دور المرأة في الإسلام بين الحقوق والواجبات

بقلم دكتورة / زينب بسيونى ابو اليزيد
مدرس العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر

 

قال الإمام الزركشي رحمه الله: امرأة عمران…واصلت بعلها باطنًا وظاهرًا…فجعل الله لها ذرية طيبة وأكرمها بذلك، وفضَّلها على العالمين.

لطالما شغلت مكانة المرأة في الإسلام مساحة كبيرة من الجدل والنقاش، وغالبًا ما شاب هذا الجدل تصورات خاطئة أو تأويلات بعيدة عن جوهر الدين.

والواقع أن الإسلام جاء بمنهج شامل يحفظ للمرأة كرامتها، ويرفع من شأنها، ويمنحها حقوقًا لم تكن معروفة في المجتمعات الجاهلية، مقرونة بواجبات تتناغم مع فطرتها ورسالتها الأساسية في بناء الأسرة والمجتمع، استنادًا إلى هدي القرآن الكريم وسنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وتأييدًا من التاريخ الإسلامي الناصع.

ورغم ما يُشاع في بعض الأوساط من أن المرأة لا يجوز أن تظهر في المجتمع متحدثة أو مرشدة، فإن السنة النبوية تدحض هذا الادعاء بوضوح.

فقد شهد عصر النبي ﷺ حضور نساء بارزات في المجال العام، من بينهن أسماء بنت يزيد بن السكن، والتي لُقبت بخطيبة النساء، لما عُرف عنها من جرأة أدبية وبلاغة في الخطاب. فقد جاءت إلى رسول الله ﷺ، غير مرة، في جمع من الصحابة، تسأله وتراجعه وتناقشه في قضايا تخص النساء، دون حرج أو تردد.

ومن أبرز مواقفها، أنها خاطبت النبي ﷺ قائلة: “يا رسول الله، إن الرجال فُضّلوا علينا بالجمعة والجماعة والجهاد، ونحن نربي أولادهم، ونخدم بيوتهم، فهل لنا من ذلك أجر؟”، فبشّرها النبي ﷺ بأن حسن قيام المرأة بمسؤولياتها في بيتها يعدل ما يقوم به الرجال من تلك الأعمال، مؤكدًا على التكامل لا التفاوت.

ومن يمعن النظر في الأحاديث النبوية والسيرة الراشدة، يلحظ أن للمرأة دورًا قياديًا متوازنًا يتناسب مع فطرتها ورسالتها. وهو ما يستوجب تصحيح العديد من المفاهيم الخاطئة التي نشأت نتيجة التقاليد الموروثة أو القيود الثقافية، لا من الدين نفسه.

إن الإسلام قدّم نموذجًا متوازنًا في نظرته إلى المرأة، يكرمها ويكفل حقوقها، ويحمّلها مسؤوليات تؤكد مكانتها وشراكتها في صناعة الحضارة. ومتى ما فُهمت هذه النظرة فَهمًا صحيحًا، تبيّن أن الإسلام كان ولا يزال نظامًا رحيمًا عادلًا يُمكّن المرأة، ويحميها من التهميش أو الاستغلال، ويجعلها ركيزة في بناء أمة قوية أخلاقيًا وعلميًا ومجتمعيًا.

مساواة المرأة للرجل في التكاليف والتدين

يقول القرآن الكريم (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا)

أولًا: الحقوق التي أقرها الإسلام للمرأة

قبل ظهور الإسلام، كانت المرأة تُعامل كسلعة تُباع وتُشترى، محرومة من التوريث والتعليم، بل كانت تُوأد أحيانًا بلا ذنب. فجاء الإسلام ليضع حدًا لهذا الظلم، معلنًا أن للمرأة كيانًا مستقلًا، وإنسانية كاملة تستحق الاحترام والتقدير.

من أبرز هذه الحقوق:

* حق الحياة والكرامة

    حرّم الإسلام وأد البنات، وأكد على كرامة المرأة باعتبارها إنسانًا مكرمًا، كما في قوله تعالى:

    “وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ، بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ”

* حق التعليم

    أوجب الإسلام طلب العلم على الرجل والمرأة، وبرزت شخصيات علمية نسائية رفيعة مثل السيدة عائشة رضي الله عنها، التي كانت مرجعًا علميًا بارزًا في الحديث والفقه.

* الاستقلال المالي

    منح الإسلام المرأة حق التملك والتصرف الكامل في أموالها، دون الحاجة إلى وصي، وهذا من مظاهر تكريمها وتمكينها الاقتصادي.

* حق الميراث

    خصّ الإسلام المرأة بنصيب محدد من الميراث، مع ضمان العدالة وعدم الجور.

* حق التعبير وإبداء الرأي

    كان للمرأة حضور فعّال في المشورة واتخاذ القرار، كما في موقف أم سلمة رضي الله عنها في صلح الحديبية، مما يدل على أن رأيها كان مقدرًا ومسموعًا في صدر الإسلام.

* حق اختيار الزوج والعيش بكرامة

    لا يجوز تزويج المرأة دون رضاها، ولها حق النفقة والمعاملة الحسنة، كما كفل لها الإسلام طلب الطلاق إن تعذّر استمرار الحياة الزوجية بما يحقق لها الكرامة.

ثانيًا: الواجبات التي كلّف بها الإسلام المرأة

في مقابل الحقوق التي منحها الإسلام، كلّف المرأة بواجبات تتناسب مع طبيعتها ومكانتها، ليس من باب التمييز، وإنما من باب التكامل، لضمان استقرار الأسرة، وصلاح المجتمع.

ومن أبرز هذه الواجبات:

*رعاية الأسرة وتربية الأبناء

    تُعد المرأة الأساس الأول في بناء الجيل، فهي التي تزرع القيم وتغرس المبادئ. وقد قال رسول الله ﷺ:

    “والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها” (متفق عليه).

   – طاعة الزوج في حدود الشرع

    تُعد من أسس استقرار الحياة الأسرية، شريطة ألا تمس كرامتها أو تُخالف أوامر الله تعالى.

 

* المشاركة المجتمعية البناءة

    لا يقتصر دور المرأة على بيتها فحسب، بل لها أن تسهم في تنمية المجتمع بما تمتلك من قدرات ومهارات، في مجالات العلم، والعمل، والدعوة، والإصلاح.

ثالثًا: بناء المجتمع

إن المرأة في الإسلام لم تكن عنصرًا ثانويًا أو تابعًا، بل كانت وما زالت شريكًا أساسيًا في صناعة الحضارة، والمساهمة الفاعلة في جميع جوانب الحياة.

أبرز مجالات المشاركة:

   – في الاقتصاد والتجارة

    مارست النساء التجارة بإتقان، وعلى رأسهن السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، التي كانت من أنجح التاجرات في مكة.

السيدة خديجة بنت خويلد: نموذج سيدة الأعمال والداعم الأول

تُعد السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، زوجة النبي محمد صلى الله عليه وسلم الأولى، مثالًا رائعًا للمرأة ذات الاستقلال المالي والذكاء التجاري. كانت سيدة أعمال ثرية وناجحة تدير تجارتها بنفسها قبل زواجها بالنبي. لم تكن مجرد زوجة، بل كانت الداعم الأكبر للرسول في أصعب مراحل دعوته. عندما نزل عليه الوحي لأول مرة وعاد مرتجفًا، كانت هي من ثبتته وطمأنته بقولها: “كلا والله، ما يخزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق.

  –  في العلم والمعرفة

    تألّقت العديد من النساء في ميادين العلم، ومنهن فاطمة الفهرية، مؤسسة جامعة القرويين، أقدم جامعة في العالم.

السيدة عائشة رضي الله عنها: منارة للعلم والاجتهاد

كانت السيدة عائشة رضي الله عنها من أكثر الصحابيات علمًا وفقهًا ورواية للحديث. لم تكن مجرد زوجة، بل كانت مرجعًا علميًا للصحابة أنفسهم. بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، كان كبار الصحابة يرجعون إليها في المسائل الفقهية والحديثية المعضلة، ويطلبون منها الفتوى والنصح. يُقال إنها روت وحدها أكثر من ألفي حديث.

  –  في الجهاد والدعوة

    شاركت المرأة في الغزوات بالرعاية والتمريض، وأحيانًا في القتال كما فعلت نسيبة بنت كعب، وبرزت كذلك في ميادين الدعوة والتعليم.

نسيبة بنت كعب (أم عمارة): شجاعة وبسالة في الدفاع عن الحق

في غزوة أحد، عندما تشتت المسلمون عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثبتت نسيبة بنت كعب (أم عمارة) رضي الله عنها وقاتلت بشجاعة فائقة، وهي تحمل السيف وتدافع عن النبي، حتى أصيبت بجروح عديدة. وقد قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم: “ما التفت يمينًا ولا شمالًا يوم أحد إلا رأيتها تقاتل دوني”.

* في بناء الأجيال

    أعظم أدوار المرأة هو دورها التربوي، فهي التي تُخرّج العلماء والمصلحين، وتضع لبنات المجتمع في نفوس الأطفال.

فاطمة الفهرية: المؤسسة التعليمية الرائدة

فاطمة الفهرية، المعروفة بـ”أم البنين”، هي امرأة مسلمة قامت في القرن الثالث الهجري بتأسيس جامع القرويين في مدينة فاس بالمغرب، والذي تطور ليصبح أول جامعة في العالم ومؤسسة تعليمية عريقة، ولا يزال قائمًا حتى اليوم. قامت بتمويل بنائه وتجهيزه من مالها الخاص.

ويلاحظ في العصر النبوي أن المرأة كان منوطا بها القيام بأعمال التداوي والكشف الطبي، بل اشتُهر منهن عدد بهذا، فكانت النساء يقمن في الغزوات مع الرجال بأعمال الإسعافات الأولية والتمريض، فتحكي أم عطية الأنصارية ذلك بقولها: “غزوت مع رسول الله ﷺ سبع غزوات، أخلفهم في رحالهم، فأصنع لهم الطعام، وأداوي الجرحى، وأقوم على المرضى”

وحين أصيب سعد بن معاذ في غزوة الخندق جعل النبي ﷺ له خيمة في المسجد، وقامت على علاجه إحدى الصحابيات اسمها رُفيدة، بل قال الرسول ﷺ لأصحابه: “اجعلوه في خيمتها، لأعوده من قريب.