.

فـ مصر بأبنائها وجيشها خير أجناد الأرض ، وهم الآمنون من الفتن بنص حديث الرسول صلى الله عليه وسلم “ستكون فتنا أسلم الناس فيها هم الجند الغربي” وفي معني هذا الحديث ثبت عن علماء المسلمين أن الجند الغربي هم الجند المصري،
فـرغم كيد الكائدين وتدبير من دبر، لن تزول مصر أمام أطماع أهل الشر، ولن تنجح مساعيهم الواهمة في اقتصاص جزء من أرضها تحقيقا لأحلامهم الواهمه ، وإملاء شياطينهم عليهم .

إن مصر أرض طيبة، تلفظ الأنجاس والأرجاس من على ظهرها وترفض عيشهم فيها ، وقد لفظتهم من قبل يوم أن سلط الله عليهم عدواً من أعدائه فسامهم سوء العذاب، وطاردهم حتى أخرجهم منها قبل أن يهلكه الله، وما ردوا إليها ولن يردوا بإذن الله .

إن الرسالة الإلهية، والرسالة النبوية، والرسالة التاريخية لأهل مصر هي رسالة طمأنة وثبات.

فعلينا جميعاً بشحذ هممنا، وعدم الالتفات إلى من يثبطها أو يشككنا في أنفسنا.

إن شعب مصر عرفوا على مر التاريخ أنهم أولو بأس شديد، ولا يقهرهم أحد.
إذا ما قصدهم قاصد ليدمر عليهم، دمروا هم حياته، فلا تقوم له بعدها قيامة .
واسألوا عن ذلك الغرب فى حروبهم الصليبيه والتتر في سالف العهد… والتاريخ يعيد نفسه، وأهل مصر هم أهل مصر كما هم.

حفظ الله مصر قيادةً وجيشاً وشعباً، وأمنها من الفتن.