أين أنتم من علمائكم؟


بقلم الدكتور الشيخ : محمد سعيد صبحي السلمو
( الأزهرى البابي الحلبي )

يقولون: أين علماء حلب؟
وما علموا أن السؤال الحقّ ليس هذا، بل: أين أنتم – يا أهل حلب – من علمائكم؟

تطلبونهم حيث لا يكونون، وقد أخرجتموهم من حيث كانوا…
ترجون منهم كلمة، وأنتم أول من أسكتها؛ تنتظرون منهم موقفاً، وأنتم أول من حاصره، بل أنكرتم عليهم الحياة!

لقد خُذل العلماء يوم حوربوا، واعتُدي على هيبتهم، لا بسلاح، بل بأقلام قومٍ منكم، وألسنةٍ تشبهكم، وقلوبٍ ما عرفت قدرهم، وإن ادّعت يوماً حبهم.

عُزلوا عن الناس، وأُقصوا عن المنابر، فإذا بكم تزيدون في عزلتهم، وتضربون حولهم طوق النسيان، ثم تسألون: أين هم؟!

أتُبصرون العالِم إذا أغلقوا عليه المسجد، وحُرّم عليه المنبر، وسُدّت دونه الأبواب؟
أنظرُ أين تلتقونه؟

عند القلعة التي ضجّت بأصوات الأراكيل، وضحكات التائهين؟
أم في ساحة سعد الله حيث لا سعد ولا صلاح؟
فأين يلقاكم؟ وبأي لسان يخاطبكم؟
وهل بقيت له منزلة في عيونكم بعد أن نزعتم عنه ثوب الوقار، وألبستموه تُهم الخيانة والخنوع؟!

لقد كنتم  يا أهل حلب – من قبل، أمةً يعتزّ بها العلماء، يحفّون بكم كما يحفّ الدرع بجسده، تلتفّون حول سيدي محمد النبهان رضي الله عنه ، وحول الشيخ المحدّث عبد الله سراج الدين رضي الله عنه، كما يلتفّ الضياء حول القمر، وكان لهم في قلوبكم موطن، وفي بيوتكم مقام، وفي وجدانكم سُكنى.

فأين أنتم اليوم؟
وقد صرتم تلتفون حول “مجاهيل” يلبسون ثوب الدين وهم أجهل به من البهائم، وتدعونهم “شيوخاً“، ثم تسألون: أين العلماء؟

العالِم بشر، فإن ظلمتموه وظنّنتم أنه صخرة لا تبكي، ولا يشقّها النكران، فقد أخطأتم.
إن سجنوه، ووشوا به، ووشحوه بعار الخيانة كذباً وزوراً، كنتم أنتم أول من صدّق…
بل أول من نكّل به، وسلخ سيرته، وضيّع أهله.

ثم تأتون تسألون: لمَ لا يخرج العلماء؟
ولمَ لا يقولون؟
ومن بقي له قول، وأنتم من ذبح الكلمة على أعتاب الجحود؟!

والله، لو أنّكم التففتم حول علمائكم، وعضدتموهم في محنتهم، لكانت لكم هيبة، ولكان لبلدتكم وجهٌ في الدنيا، وحقٌّ على الناس.

ولكنّهم أرادوا لكم أن تكونوا بلا رأس، لا يُسمع لكم صوت، ولا يُكتب لكم مطلب، وأطعتم.
زرعوا فيكم عقيدة تخالف ما كان عليه الأوّلون من أشاعرة وماتريدية.

فهل بقي من الدين شيء؟
أم هي أسماء تسَمَّونها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان؟!

انظروا إلى غيركم: الدروز في السويداء، ليس لهم عالم يضاهي عالماً من علمائكم، ومع ذلك وقفوا خلف شيخهم، فصار لهم مطلب، ونُفّذ لهم ما أرادوا، وما رضوا.
وأنتم في حلب، تُستلب حقوقكم، وتُنسى محافظتكم، وتُطمس هويتكم، وأنتم ترقصون بالمناديل في الشوارع، لا تستحون من التاريخ، ولا تخجلون من المجد الذي تهاوى.

كلّ البطولات تنسب لسواكم، وكلّ التُّهم تُلصق بكم، وليس لكم ناصر، لأنكم نزعتم بأنفسكم درع الحماية: علماؤكم.

فيا أهل حلب:
إن أردتم القرار، فالْزَموا العلماء.
وإن أردتم القوة، فعودوا إلى من كانوا عيونكم البصيرة.
ولا تكونوا كمن أضاع المفتاح ثم اتهم الباب أنه لا يُفتح..