شرعية الاحتفال بمولد خير البرية محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم

بقلم الدكتور: الدكتور عبدالهادي النجار

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدي ودين الحق ليظهره علي الدين كله ولو كره المشركون و المنافقون نحمده سبحانه وتعالى على أنه جعلنا من أمة سيد الأولين والآخرين والرحمة للعاملين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وقائدنا ومعلمنا سيدنا محمد رسول الله صاحب الرسالة العظمى وصاحب المقام الرفيع عند السميع العليم وبعد :

إن الاحتفال بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم أنما هو التطبيق العملي لصدق محبته ولكونها أعظم محبة تستغرق قلب الانسان المؤمن والتي تقتضى تعظيم وتوقير ذلك النبي وهذا ليس فيه غلو حيث ان الغلو انما هو اتخاذ معبود من دون الله وحاشا الله أن يكون ذلك من محبين رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك فالحب والتعظيم لمن هو له أهل لهو عين الايمان لذلك يقول الله عز وجل يا أيها الذين امنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبى ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون)

بل الأدب ومعرفة قدره هو امتحان التقوى الحقيقي لقلوب المؤمنين إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم

واذا كان الكافر قد استفاد من تعبيره عن فرحته بمولد سيد الخلق فما بالك بالمؤمن الموحد ونصيبه في ذلك الحب ومن تلك الفرحة والذي يدل على الانتفاع الكافر بذلك ما جاء في البخاري أنه يخفف عن أبي لهب الذي نزل في شأنه قرآن بالوعد والوعيد .

كل يوم اثنين بسبب عتقة لثويبة جاريته لما بشرته بولادة المصطفى صلى الله عليه وسلم وهنا يقول الحافظ محمد بن ناصر الدين الدمشقي.

اذا كان هذا كافراً جاء ذمه بتبت يداه في الجحيم مخلدا أتي أنه في يوم الاثنين دائماً يخفف عنه للسرور بأحمدا فما الظن بالعبد الذي كان عمره بأحمد مسروراً ومات موحدا

وحينما تبحث في حياة صاحب الرسالة نجد أن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان يعظم يوم مولده ويشكر الله تعالى فيه على نعمته الكبرى عليه وتفضله عليه بالوجود لهذا الوجود إذ أن أهل التوحيد جميعاً قد سعدوا بهذا الميلاد الشريف لذلك كان يعبر النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك التعظيم بالصيام وهذا ما جاء في الحديث عن أبي قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم الاثنين فقال فيه ولدت وفيه أنزل على وهذا يدل على أن النبي كان يحتفل بمولده وبالتالي مع تعدد الصور إلا أن المعنى موجود سواء أكان ذلك بصيام أم بأطعام الطعام أو باجتماع على ذكر او صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أو سماع شمائله الشريفة العطرة الكريمة وان الفرح بالمصطفى صلى الله عليه وسلم مطلوب بأمر القرآن من قوله تعالى

قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فيلفرحوا هو خير مما يجمعون قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراماً وحلالاً قل الله اذن لكم أم على الله تفترون)

لهذا تجد أن الله تعالى أمرنا ان نفرح بالرحمة والنبي صلى الله عليه وسلم أعظم رحمة واجل بركة قال تعالى (وما ارسلناك إلا رحمة للعالمين) ونجد أيضاً أن صاحب الرسالة العطرة الشريفة صلى الله عليه وسلم كان يلاحظ ارتباط الزمان بالحوادث الدينية العظمي التي مضت وانقضت فاذاجاء الزمان الذي وقعت فيه كان فرصة لتذكرها وتعظيم يومها لأجلها ولأنه ظرف لها وقد أصل صلى الله عليه وسلم هذه القاعدة بنفسه كما صرح في الحديث الذي أخرجه البخاري أنه صلى الله عليه وسلم لما وصل المدينة ورأى اليهود يصومون يوم عاشوراء سأل عن ذلك فقيل له انهم يصومون لأن الله نجى نبيهم وأغرق عدوهم لذلك هم يصومونه شكراً لله على هذه النعمة فقال صلى الله عليه وسلم

نحن أولى بموسى منهم صامه وأمر بصيامه وحبب رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين أن يوسعوا على اهلهم وأولادهم في المأكل والمشرب في هذه المناسبة وهذا هو كليم الله موسى عليه السلام يأمره الله تعالى أن يذكر قومه بأيام الله أي الأزمنة المباركة يقول الله تعالى

(ولقد أرسلنا موسى بأياتنا أن اخرج قومك من الظلمات الى النور وذكرهم بأيام الله إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور )

ومبدأ تخصيص يوم وأيام إنما ذلك إتباع لقول الله تعالى في شأن يحيى عليه السلام وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا)

والنبي صلى الله عليه وسلم أولى بالتخصيص لكل لحظة في حياته المباركة أما ما يقولون أن لنا عيدين فقط فنقول لهم العيدان إنما هما عيدا شعائر ومناسك وليس في الاسلام غيرهما كصلاة العيد والتكبير أما العيد بمعنى العود الحميد والذكرى الطيبة فذلك مسنون لكل ما هو مرجو الفائدة كقول سيدنا عيسى عليه السلام في نزول المائدة قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيداً لأولنا وأخرنا وأية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين

وقد حكى الله نشأة يوسف عليه السلام وحياته من مولده إلى لحده وميلاد السيدة مريم وميلاد سيدنا يحيى عليه السلام وميلاد عيسى عليه السلام وكذلك ذكر الله اصطفاء الانبياء وغيرهم من أهل القرب وأمر بذكرهم وتذكرهم لذالك يقول الله تعالى في كتابه الكريم (إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل ابراهيم وآل عمران على العالمين ) وكذالك يقول في كتابه الكريم ) واذكر في الكتاب ابراهيم انه كان صديقا نبيا ) وكذالك أيضاً يقول الله تعالى ( واذكر في الكتاب اسماعيل انه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا ) وكذلك قوله تعالى واذكر في الكتاب ادريس انه كان صديقا نبيا ) وكذلك قوله تعالى ( واذكر عبدنا داود دا الايد انه أواب) وقوله تعالى ( واذكر عبادنا ابراهيم واسحاق ويعقوب أولى الايدى والانصار انا اخلصناهم بخالصة ذكرى الدار ) وقوله تعالى ( واذكر اسماعيل واليسع وذا الكفل وكل من الاخيار

وهذا ذكر وإن للمتقين لحسن مآب

وإن معرفة شمائله ومعجزاته وإرهاصاته تستدعى كمال الایمان به صلی الله عليه وسلم وزيادة المحبة إذا الانسان مطبوع على حب الجميل خلقا وخلقاً علماً وعملاً حالا واعتقاد ولا أجمل ولا أكمل ولا أفضل من أخلاقه وشمائله صلى الله عليه وسلم وزيادة المحبة وكمال الايمان مطلوبان شرعاً

فما كان يستدعيهما مطلوب كذلك .

وأن الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم تطبيق عملي لاظهار التحدث بنعمة الله التي امرنا الله بها واما بنعمة ربك فحدث ) وسيدنا المصطفى صلى الله عليه وسلم هو النعمة الكبرى بل أجل نعمة انعم الله بها على الخلق إذ به الاسلام والايمان والجنة والنجاة من النار.وإظهار الفرح بمولده صلى الله عليه وسلم ووضع الولائم وإطعام الطعام وإكرام الفقراء والاجتماع للذكر هو الشكر العملي الذي يرضى الله وبه يتحقق المسلم بالاستجابة لأمر مولاه اعملوا آل داود شكرا

وفي هذا يتضح أن إحياء ذكرى مولده صلى الله عليه وسلم بشروطها نوع من شكر النعمة وهو واجب قرآنی صريح وكل خير تشمله الأدلة الشرعية ولم يقصد بأحداثه مخالفة الشريعة ولم يشتمل على منكر فهو من الدين وقول قائل أن هذا لم يفعله السلف ليس هو دليلاً له بل هو عدم دليل كما لا يخفى على من مارس علم أصول الفقه فقد سمى الشرع بدعة الهدى سنة ووعد فاعلها أجراً فقال صلى الله عليه وسلم

من سن في الإسلام حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده دون أن ينقص من أجورهم شيء ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده دون أن ينقص من أوزارهم شيء)

لذالك نجد أن الله تعالى قال ( وكلا نقص عليك من انباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين

ويتضح منه أن الحكمه فى قص أنباء الرسل عليهم السلام تثبيت فؤاده الشريف صلى الله عيله وسلم بذلك ولا شك أننا اليوم نحتاج إلى تثبيت أفئدتنا بأنبائه وأخباره صلى الله عليه وسلم إذ فيها الذكر والذكرى والتذكر للمؤمنين أو لست انت يا سيد الخلق القائل أنا حظكم من الانبياء وانتم حظى من الأمم ولنعم الحظ أنت لنا يا رسول الله لأن ما نحن فيه في الخير وما ننعم به من أنوار الهداية يرجع الفضل فيه إلى الله ثم لك فإذا قلنا لهذا أحببناك فما جزيناك لأن الذي ارسلك وكلفك دعوة خلقه الى توحيده فرض محبتك فمحبتك فرض كالصلاة و كالصيام وبالتالي لا يصدق إيمان المؤمن ولا يكتمل ولا يجد بين جوانحه روعته ولا يتذوق حلاوته حتى يكون الله ورسوله احب إليه مما سواهما وقد كان صلى الله عليه وسلم يقول أحبوا الله لما يغذوكم من نعمة وأحبوني بحب الله وفي الحديث عن أنس رضى الله عنه قال .. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله احب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه الا الله وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله كما يكره أن يقذف في النار)

ومن هذا يتضح أن مبدأ الاحتفال بالمناسبات الطيبة وإحياء ذكرها مبدأ مقرر ومبدأ مفيد في عالمنا الآن وفرصة نبحث فيها حديث الذكريات ليعلم المعاصرون حسن الاقتداء بالصالحين الذين سبقونا بإحسان وأدوا للاسلام كبرى الخدمات وهى دروس وما أحوجنا الآن الى الدروس التي تقال في مناسبات فكل مجال مقال ولكل حادث حديث.

ويتضح كذلك أن إستعراض حياة عظمائنا في كل نواحي الحياة بمناسبة مولدهم أو وفاتهم أو الحادث الذي فعلوه والتحدث عن نواحي عظمتهم ليقتدى الشباب والمسلمون عامة بهم سنة حسنة يعود نفعها على الفرد والمجتمع وحيث كانت المنفعة فثم شرع الله عز وجل.