للأرواح أرزاق
31 يوليو، 2025
بستان الصالحين

بقلم الكاتب والباحث الصوفى الكردى الدكتور : عبدالكريم فتاح أمين
كما أن للأجساد والأعضاء أرزاق ولا تستقيم إلا بها كذلك للأرواح أرزاق يسوقها تعالى الله إليها.
ولا بد أن نعلم أن رزق الأرُّواحِ الأرْوَاحٌ ، ربما إن روح الذي يريد لقاء روحك ويكون نصيباً له في عالم الأرواح عائش في بعد مكاني وأقصى المدائن، ولن تصل اذهانك وخيالاتك المادية والناسوتية إلى التوافق والتصادف بينهما ولن تصدق تصوراتك ولا تصورات غيرك التواصل والملاقات بينهما قاطبة لوجود حواجز وحواجب جزرية من الإبهام والمجهولية وبعد جغرافي ولكن إذا شاء مالك القلوب ومقلب الأحوال عز و جل يرفع تلك الحواجب والعوائق آنذاك بسهولة ويرسخ الوصل ويزول الفصل.
فحينئذ يتصلن الأرواح المتآلفة والمتآنسة ويحدث بينهما التعارف الحقيقي والتشاكل والتآلف والتعاون المادي والروحي كما قال رسول رب العالمين ـ صلى الله عليه وآله وسلم:
(( عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعتُ النبي ﷺ يقول: الأرواح جنودٌ مُجنَّدةٌ، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف))
قبل أن يقبل الجسد جسدا اخر لا بد أن يقع الانسجام بين الأرواح
وانقل لكم تفسير شراح رحمة الله عليهم
للحديث المار ذكره في ذلك الحين كي تكونون على بصيرة أكثر فأكثر حول الموضوع الذي كنا بصدده:
(( أن الأرواح تتشابه وتتجاذب بناءً على طبيعتها الأصلية، فالأرواح المتوافقة تتآلف وتتقارب، والأرواح المختلفة تتنافر وتتباعد. ويشير هذا الحديث إلى أن هناك علاقة سابقة بين الأرواح، وأن هذا الارتباط يظهر في التوافق والتقارب بين الناس في الدنيا.
الأرواح جنود مجندة:
تعني أن الأرواح متشابهة ومجتمعة في أصلها، وأن هناك علاقة سابقة بينها.
فما تعارف منها ائتلف:
أي أن الأرواح التي تشبه بعضها في صفاتها وأخلاقها تتآلف وتتقارب في الدنيا.
وما تناكر منها اختلف:
أي أن الأرواح المختلفة في صفاتها وأخلاقها تتنافر وتتباعد في الدنيا.
أهمية الحديث:
*- يبين أهمية الأخلاق والصفات في التوافق بين الناس.
*- يوضح أن هناك علاقة سابقة بين الأرواح.
يشير إلى أن هناك أسبابًا خفية وراء انجذاب الناس لبعضهم البعض.
*- يعطي دلالة على أن هناك خير وشر في النفوس، وأن الأرواح تتجه نحو ما يشبهها.
يقول امير الرواية (ابن حجر العسقلاني) رحمة الله عليه : (( إن الأرواح خلقت مجتمعة ثم فرقت في الأجساد، فمن وافق بشيمه ألِفه، ومن باعده نافره وخالفه”.
ويقول الخطابي: “إن تآلف الأرواح هو ما خلقها الله عليه من السعادة أو الشقاوة في المبتدأ، وكانت الأرواح قسمين متقابلين، فإذا تلاقت الأجساد في الدنيا ائتَلَفت واختلفت بحسب ما خلقت عليه”.
بمعنى آخر، فإن الأرواح تختلف في طبيعتها، وأن هذا الاختلاف يظهر في التوافق والتباعد بين الناس في الدنيا. فالأخيار يميلون إلى الأخيار، والأشرار يميلون إلى الأشرار، وهذا يرجع إلى طبيعة الأرواح التي خلقت عليها.
وبحسب الطبيعة فقليل أن يخالف القرين قرينه إذا كان الإتفاق قد بنى من الأرواح كما قال الشاعر:
عن المرء لا تسأل وسَلْ عن قرينه ……….فكل قرينٍ بالمقارن يقتدي
وبالبداهة فالروح إذا صفى وزكى وعلا وتخلى عن الصفات الرذيلة وتحلى بالصفات الحميدة ورقى إلى عالم العلوي يرشح في اتخاذ الأصدقاء والاخلاء وينتخب هؤلاء الذين يصبحون وسيلة ترقيهم وصعودهم، ويقعون في مرحلة تقييم الأشخاص، وإلى هذا قد أشار الرسول الأعظم ـ صلى الله عليه وآله وسلم:
(( عن أبي هريرة رضى الله عنه : أن النبي ﷺ قال: الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل))
يدقق الذي بلغ ذروة الفهم والعلم والمعرفة في عالم الأرواح في كل شيء: الصحبة ، والأكل ، والشرب، والمجالسة ، والعطاء ، والأخذ……. وإلى هذه الحقيقة المعنية يشير الحديث الآتي : (( لا تُصَاحِبْ إِلَّا مُؤْمِنًا، وَلا يَأْكُلْ طعَامَكَ إِلَّا تَقِيٌّ))
وللعلم تختلق المشاكل في الأرواح قبل أن تختلق بين الأجساد لأن الانفعالات والغضب والعداوة الشرسة والاحتدام والرفض وبالعكس كذلك القبول والمودة والمحبة وقراءة البعض البعض تنبع من الأرواح والدموم والصدور .
وبما قلنا يبدو أن الأجساد يحتذي بالأرواح احتذاء المتعلم بالمعلم وليست مستقلة أبدا .
ولا يوجد خلاف أو نزاع بين الأرواح المتآلفة والمتوافقة ولا يوجد بينها أي تعارض. فالمشاعر والإحساس من افاعيل الروح والنفس المزكاة .