إِنَّهَا أَمَانَةُ
23 يوليو، 2025
أخبار العالم الإسلامى

بقلم الدكتور: أحمد بدوي مازن
مدرس الحديث الشريف وعلومه بجامعة الأزهر الشريف
في ظل ما نشهده من أجواء تنافسية على المقاعد النيابية في البرلمان نريد أن نتذكر سويًا أنها مسؤولية عظيمة أمام الله عز وجل، ويتجلى لنا قول النبي صلى الله عليه وسلم لسيدنا أبي ذر رضي الله عنه حينما طلب الإمارة، فقال له صلوات الله وسلامه عليه (يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنَّكَ ضَعِيفٌ، وَإِنَّهَا أَمَانَةُ، وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ، إِلَّا مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا، وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا) والضعف هنا ليس ضعف الإيمان، فسيدنا أبوذر إيمانه يعدل إيمان أمة، لكن المراد كما قال الإمام النووي رحمه الله: الضعف عن القيام بوظائف تلك الولاية. وأما الخزي والندامة فهو في حق من لم يكن أهلا لها أو كان أهلا ولم يعدل فيها، فيخزيه الله تعالى يوم القيامة ويفضحه ويندم على ما فرط، وأما من كان أهلا للولاية وعدل فيها فله فضل عظيم.أ.ه
والعجب كل العجب لمن يُقصر في المهام الموكل بها، وهو يريد تحمل المزيد من المهام ، ويتولى المزيد من المناصب، متناسيًا قول النبي صلى الله عليه وسلم: (كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللهَ سَائِلٌ كُلَّ رَاعٍ عَمَّا اسْتَرْعَاهُ، أَحَفِظَ ذَلِكَ أَمْ ضَيَّعَ؟ حَتَّى يُسْأَلَ الرَّجُلُ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ)
إنَّ حب الشهرة والوجاهة الاجتماعية بين الناس قد يدفع البعض للخوض في غمار هذا التنافس دون أن يفكر في عاقبة الأمر، فالمسؤولية عظيمة، والحساب عليها شديد، وكان يقول سيدنا عمر رضي الله عنه من شفقته (وددت أن أنجو لا أجر ولا وزر)، وفر هاربًا سفيان الثوري رضي الله عنه حينما عرض عليه الخليفة المنصور أن يتولى القضاء، ورفض الإمام مالك رضي الله عنه أن يُجبر الناس على موطأه ومذهبه وقال: (إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تفرقوا في الأمصار، ولكل علمه)
إن قضاء حوائج العباد له فضل عظيم عند الله عز وجل، يقول صلى الله عليه وسلم (وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ القِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَة) فلا يلزم ذلك أن يكون الإنسان صاحب منصب أو جاه، وإنما يتطلب الإخلاص وصدق النية، فما كان لله دام واتصل وما كان لغير الله انقطع وانفصل، والله عز وجل شاءت إرادته أن يُلبس المخلصين ثوب العزة، ويُكللهم بالوقار في الدنيا والآخرة، ويُظهر خير أعمالهم على رؤوس الأشهاد.
فعلى العاقل أن يتبصر في هذا الأمر، فالحمل ثقيل، ولابد من تصحيح النيات لله رب العالمين، وقد قال المصطفى صلى الله عليه وسلم (لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ: عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ جَسَدِهِ فِيمَا أَبْلَاهُ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ، وَفِيمَا وَضَعَهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ مَاذَا عَمِلَ فِيهِ)
رزقنا الله وإياكم التوفيق والرشاد والإخلاص وحسن الخواتيم، وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.